" الأحواز العربية.. واقع مؤلم ومستقبل معتم"

استمر عداء الفرس للعرب منذ الجاهلية وحتى وقتنا الراهن، ومر ذلك العداء بصور وأساليب مختلفة عبر القرون من الدول والممالك التي حكمت إيران،  وأعلنت عداءها للعرب؛ إما صراحة أو تقية من وراء الحُجُب، ولعل أول منطقة عربية تأثرت بصورة مباشرة بذلك بالعداء والطغيان الإيراني السافر كانت في عشرينيات القرن العشرين، عندما أوقعت بمشيخة عربية صرفة على ضفاف الخليج العربي سنة 1925م، وهي الأحواز العربية التي عُرفت منذ الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس بهذا الاسم؛ نسبةً إلى حيازة الأرض، حاز الأرض أي  أعلمها وأحيا حدودَها، وأيضا نِسبةً إلى ما بناه العرب المسلمون في هذا الإقليم من قلاع وحصون بعد معركة القادسية، هذا الاسم بحد ذاته ولَّد العداء كردة فعل عند الفرس للزعامة العربية في العصر الإسلامي. ويقطن إقليم الأحواز قبائل عربية متنوعة، وعاصمتها المحمرة، وتسمى الأحواز اليوم محافظة خوزستان (تسمية فارسية) ويبلغ عدد سكان الأحواز أكثر من مليوني نسمة حسب إحصاءات إيرانية سنة 2006م وهناك من يرى أنهم أكثر بكثير من هذا العدد المعلن.

والواقع أن الأحواز عبر تاريخها الطويل كانت إقليمًا جغرافيًّا منفصلاً عن بلاد فارس، تابعًا لولاية البصرة تارة، وتارة أخرى إمارة ومشيخة مستقلة بذاتها. واستغلت بلاد فارس البهلوية العلاقات السياسية الجيدة التي كانت تربطها بالمستعمر البريطاني وعلاقتها الحميمة القديمة معها في الخليج العربي؛ من أجل تحقيق رغبتها في التوسع الاستعماري الفارسي في البلاد العربية، وذلك بما يتوافق مع الأطماع الأجنبية؛ لذا حيكت المؤامرة الخبيثة بالتنسيق مع بريطانيا، مكيدةً تاريخيةً ضد مشيخة الشيخ خزعل بن جابر الكعبي (1863 – 1936)  وذلك في نيسان/ أبريل 1925م، خططت لها بريطانيا وتواطأت على تنفيذها مع الحكومة الإيرانية التي أُطلق عليها منذ ذلك التاريخ اسم إيران وكان من نتائج هذه المكيدة التاريخية احتلال قُطْرٍ عربي أصيل ينتمي إلى الوطن العربي ذلك القطر هو الأحواز، إذ أطلق الفرس على الأحواز منذ ذلك الوقت اسم عربستان (أي بلاد العرب) وقد أطلق عليه الإيرانيون كذلك اسم خوزستان أي بلاد القلاع والحصون، وباغتصاب إقليم عربستان من قبل الاستعمار الفارسي لتلك الأراضي العربية كانت السلطات الفارسية تعبر عن حقدها الدفين تجاه العرب الذين أذاقوها الهزيمة المريرة في معركة القادسية. ومن جانب آخر لو نظرنا إلى جغرافية الأحواز لأدركنا عظم التآمر الفارسي البريطاني للأحواز، حيث دخل الجيش الإيراني مدينة المحمرة لإسقاطها وإسقاط آخر حكامها الشيخ خزعل. فموقعها يجعل منها منطقة حاجزة بين جبال زاجروس والخليج العربي الذي يضم عددًا من المرافئ المطلة عليه مما جعل الفرس ينظرون إلى الأحواز على أنها من المدن الاستراتيجية المهمة التي يجب أن تكون تحت سيطرتهم بأي طريقة كانت، وهو ما حصل لهم بالفعل وكل ذلك كان على حساب شعب عربي صِرْف. فالأحواز من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز ويوجد فيها الأراضي الزراعية الخصبة، حيث يصب فيها أحد أكبر أنهار المنطقة وهو نهر قارون الذي يسقي السهول الزراعية الخصبة.

ويسعي المحتل الإيراني حتى اليوم إلى زيادة نسبة غير العرب في الأحواز بسياسة التغيير الديموغرافي لِفرض أمرٍ واقعٍ، ولذا سَعَوا إلى تغيير الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار وغيرها من المواقع الجغرافية في منطقة الأحواز فمدينة المحمرة على سبيل المثال أصبح اسمها (خرم شهر) وهي كلمة فارسية بمعنى البلد الأخضر فطالت عمليات تغيير الطابع العربي كافة جوانب الحياة في الأحواز بعـد احتلالها الصفوي، وكان هدفها فرض الثقافة الفارسية، فكان على رأس المحرمات التي أقرها الاحتلال الإيراني الفارسي التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، ومن يخالف ذلك الأمر يتعرض للعقاب؛ لأن التحدث باللغة العربية جريمة يعاقب عليها القانون الصفوي،  فقررت إيران بأن تكون مناهج الدراسة في المدارس باللغة الفارسية فقط ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى ومُنع الأحوازيون من تسمية مواليدهم بأسماء عربية، ومُنِعُوا من  لبس الزى العربي واستبداله جَبْرًا باللبس البهلوي الفارسي. فالحقيقة التي لا شك فيها أن الأحواز العربية لم تكن إلا بداية للمشروع الفارسي التوسعي في المنطقة العربية، مع اختلاف أنظمة الحكم والحكومات والأدوات المستخدمة لتحقيق حلم عودة الإمبراطورية الفارسية القديمة ولكن في ثوب حديث، ولعل الأحداث الأخيرة التي تمر بها إيران تسهم بدورها في رفع الصورة المعتمة عن أحوازنا العربية.