مفاهيم إيرانية
حول أمن الخليج العربي
اهتم الشاه محمد رضا بهلوي خلال عقد السبعينات اهتمامًا كبيرًا بطموح حماية أمن الخليج العربي – عفوًا، بمفهومهم هو الخليج الفارسي – خاصة بعد انسحاب بريطانيا في أواخر عام 1971م، وكانت الأحداث ذات تداخلات سياسية، الكل في غنى عن أي توتر في المنطقة.
صرَّح الشاه عام 1972م في احتفالات الذكرى الأربعين لتأسيس البحرية الإيرانية ومحاولة اتساع الحدود الخارجية لأمن إيران، وأكَّد بأنها تتجاوز الخليج العربي وخليج عُمان لتصل إلى المحيط الهندي، وأشار بأن البحرية الإيرانية ستزداد أضعافًا عدة خلال السنوات القادمة، لتضمن إيران أمانها، ونقل روح الله رمضاني في كتابه “سياسة إيران الخارجية” بأن الشاه قال: “إيران ليست مشغولة بالتفكير في الدفاع عن عبادان وخسرو وهرمز وبندر عباس فقط، وإنما نحن نفكِّر في الحدود الخارجية لأمن إيران، التي لا أعني بها مجرد كيلومترات معدودة”!!!
وفي زيارته للولايات المتحدة الأمريكية صرَّح لمجلة نيوزويك الأمريكية عام 1973م “بأن إيران تبحث عن الأمن الجماعي في الخليج، وتعد له منذ سنوات عدة، غير أن الدول العربية الخليجية أبدت عدم حماسها لمشروع الحلف الجماعي”، وقفة للتاريخ هنا، فالبهلوي يُعلِنها بأن الدول العربية خليجية، نسبةً للخليج الذي عُرف تاريخًا وحضارةً باسمهم.
ولما لم يجد ردود فِعل عمل منفردًا، حيث أعلن في العام نفسه نظريته التي تقول: “المسؤولية الإقليمية”، وهو بذلك يريد أن يطبِّق السياسة السابقة في الخليج، وأنه صاحب السيادة المنفردة، وعمل على تسليح الجيش الإيراني، ليؤكد انطلاق نفوذه والتصرف أمنيًّا.
من خلال تحليل المواقف السياسية آنذاك يظهر أن البهلوي توجَّس خِيفةً من علاقات الدول الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، وخاصة العربية الخليجية، فمثلًا قام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين بزيارة طهران عام 1975م، وكان التوتر بدَا واضحًا في تعاملات الإيرانيين، ويؤكد ذلك حفل العشاء، ورغم أنها ضيافة لعربي لكن الأصول يجهلها ولا يعرفها الكثير، قال البهلوي للشيخ عيسى: “إنكم أنتم الدول الصغيرة الذين تمثِّلون نقاط الضعف في منطقة الخليج أنتم والعربية السعودية، أنتم مسؤولون عن ضعف المنطقة كلها، فأنتم تكشفونها لتهديد الشيوعية، لقد سمعت أنكم تفكِّرون في إقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، لماذا تريدون فعل ذلك؟ … أنا لا أمانع، لكن إذا أقمتم علاقات مع الاتحاد السوفيتي فينبغي أن تقيموا في الوقت نفسه علاقات مع الصين، فالصينيون وحدهم الذين يعرفون ما يدور في الاتحاد السوفيتي، أوَدُّ أن أقول لكم إن الشيوعية تنتشر في منطقة الخليج العربي، وقد يقول البعض إنهم لا يلمحون أثرًا، وأنا أؤكد أنكم لو خدشتم أي شجرة في المنطقة فستجدون سائل الشيوعية ينساب منها”، حقد وكراهية واضحة في الخطاب.
أين الشاه من حديثه وإملاءاته التي يريد أن يقود بها منطقة لها ثقلها السياسي بحكامها العرب الخليجيين، والتصغير من شأن الآخر، وأين الشيوعية وما آلت إليه؟!!
تملَّك اليأس شاه إيران عندما أعلن في 1976م ان الاتصالات الإيرانية العربية لإقامة حلف دفاعي ستتوقف؛ لعدم جدواها، إنها السياسة الخليجية، وبُعد النظر يا سادة لحكامنا، وما يؤكد ذلك نظرتهم في عدم الاطمئنان لنوايا السياسة الإيرانية، وللتاريخ مشاهده التي تعزِّز تلك النظرة الاستشرافية.
كشفت السياسة الإيرانية نواياها بعد تلك المحاولات، وأنها لم تتوقف كما ادَّعى البهلوي عندما أعلن من خلال دعوة إلى تكوين ما يسمى بـ حائط النفط ضد الأخطار الأجنبية، والأقوى في العرض أنه عرَّض قواته العسكرية للحماية الأمنية في المنطقة وحماية نفطها.
ولتلك التطورات السياسية في المنطقة كان موقف البحرين وبقية الدول العربية الخليجية تجاه التمسك الإيراني بمنطق عجيب تجاه أمن المنطقة، ببذل جهود مكثفة لتطوير قواتها العسكرية، وقد كانت تلك الإجراءات لها أثرها الواضح على أمن الخليج والمنطقة العربية.