بعد أن فشلوا عن طريق ولاتهم بالعراق

تكرار الهزيمة السعودية للعثمانيين عبر ولاتهم في الشام

وجدت السلطة الصورية للدولة العثمانية أن في قيام الدولة السعودية الأولى تهديدًا صريحًا لمكانتها وقوتها المستعمرة للوطن العربي عامة والجزيرة العربية خاصة، لا سيما بعد أن استرد السعوديون الحرمين الشريفين من المستعمر العثماني، ذلك الأمر حرمهم من أهم دعاية سوَّغوا بها استعمارهم للمنطقة، وحاولوا أن يجعلوا منها مرتكزًا شرعيًّا يُسَوِّغ سياساتهم وعنفهم ضد العرب، بترويج وتأصيل فكرة الخلافة فيهم، بينما هي أبعد ما تكون عنهم، لأنهم يفتقدون أهم شرطين لها، النسب العربي والشورى.

أجمع المؤرخون أن استرداد السعوديين للحرمين الشريفين من الاستعمار العثماني شكّل ضربة للرمزية المزيفة بخلافة التُّرك، ما اعتبره العثمانيون إهانةً لهم ولمكانتهم التي أوهموا الناس بها من خلال الترويج الديني والتاريخي، وقد أكد أحد الباحثين بالقول: “أهانوا المركز الديني للسلطان العثماني بإحكام سيطرتهم على المدن المقدسة في الحجاز. وسبَّبَ فقدان مكة أقسى ضربة إلى سمعة السلطان العثماني ومكانته الدينية بوصفه حامي الحرمين”، وهذا حسب ما يدَّعون.

الواقع الجيوستراتيجي الجديد، دفع بالعثمانيين إلى اللجوء إلى المقاربة الخشنة من خلال تجريد حملات عسكرية هدفها القضاء على الدولة السعودية الأولى في مهدها، وذلك عن طريق مجموعة من المحاور كان أهمها المحور العراقي والمحور الشامي، ويبدو أن فشل الهجمات من العراق دفع بالعثمانيين إلى محاولة الالتفاف على القوات السعودية عبر بوابة الشام، إذ كلفوا ولاتهم فيها بالقيام بحملات ضد الجيوش السعودية ومحاولة القضاء عليهم.

أول بوادر صدام الدولة السعودية الأولى مع ولاة العثمانيين في الشام كان في أحد مواسم الحج حينما قرر الإمام سعود بن عبد العزيز منع أي مظهر من مظاهر السيادة العثمانية على الحرمين، وهو ما دفعه إلى أن يطلب من أمير الحج الشامي عبد الله باشا العظم “ألَّا يأتي الحج بالمحمل والطبول والزمور…إلخ”.

هذا التعبير السعودي السيادي كان كفيلاً بتفجير الوضع والمواجهة بين الطرفين لولا أن والي الشام كان في وضع ميداني ضعيف، وفي مسرح عمليات لا يمكّنه من مواجهة السعوديين الذين يفوقونه عدةً وعتادًا، وهو ما جعل الوالي العثماني يتجنب مواجهة جيوش السعوديين، ويغادر مكة بعد ثلاثة أيام دون إتمام مناسك الحج، وهو ما كلّفه منصبه بعدما أقدم السلطان العثماني -الذي شعر بالإذلال والحرج الشديدين- على عزله بالنظر إلى أن ما وقع في مكة المكرمة ومثَّل إهانة وخطبًا جللاً سرَّع بعزل عبد الله باشا العظم وتعيين كنغ يوسف باشا الذي كُلِّف بتجهيز العمليات العسكرية لإعادة احتلال المناطق التي استردها السعوديون في الجزيرة العربية.

اكتفى الوالي العثماني كنغ يوسف باشا بمناورة السعوديين؛ تفاديًا لمواجهتهم المباشرة، محاولاً إقناع العثمانيين بتحقيق رغباتهم.

تنبه الوالي العثماني الجديد إلى خطر الجيوش السعودية، فناور لتفادي المواجهة المباشرة، واكتفى بالتحريض والتشنيع على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مع التركيز على حروب خاطفة على الخطوط الداخلية المتاخمة بين الشام والدولة السعودية، من خلال تجريده لبعض الحملات المحدودة مستغلاً في ذلك انشغال الأئمة بجبهات أخرى، حيث بعث الإمام سعود بن عبدالعزيز رسالةً إلى كنغ يوسف باشا يشرح من خلالها أصول المعتقد ونهج الدعوة السليمة، وفي الوقت نفسه تحذير مبطن من أي هجوم على حدود الدولة السعودية.

جاء خطاب الإمام سعود إلى كنغ يوسف باشا قويًّا، إضافةً إلى سرعة تحرك الجيوش السعودية، التي وصلت عمق الأراضي الشامية، وتعامل معها الوالي العثماني بردة فعل ضعيفة، ولم يستطع طيلة سنتين تنفيذ الأهداف التي تعهد بها أمام السلطان العثماني، ما دفع السلطان إلى عزله وتعيين سليمان باشا واليًا على دمشق وطرابلس، مع توجيهه للتنسيق مع والي مصر محمد علي باشا للقضاء على جيوش الدولة السعودية الأولى واحتلال الحرمين الشريفين من جديد.

السعوديون كانوا سببًا في ارتباك الدولة العثمانية الداخلي وتعيين ولاة المناطق المُستعمرة في العالم العربي.

على الرغم من إصدار الفرمان السلطاني بتعيين سليمان باشا إلا أنه واجه مقاومة شرسة من طرف كنغ يوسف باشا، إذ لم يستطع الوالي الجديد دخول دمشق إلا بعد مواجهات قوية مع سلفه، ليعمل بعدها على تجميع السكان حوله وتدبير الأمور المالية للولاية في ظل الأزمة الخانقة التي ضربت دمشق بعدما أقدم أتباع كنغ يوسف باشا على نهب خزينة الوالي.

وبتعيين سليمان باشا واليًا على دمشق وطرابلس، وفي ظل انشغال الدولة السعودية الأولى بتوطيد أركانها تلك الفترة، خاصة مع علمهم بإمكانية تحرك محمد علي باشا نحوهم، توقفت المواجهات على الجبهة الشامية، واكتفى السعوديون بالمراسلات التي تشرح مبادئ الدعوة.

  1. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط4 (الرياض: وزارة المعارف، 1971).

 

  1. عبدالرحيم عبدالرحمن، الدولة السعودية الأولى، ط5 (القاهرة: دار الكتاب الجامعي، 1987).

 

  1. عبد الفتاح حسن أبو علية، محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى، ط2 (الرياض: دار المريخ، 1991).

 

  1. أسامة محمد أبو نحل، “التهديد السعودي لبلاد الشام وأثره في تولي سليمان باشا ولاية دمشق”، مجلة جامعة الأزهر بغزة، سلسلة العلوم الإنسانية، المجلد 9، ع. 1 (2007).