البحرين ... العقدة الفارسية المستعصية على الادِّعاء والتدليس والتزوير

شكلت مملكة البحرين عقدة تاريخية لإيران الفارسية، التي ظلت تزعم بأن هذا البلد العربي جزء لا يتجزَّأ من إيران، هذه العقدة جعلت من مسألة إخضاع البحرين نقطة ثابتة في الإستراتيجية الإيرانية، وهو ما نشط خلال أحداث ما سُمِّي بالربيع العربي، لولا تدخل “الصخرة” السعودية لإنقاذ البحرين من براثن الملالي.

إن حلم إخضاع البحرين للنفوذ الإيراني يحتاج إلى تأصيل تاريخي موضوعي، يبحث في حيثيات هذا “الهوس” باحتلال دولة ذات سيادة وشخصية دولية، وذلك لفهم وتفكيك الادِّعاءات الإيرانية، وكذا جانب من التدافعات الإيرانية البريطانية حول البحرين، وما هي الظروف التي ساعدت في انعتاق هذا القطر العربي من قبضة شاه إيران؟

في هذا السياق لم يستسِغ الفرس نجاح آل خليفة في إعادة البحرين إلى حاضنتها العربية، والاستماتة “من أجل مجرد البقاء على قيد الحياة بسبب غزوات الدول المجاورة”، قبل أن يهيمن “الإنجليز على إدارة البحرين طيلة قرن ونصف من الزمن، ابتداءً من عشرينيات القرن 19م وحتى عام (1970)، حيث فرضوا نفوذهم السياسي والعسكري والتجاري عليها، كما حاولوا جاهدين التبشير بمبادئ ديانتهم المسيحية، وبَثَّ بذور الفُرقة المذهبية والطائفية والقَبَلية من جهة أخرى”.

لم يستسغ الفرس نجاح أسرة آل خليفة في إعادة البحرين إلى حاضنتها العربية بعد احتلالهم لها خلال القرن السابع عشر الميلادي.

إن الادعاءات الإيرانية بالسيادة على البحرين لقرون تصطدم بواقع الشهادات التاريخية التي تقطع بأن العرب سكنوا البحرين قرونًا قبل الميلاد، “وبعد انتشار الإسلام ظلت البحرين تتبع الدول العربية الإسلامية، حتى الاحتلال الإيراني سنة 1602م، مع اعتراف ضمني بحكم القبائل العربية في البحرين، وبعد الانسحاب الإيراني منها عام 1783م سيطر آل خليفة عليها”.

في هذا الصدد لم يَثبُت أن مارست إيران سيادة حقيقية على البحرين خارج منظومة الاحتلال الذي لا تعترف به القوانين والأعراف الدولية، كما أن الشعب والأرض (كمكوِّنَين أساسيين من المكونات المادية للدولة) لم تكن لهما علاقة بنيوية بإيران، وبالتالي لا يمكن الحديث عن ممارسة سيادية لإيران على إقليم البحرين.

وإذا كانت إيران تستند، من بين ما تستند إليه، على الاتفاقية التي عُقدت بتاريخ 30 آب-أغسطس (1822) بين المقيم البريطاني في الخليج العربي الكابتن وليام بروس، وأمير منطقة شيراز الذي احتل البحرين، فإن هذه الاتفاقية تعتبر لاغية “على اعتبار أن المقيم البريطاني ليس له حق تحديد مناطق السيادة في الخليج العربي، حتى إن الحكومة البريطانية عاقبت المقيم؛ لتجاوزه صلاحياته، وقامت بنقله من الخليج العربي”.

