رفضتها عصبة الأمم وحق تقرير المصير
سياسة الفرس في محاولة طمس عروبة البحرين
حرصت إيران دائمًا على بسط نفوذها في منطقة الخليج العربي بأيِّ طريقة، ويظهر ذلك جليًّا في رفض تسمية الخليج بالخليج العربي، والإصرار على الاسم غير الواقعي “الخليج الفارسي”؛ سعيًا منها إلى لعب دور أكبر في المنطقة، من خلال طرح نفسها كقوة إقليمية مهيمنة، والحصول على الاعتراف الدولي بذلك الوضع.
وعلى مرِّ التاريخ ومراحله كانت البحرين حاضرةً في الأطماع الإيرانية صوب الخليج العربي، فمنذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وظهور النزعات التوسعية الفارسية للدولة الصفوية، ورغبة الشاه إسماعيل الصفوي في إحياء الإمبراطورية الفارسية من جديد؛ لم يجد الفرس غضاضة في التحالف مع الاستعمار البرتغالي من أجل السيطرة على الخليج العربي، ويظهر ذلك جليًّا في تعاون أمير هرمز مع الأسطول البرتغالي في احتلال جزيرة أوال؛ مملكة البحرين حاليًّا سنة (1521)، ووضعت في قلعة البحرين حامية عسكرية هرمزية، وكان معظمهم من الفرس.
وظهر التجلِّي الأكبر للسياسة الاستعمارية الفارسية تجاه البحرين، وبدَا واضحًا في عصر الشاه عباس الكبير؛ حين دخل عباس في صراعٍ مع البرتغاليين من أجل أن يحل محلهم في السيطرة على مقدرات الخليج العربي، ونجح سنة (1602) في “توطيد الحكم الفارسي بقيادة معين الدين فالي، الذي أعلن خضوع البحرين للحكم الفارسي”.
الاستعمار الفارسي لم يهنأ طويلًا في البحرين؛ إذ دخل الفرس صراعات طويلة ومستمرة مع دولة اليعاربة حول السيطرة على البحرين، حتى بدأت النزاعات على الزعامة ما بين العثمانيين وعرب الأحواز، إلى أن سيطر شيخ بوشهر نصر آل مذكور على البحرين سنة (1750)، وفي ذلك الوقت وصل آل خليفة إلى الزبارة على البر القطري، واستطاعوا في عهد الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة الملقب بـ (الفاتح) أن يضموا جزيرة البحرين (أوال) سنة (1782)، ومن حينها عادت للعرب، ولم يستعمرها الفرس سوى فترة وجيزة ولم يستقروا فيها، وعلى الرغم من ذلك بقيت البحرين إحدى المناطق الأكثر حضورًا في الذهنية الفارسية التوسعية والمناطق التي يتأملون بسط نفوذهم فيها.
من خلال احتلالهم مدة قصيرة يريد الفرس فرض توسُّعهم في البحرين بعد أن طردهم آل خليفة منها.
ومع دخول النفوذ الإنجليزي إلى منطقة الخليج العربي ظهر منافس جديد للأطماع الاستعمارية الفارسية في الخليج العربي، فقد وقفت بريطانيا في وجه فارس سنة (1820) عندما أعدت الأخيرة حملة عسكرية لاحتلال البحرين، وبالقطع كان هدف بريطانيا من وراء ذلك الحفاظ على توازُن القوى في المنطقة، والحد من الأطماع الفارسية في البحرين، خدمةً لمصالحها في الخليج العربي.
كان حكم آل خليفة في البحرين حجر عثرة أمام الأطماع الفارسية، ومن تهديدات إيران ما حدث عام (1836) عندما أرسل حاكم شيراز الفارسي رسالة تهديد ووعيد إلى الشيخ خليفة يدعوه فيها إلى إعلان الخضوع للحكم الفارسي، غير أن الشيخ خليفة، وفي تأكيد على عروبة البحرين، رفض التهديد، مع التأكيد على استقلال بلاده.
