ابتداءً من فتنة ابن سبأ إلى يومنا هذا

تحالف الفرس مع أعداء العرب على مرِّ التاريخ

لا يمكن أن يتجاهل أيُّ راصدٍ للتاريخ أو قارئٍ للأدب البغضَ الذي يُكِنُّه الفرس تجاه العرب، لذلك لم يتركوا مجالاً ولم يَدَعُوا فرصةً إلا وأفصحوا من خلالها عما تُكِنُّه أنفسهم، ومنذ فترة مبكرة تحالف الفرس مع كل من يريد أن ينال من العرب، ابتدأت هذه السياسة في عصر الراشدين، وتُرجمت باغتيال الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، على يد الفارسي أبي لؤلؤة في الحادثة الشهيرة، وتؤكد بعض المصادر والمراجع على أنه منذ ذلك الحين كَوَّن الفرس تحالفات ضد الدولة الإسلامية، وهي الفترة التي لم يجرؤ فيها الفرس -وحلفاؤهم السِّرِّيُّون- على المواجهة المباشرة.

كل من كان موتورًا من هذه الدولة الناشئة في عصر الراشدين لم يجرؤ على الانتقام حربًا جهرًا وعلانيةً، لذا لجأوا إلى التحالفات سرًا وإلى الحيلة والمؤامرة؛ لِبَثِّ الفُرقة وضرب العرب ببعضهم البعض، ثم نتج عن ذلك حادثة عبدالله بن سبأ أو ابن السوداء، الذي  تظاهر بالإسلام في زمن الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-؛ خديعةً ومكراً، وكان من أشد المُحَرِّضِينَ على عثمان حتى وقعت الفتنة بين المسلمين، فاستطاع من خلال ذلك أن يجذب إليه الذين زعموا في تصرفات عثمان خروجًا عن منهج سلفيه (أبي بكر وعمر)، وكان دور ابن سبأ أن ينشر هذه الأمور على نحوٍ يلفت النظر ويثير النفوس على عثمان، وفي هذا الجو  المليء بالفتن تمكن ابن سبأ المتدثر بالإسلام أن يوحي إليهم بمؤاخذة عثمان أو انتقاصه.

وإلى جانب هذه الفتنة السياسية ضد عثمان -رضي الله عنه- كانت تحاك فتنة أشد خطرًا، وهي محاولة هدم الأصول من الداخل. وذلك عن طريق ابتداع مناهج الباطنية في تأويل الشريعة على نحو يفضي إلى نسخها والاستعاضة عنها بخليط عجيب من الحكمة المزعومة، يجمع بين خرافات الفرس ووثنية الإغريق وعقائد دينية أخرى.

أما الفرس فقد آمنوا بعقيدة الحق الإلهي المُقدَّس للأسرة الفارسية الساسانية، وأنها الأولى في السيادة، وهذا ما انعكس وأثَّر -فيما بعد- على فكر بعض الفرق الباطنية. كما تؤكد كثير من القرائن على أن فكرة الباطنية منذ بدايتها كانت برعاية فارسية تدعو إلى الغلو في الأئمة، وهذا مما روَّج له ابن سبأ أيضًا، حيث نشط في التنقل من بلد إلى آخر بين الحجاز والبصرة والكوفة، ثم الشام، ثم مصر وبها استقر، ووجد آذاناً صاغية لبثّ سمومه ضد الخليفة عثمان -رضي الله عنه-، والغلو في علي -رضي الله عنه-، وكان القصد من هذا النشاط نشر أفكاره التي قاتل من أجلها، إذ كلما طُرِد من بلد انتقل إلى أخرى بكل نشاط، وقد وجد دعمًا وتمويلاً ونشرًا لأفكاره، حتى سعى إلى إتمام خطته لبث الفرقة وتجهيل المسلمين والتلاعب بأفكارهم.

المستشرق “إسرائيل فريد لاندر” تحدث عن دور الفرس وتحالفهم مع المعادين من اليهود وقال عن الفرس: “اليهود جاؤوا بعدهم مباشرة “، إذ كوَّن الفرس -مع العداء من بعض اليهود- رأسَ حربة لضرب المسلمين العرب من الداخل، ونجحوا في تحقيق الكثير من الفتن والانشقاقات، وخرجت العشرات من الفرق الباطنية مثل: السبئية، والكيسانية، والجارودية، والنصيرية، والإسحاقية، والقرامطة وغيرهم.

يُصنَّف الفرس -بحسب المستشرق إسرائيل فريد لاندر- الأشد عداوةً للعرب.

ويصفهم الشهرستاني بأنهم: “الباطنية القديمة خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج”. فأصول علم الباطن الذي تدعيه كثير من تلك الفرق في أصوله يعود إلى الحضارات والفلسفات القديمة، التي تعتقد بالكهنة والسحرة، والتي اتخذت من التأويل والحلول وتناسخ الأرواح والكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيلاً لبعث مثل تلك المعتقدات الباطلة. واستمرت بعض الفرق على ذلك النهج  رغم بُعْد الزمان، ولعل في عصرنا الحديث برزت الحركة الخمينية التي قامت فلسفتها -جملةً وتفصيلاً- على قراءة منحرفة لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة، قوامها التلفيق والتدليس لكل تاريخ المسلمين، فتأتي على رموزه وكبار مؤسسيه هدمًا وتشويهًا وتمويهًا، وتعمد إلى إفساد العقيدة وطمس معالم الإسلام الحق وتشويه مقاصده النبيلة، باسم التعصب للأئمة وحبهم، وتصرح بما يُخْرِج عن ملة الإسلام، مثل ادعائهم نقص القرآن وتغييره وجهرهم بالسوء في حق الصحابة، ومخالفتهم الإجماع، وتحالفاتهم الاستراتيجية مع الأعداء قديمًا وحديثًا، فالكل يدرك التحالف الفارسي مع كل من يعادي العرب، وغير ذلك من صور التآمر على واقع الإسلام والمسلمين، وتمكين الأعداء من بلدانهم ومقدراتهم الاقتصادية والثقافية والدينية من أجل تصدير ثورتهم المنحرفة إلى بلاد العرب.

  1. أحمد مغربي، دور اليهود في الفرق الباطنية، رسالة ماجستير غير منشورة، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية (1981م).

 

  1. خالد القط، “التأويل الباطني وأثره في عقائد المذاهب الباطنية”، مجلة جامعة طيبة للآداب والعلوم الإنسانية، المدينة المنورة، السنة 2، ع.4 (1435ه).

 

  1. فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، ترجمة: عبد الرزاق العلي (بكين: التكوين، 2016م).

 

  1. محمد الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني (بيروت: دار المعرفة، 1982م).