ولعل المعطَى السيادي كان حاسمًا في توجُّه بريطانيا أولًا، ثم الأمم المتحدة ثانيًا نحو استشارة الشعب البحريني الذي أكَّد تشبُّثه باستقلاله عن إيران، وهو ما عبَّر عنه للجنة تقصي الحقائق التي ترأَّسها الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة فيتوريو وينسبير جيوشياردي، التي وصلت إلى البحرين بتاريخ 20 أبريل (1970)، و”خلال هذه المدة التقى الموفد الأممي ناشطين ونخبة… وكان السؤال الذي طرحه الممثل الأممي بمن يلتقيهم من أهل البحرين: هل تريدون استقلال البحرين؟ أو تريدونها تابعة لإيران؟ كان جواب الناس: نريد البحرين دولة مستقلة”.

وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ تقرير المصير الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقتضى القرار 1514 بتاريخ 14 ديسمبر (1960) ينطبق على البحرين باعتبارها كانت تتوفر على تواجد مادي وسياسي لقرون، وليست تكوينًا سياسيًّا حديثًا نجم عن انفصال كيان سياسي آخر، وهو ما يتناقض مع نفس القرار، وخاصة الفقرة السادسة منه، التي تنص على أن أية محاولة للمساس بالوحدة الوطنية والترابية للدول تتعارض مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة.

إن تثبيت حق تقرير المصير لـ “الأمة البحرينية”، ورفض أية تبعية لأي كيان سياسي يضمنه ويحميه القرار 1541 بتاريخ 15 ديسمبر (1960)، والذي ينص على أن الاندماج يحصل “نتيجة لرغبات سكان الإقليم، التي أعربوا عنها بحرية يصحبها إدراكهم التام للتغيير في مركزهم، وبالطرق الديمقراطية المعروفة، مطبقة بكل تجرد”.

إن الاستشارة الواسعة للشعب البحريني تؤكد بأن الاستفتاء الشعبي ليس، ولم يكن، الآلية الوحيدة التي تعكس رأي الشعب في تقرير مصيره، كما أن البحرينيين، ورغم اختلافهم حول مجموعة من الأمور، وعدم اتفاق بعضهم مع الخط السياسي الرسمي، إلا أنهم كانوا مُجمِعين، سُنَّة وشيعة، حول مطلب الاستقلال عن أي كياني سياسي، سواء تعلق الأمر ببريطانيا أو إيران أو أي كيان آخر.

ويمكن القول بأن موقف الشعب البحريني بالأمس، وموقف العرب الأحواز اليوم، يقطع بأن الإنسان العربي يرفض، بالفطرة، أية تبعية لكيان سياسي لا يتقاسم معه نفس الوعاء الروحي ونفس الارتباط العرقي، وبالتالي فإن العرب، مهما اختلفوا، فإنهم غيورون على انتمائهم العروبي، خاصة عندما يرتبط بسحنة دينية أصَّلها الإسلام ودمجها ومزجها مع اللسان العربي الذي تحوَّل إلى الحاضنة اللغوية لآخر رسالة سماوية، وبذلك اقترن البُعد العرقي الدنيوي بالبعد الديني المقدس، ليخلق لنا أمة أعزها الله بالإسلام، وجعل تعبيرها الديني موحَّدًا بلغة القرآن.

  1. تاج الدين الطائي، إستراتيجية إيران تجاه دول الخليج العربي (دمشق: دار مؤسسة رسلان للنشر، 2013).

 

  1. عباس بوصفوان “القصة الكاملة لتخلي إيران عن المطالبة بتبعية البحرين للأراضي الفارسية“، موقع الناشر: http://www.abbasbusafwan.net/arabic/?p=1332

 

  1. راشد أحمد الحنيطي، مبدأ تصدير الثورة الإيرانية وأثره على استقرار دول الخليج العربية، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط بالأردن (2013).

 

  1. رضوان السيد، العرب والإيرانيون: العلاقات العربية- الإيرانية في الزمن الحاضر (بيروت: الدار العربية، 2014).

 

  1. محمد عبد الله وبشير زين العابدين، تاريخ البحرين الحديث (1500- 2002) (المنامة: جامعة البحرين، 2009).