(شعوبية الفرس ضد العرب قديمة حديثة)
عند قراءة التراث والأدب الفارسي القديم سيكتشف القارئ أن بُنَيَّات الفكر الشعوبي ضد العرب والإسلام قد تسللت خُفْيَةً منذ تاريخ صدر الإسلام وفي خلال انتشار المد العربي الإسلامي في إقليْمَي فارس وخُرَاسان، فالفرس لم يجرؤوا على إظهار العداء للعرب والإسلام بصورة مباشرة فعَمَدوا إلى النيل من دين الإسلام من وراء السُتُر، وخلف الأبواب المغلقة؛ ليُحِيكُوا الدسائس والمؤامرات، ولتظهر تلك الشعوبية المقيتة في فلتات اللسان والبيان والشعر والتآليف المُثْلِبَةِ للعرب، المبرزة لكل ما هو مشين لهم ولدينهم الحنيف.
فمن يظن أن الشعوبية قد انتهت في التاريخ فهو واهم جدًّا؛ فالشعوبية متلونة إلى حد بعيد، ومعظم أفعالها في الخفاء، وقد تُلْبَسُ لباس الوطنية أو الحداثة الغربية، فالتاريخ في العصر الحديث يشهد على الشعوبية والعنصرية الفارسية التي شنت عدوانها على كثير من مدن العرب وإماراتهم على ساحل الخليج العربي في جزئه الشرقي، من تطهير عرقي وقتل جماعي باسم الوطنية وتمجيد الفرسنة، وقع ذلك بتخادنٍ وتواطؤٍ مُريع من المستعمِر البريطاني، فالشاه رضا بهلوي (1925-1941م) دمَّر وهجَّر -في خلال عهده- كثيرًا من المدن والقرى الساحلية العربية، فنزحت كثير من القبائل العربية إلى البلدان المقابلة لها على الخليج كالإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين، والكويت، والمملكة العربية السعودية؛ هروبًا من العنصرية والشعوبية الفارسية ضدهم وتدمير إماراتهم العربية العريقة.
إن الشعوبية الحاقدة المبغضة للعرب لازالت تمارس دورها حتى الآن، ومستمرة -بل ازداد أوارها واشتعالها- بمجيء الخميني وثورته المشؤومة في نهاية السبعينيات، وقد سعى بدوره إلى تأصيل كره كل ما هو عربي من حضارة وإرث، والاستخفاف بمكانة العرب في التاريخ ومساهماتهم في التقدم البشري، واستمر أتباعه على نهجه الضال سائرين، واقتدوا به في بغض العرب واحتقارهم والتقليل من شأنهم ومكانتهم التاريخية، فالروح الفارسية العنصرية متأصلة في النظام الإيراني الحاقد وإن تَلَبَّس بلباس “الكهنوتية”؛ بُغْيَتُهُ في ذلك تحقيق أهدافه التوسُّعية في المنطقة العربية، وافتعال المشاكل والفتن في بلدان الجوار من خلال تصدير ثورتهم الفارسية المجوسية.
وقد أدركنا في الثمانينات كثيرًا منها، وشاهدناها عبر الأخبار في التلفزيونات، في محاولة إحداث الفوضى والخلل الأمني في بعض الدول العربية من خلال خلاياهم النائمة، ولا ننسى ما فعلوه في مواسم الحج في أطهر بقعة على هذه الأرض، من الظلم والإلحاد في المشاعر المقدسة، وقتل الأنفس البريئة من حجاج بيت الله الحرام بالغاز السام في نفق المعيصم في مكة المكرمة وإحداث القلاقل في كل موسم من مواسم الحج وغيرها من الأحداث المؤلمة.
لقد سخّر الفرس بشعوبيتهم وعنصريتهم كل مقدراتهم لخدمة مصالحهم التوسُّعية في المنطقة العربية من خلال نشر سمومهم الفكرية ومعتقداتهم التي لا تنتمي إلا إلى الشعوبية والزندقة القديمة منذ العهد العباسي. تعاونت إيران الشعوبية مع الغرب بيساره المتطرف لتدمير أمة العرب والإسلام، وشكلوا بذلك رؤوس الحربة المتقدمة للغرب ضد بلاد العرب، ولا يستغرب منهم هذا الفعل فقد سبقهم إلى ذلك أجدادهم الصفويون في القرن السابع عشر الميلادي من قَبل، وهم على نهجهم سائرون في استخدام الأساليب الناعمة الخبيثة، والكذب والافتراء واستعمال القوة العسكرية من أجل إضعاف العرب، وكسر وِحدتهم، وخلق أزلام لهم وذيول في أربع بلدان عربية أصبحت ضحية للمد الفارسي المتخادن مع الغرب المتطرف.