العرب في الأدبيات الفارسية
فتح العرب بلاد فارس ودان الفرس لهم بالإسلام، وبقيت اللغة الفارسية مستعملة في دواوين الحكومة هناك إلى أيام عبد الملك بن مروان إذ أمر بنقلها إلى العربية، فلما حلَّت العربية محل الفارسية لم يجد العرب غضاضة في اقتباس بعض مناهج الكتابة الديوانية عن الفُرْس، ولم يطمسوا هوية الفرس، وهذا دَيْدَنُهُم في الفتوحات الإسلامية، وانتشار الدين الإسلامي كان الهدف الأسمى في تعاملاتهم مع شعوب البلدان المفتوحة وغيرهم.
كان الاتصال التاريخي والحضاري بين العرب والفرس في الحيرة واليمن قبل الإسلام، وفي بلاد فارس بعد الإسلام، أما في الحيرة واليمن فقد كانت السيادة للفرس؛ لأن ملوك الحيرة كانوا تحت سيطرة الأكاسرة.
في بلاد فارس بعد مرور الأحداث وتبدلها كان العرب هم السادة، وما يمكننا ملاحظته عدم تأثير الفرس في العرب قبل الإسلام ولم ينفذ إلى قلوبهم؛ لأنهم لم يدينوا بدينهم، ولم يكونوا في الحيرة واليمن محكومين بحكم فارس بل لهم حكمٌ مطلقٌ؛ ولأن للعربي له حرية غريزية تأبى عليه الانقياد لغيره، ولأنه فخور بعروبته مزهو ببلاغته، كان التغير غير ملحوظ، على عكس الأثر الحضاري الذي ظهر وطرأ على الفرس في عقر دارهم.
ولم يمنع ذلك الاتصال العرب من الأخذ بما يتوافق مع العقيدة السليمة التي لم تتأثر بالأديان التي كانت عَجَّتْ بها تلك الإمبراطورية، ومن ذلك ما نُقِلَ على سبيل المثال وليس الحصر فيما يخص الدواوين من الفارسية إلى العربية – وهي السجلات أو الدفاتر وطريقة تقييد وأرشفة المعلومات – وذلك الإجراء لم يجعل القوم يتناسون لغتهم، بل ظلت حيًّة فيما بينهم.
لم يكن الخلل في بلاد الفرس مقصورًا على الوجهة السياسية والإدارية، ولكنه كان يسري إلى الأحوال الاجتماعية والدينية حتى تفاقم فيها إلى الانقسامات المذهبية ودياناتهم المختلطة . ومع ذلك فلم يؤثر على من دخل منهم في الإسلام وحسُن إسلامه. وكان لتلك الانقسامات تأثير شديد في السياسة لاختلاطها عندهم بالدين المتناقض ما بين مجوسية ومانوية ومزدكية.
مما أقلق من نصَّبوا أنفسهم أعداء للدين الإسلامي وللعرق العربي ازدياد الأحوال -في شتى المجالات- سوءا وتَخَبُّطًا ، وكانت حالتهم الاجتماعية في غاية الانحطاط قبل الإسلام بمدة طويلة؛ لانشقاق عصاهم بتشعب المذاهب إلى ماني ومزدكي كما سبق ذكره، ومن نتائج ذلك التشتت أن فسدت الأخلاق، وانتشر الانحلال، وفي المقابل كان العرب في إبان نهضتهم، وقد اشتد أزرهم بمن كان يهاجر إليهم من رجال الروم والفرس أنفسهم، فرارًا من تغالب الأحزاب أو ضعف الحكام.
ولم يسلم العرب من التشويه المتعمد في مؤلفاتهم ومؤرخاتهم، ومنها أدبياتهم التي صوروا فيها العربي بصور لا تتسق مع الواقع التاريخي، وكما أوضحت في مقال سابق، مقارنات غير متكافئة أساءت لمصداقيتهم قبل أن تسيء لغيرهم.
إن الصراع العربي الفارسي -الإيراني، هو صراع قومي تاريخي لا صراع ديني فحسب، والامتداد لم ينقطع، فمثلاً نجد أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران صادق زيبا يذكر: أن كثيرًا من الإيرانيين سواء كانوا متدينين أم علمانيين يكرهون العرب، ونُقِل عنه في مقابلة صحفية لأسبوعية “صبح آزادي” ترجمها موقع “العربية نت” منذ نحو أربع سنوات ما نصه: “للأسف أنا واثق من أن كثيرًا منا – نحن الإيرانيين – عنصريون”.، معتبرًا أن نظرة الإيرانيين للعرب تعد أحد أبرز الشواهد على عنصريتهم ، ونافيًا وجود ارتباط بين تدني المستوى الثقافي وانتشار العنصرية لدى الإيرانيين كما هو الحال في الغرب، ومعتبرًا أن الأمر يبدو مختلفًا في إيران – ولكن لماذا تأسف؟ هل هو تراجع أم تأكيد على حقدهم؟ والإجابة تأتي في موضع آخر، حيث قال: “يبدو أننا كإيرانيين لم ننس بَعْدُ هزيمتنا التاريخية أمام العرب ولم ننس القادسية بعد أن مَرَّ عليها 1400 عام، فنخفي في أعماقنا ضغينة وحقداً دفينين تجاه العرب وكأنها نار تحت الرماد قد تتحول إلى لهيب كلما سنحت لها الفرصة”.
نعم هي فُرص ولكن بأي اتجاه تكون، هنا تأتي النتائج ……