بعد أن زور الوثائق وبدل الخرائط ...

عبدالحميد الثاني السلطان

الذي سرق نفط العراق

امتدادًا لسياسة العثمانيين باستنزاف الوطن العربي وثرواته؛ حين اكتُشِفَ النفط في نهايات القرن التاسع عشر اهتم عبدالحميد الثاني بتحديد احتياطيات النفط في الأراضي العربية التي يستعمرها، وتم التركيز على العراق، وتحديدًا بغداد والموصل. وفي الوقت الذي كانت فيه خزينة الدولة العثمانية تعاني من تدهورٍ حاد، وضغوط سياسية نتيجة ترهٌّل النظام العثماني واضمحلاله؛ طمح عبدالحميد إلى محاولة استغلال الفرصة الاقتصادية في نفط العراق، ذلك بجلب عددٍ من المهندسين المخْتصِيّن في النفط من الأجانب، حيث تكفل بمصاريفهم من أمواله الخاصة التي كان يقتطعها من خزينة الدولة ويحولها إلى حساباته الخارجية في ألمانيا، محاولاً وضع يده على الحقول النفطية بعد تحديدها، واعتبارها من ملكيته الشخصية، وكي يقطع الطريق على أي تنافس محلي في العراق على الحقول النفطية، كذلك كي يمنع الشركات الأجنبية من الوصول إليها قبله، لذا عمد عبدالحميد إلى توجيه موظفيه لإحكام السيطرة على الموارد مثل المناجم والموانئ وسكك الحديد.

جلب المهندسين بأمواله الخاصة وحاول تملّك آبار النفط.

العام ( 1901 م) تم تكليف بول جروسكوف وحبيب نجيب أفندي بشكلٍ مباشر من قبل عبدالحميد بالنسبة للكشف عن الحقول والسيطرة عليها، علمًا أنه واقعيًّا بدأ التنقيب عن النفط منذ العام ( 1885 م)، حيث قدم المهندس العثماني عارف بك تقريرًا أوليًّا عن الحقول المتوقع اكتشافها في العراق في بغداد والموصل، وحددها على الخريطة التي أعدت تحديدًا لذلك، وتضمن التقرير الإشارة إلى مواقع الكبريت والأصباغ والأملاح مع حقول النفط. وقد أكد التقرير وجود النفط بوفرة في المنطقة، وذلك ما دعا عبدالحميد الثاني إلى إصدار قرار بضم امتيازات التنقيب والتشغيل للنفط في الموصل إلى حسابه الشخصي. 

كما اضطر عبدالحميد إلى شراء جميع الأراضي التي اكتشف فيها النفط من حساباته الشخصية، ووجه دعوته إلى الخبراء في النفط والتعدين الأجانب ودعاهم إلى القيام بعمليات التنقيب، وممن قدم لذلك الخبير الفرنسي إيميل جاكراز وعُيّن رئيسًا للمهندسين، ووقتها لم تكن الحقول العراقية قد أدرجت ضمن ملكيات عبدالحميد، وقدم جاكراز تقريرًا عن النفط في بغداد، وأجرى دراسات أيضًا عن النفط في الموصل وكركوك. وفي العام ( 1895 م) كان قد انتهى جاكراز من التصور النهائي حيال النفط العراقي، وقدم توصياته عن مواقع النفط الغنية وطريقة التعامل معها بالشكل الأمثل، كما قدم تصورًا عن التكاليف المتوقعة لاستثمار استخراج النفط، والمصانع التي من الممكن أن يتم إنشاؤها لذلك. وورد في تقرير جاكراز وتوصياته أن امتيازات التنقيب في بغداد تعود لخزينة عبدالحميد الثاني، وبناء عليه بدأ العمل على ضوء ذلك في بغداد والموصل.

وبعد جاكراز جاء المهندس الألماني جراسكوف سنة ( 1900 م) للاستفادة منه في التنقيب والتعدين ونال راتبًا عاليًا بمقاييس ذلك الوقت، وفي الفترة التي زاد فيها التقارب العثماني الألماني. عمل جراسكوف على مهمته في التنقيب بفحص الحقول النفطية في بغداد والموصل، وأجرى مع المهندس العثماني حبيب نسيب أفندي كشفًا نفطيًّا، خاصةً في المواقع التي صعُب العمل فيها بحسب التوقعات، فقاما بإعداد تقرير مشترك يفيد بأن الحقول في بغداد والموصل تتمتع بوفرة نفطية عالية جدًّا، واستخرجا عددًا من العينات التي بعثا بها للفحص في إسطنبول، والتي ثبت غناها بالمواد النفطية الخام، والتي تُعد من أفضل أنواع النفط المناسبة للتشغيل. ثم قدم جراسكوف تقريرًا آخر العام ( 1901 م) تضمن خريطة محدثة عن مواقع الآبار النفطية المتوقعة في العراق، وأشار في تقريره إلى أن المتوقع استخراجه من النفط الخام سوف يكون مغريًا جدًّا من الجانب المادي، باعتبار توقعه بأنها من أكثر الموارد المنتجة للنفط في العالم.

الخرائط التي قدمها جراسكوف تم نشرها بعدة طرق ووسائل نادرة، لكنه عُبث بهذه الخرائط من قبل عبدالحميد، بحيث كانت الخرائط الأصلية لديه، بينما تمت الإشارة إلى مواقع غير حقيقية للآبار النفطية في العراق تعتيمًا واستحواذًا من عبدالحميد على الحقول لمصلحته الشخصية، حيث أشير إلى أن مواقع لقرى عراقية، وفي الحقيقة هي مواقع الآبار، التي بلغت قرابة 65 موقعًا.

وضع علامات على الخريطة العراقية في 65 مكانًا لآبار نفط على أنها قرى.

1) محمد حديد، مذكراتي: الصراع من أجل الديموقراطية في العراق (بيروت: دار الساقي، 2005 م). 

2) شكري نديم، العراق في عهد السيطرة العثمانية: مرحلة المشروطية الثانية 1918-1908 م (بغداد: دار دجلة، 2008 م).

3) إبراهيم خليل أحمد، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516 -1916 م (الموصل: دار الكتب، 1986 م).

4) حكمت سامي سليمان، نفط العراق (بغداد: دار الرشيد، 1979 م).