وزادت حِدَّة الادعاءات الفارسية بتبعية البحرين، وتطورت بعد الحرب العالمية الأولى، وعرض الأمر على عصبة الأمم في عام (1928)، وبعد شد وجذب، وتبادُل المذكرات والخطب، رفضت عصبة الأمم أي سلطة لإيران على البحرين، ومع ذلك استمرت إيران في ترديد ادِّعاءاتها الكاذبة بتبعية البحرين لها، وعام (1951) أمم رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق شركات البترول في إيران؛ واعتبرت إيران أن التأميم يشمل نفط البحرين، تحت زعم تبعية البحرين لها، كما اعترضت إيران على إبرام اتفاقية تحديد المياه الإقليمية بين البحرين والسعودية، وعادت الادعاءات الإيرانية من جديد إلى الدرجة التي دفعت بالأمور إلى عرض حق تقرير المصير في البحرين على الأمم المتحدة في عام (1970)، وبالفعل أجمع أهالي البحرين في الاستفتاء على استقلال البحرين وعروبته، وكما يقول خير الله خير الله: “اختار أهل البحرين أن يكونوا دولة مستقلة، وكان استقلالهم يعني رفضهم لإيران التي كانت تطالب بأن تكون البحرين محافظة إيرانية”.
النظرة التوسعية تجاه البحرين لم تختفِ بزوال نظام الدولة البهلوية، ووصول الخمينية إلى الحكم في طهران، حيث زادت حدتها بشدة مع نظرية ولاية الفقيه وتصدير الثورة، وظهر ذلك جليًّا في التصريحات العديدة لكبار المسؤولين في النظام الإيراني، ويمكن رصد بدايات ذلك في تصريحات الخميني نفسه الذي أعلن في عام (1980) تصريحاته المشهورة آنذاك حول البحرين، مطالبًا بضمها، ومعتبرًا إياها جزءًا لا يتجزَّأ من إيران.
ومع الألفية الثالثة، واحتدام أزمات النظام الإيراني داخليًّا وخارجيًّا، تصاعدت التصريحات العدائية تجاه البحرين، في محاولة لإلهاء الداخل، وإرهاب الخارج؛ إذ كتب مدير صحيفة كيهان شبه الرسمية حسين شريعت مداري: “البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وإنها انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه وبريطانيا وأمريكا”، وفي عام (2009) ادعى رئيس التفتيش العام في مكتب قائد الثورة علي أكبر ناطق نوري تبعية البحرين لإيران، واصفًا بأنها كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، وفي عام (2011) دعا أحمد جنتي صراحةً وعلانيةً إلى احتلال البحرين، وفي يونيو (2012) صرح السفير الإيراني السابق في باريس صادق خرازي أنه إذا كانت إيران تريد احتلال البحرين، فإن الأمر لن يستغرق سوى ساعات قليلة للسيطرة عليها باستخدام قوات الرد السريع الإيرانية.
ومن خلال ما فات يتضح لنا إصرار النظرة التوسعية الفارسية تجاه البحرين منذ الحكم الصفوي، وأكَّدها من جديد الحكم البهلوي، والتطورات المهمة والخطيرة في هذه السياسة تحت حكم ولاية الفقيه في إيران الآن، بينما أن العالم أجمع يؤكد عروبة البحرين وارتباطها بمحيطها العربي، وتجلَّى ذلك في استعادة روح المواطنة في استفتاء تقرير المصير واستقلال البحرين في مطلع السبعينيات.
- خير الله خير الله، البحرين وإيران، طفح الكيل، موقع العربية، 9 أكتوبر (2015).
- راشد أحمد الحنيطي، مبدأ تصدير الثورة الإيرانية وأثره على استقرار دول الخليج العربية، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط بالأردن (2013).
- رضوان السيد، العرب والإيرانيون: العلاقات العربية- الإيرانية في الزمن الحاضر (بيروت: الدار العربية، 2014).
- محمد عبد الله وبشير زين العابدين، تاريخ البحرين الحديث (1500- 2002) (المنامة: جامعة البحرين، 2009).