ثورة بني طرف (1936)
أعدم الفرس منهم 16 ثائرًا، وأرهبوا الأحوازيين تشفيًا
روح الثورة الأحوازية العربية لم تتوقف منذ عام (1925)، فَوَأْدُ الثورات المتكررة لم يثنِ العشائر العربية الأحوازية، التي كان لها موقفها الثابت من الاحتلال الإيراني البغيض، ومن تلك العشائر عشيرة بني طرف، التي تعود في أصولها القبلية إلى قبيلة طيء، وهي من العشائر التي اشتهرت بالشهامة والشجاعة، وعلى ما يبدو أنها من العشائر التي نزحت من جهات الخابور، واستقرت في الحويزة، والطينة والخفاجية، وأصبحت المالكية قاعدة لبني طرف كما ذكر ذلك المؤرخ العراقي عباس العزواي في كتابه عشائر العراق، وأيضا في الكرخة من المنطقة الإيرانية على الحدود الغربية لعشيرة البومحمد، والرئاسة فيهم كانت في بيت سعيد وبيت صيّاح.
أعلنت عشائر بني طرف رفضها العنيف للاحتلال الفارسي، وثارث على الفرس لأول مرة في عام (1936)، و قد رأى الشاه رضا بهلوي في هذه الانتفاضة الواسعة تمرُّدًا على سلطته الاحتلالية؛ فشن هجومًا عسكريًّا وحشيًّا وإرهابيًّا، بهدف إنجاز خطوة سياسية اعتقد أنه يستطيع بها تحقيق تصفية دموية شاملة للروح العربية في الأحواز؛ فسيَّر جيشه الكبير إلى مدينة الخفاجية وأطرافها، وقضى على تلك الحركة المسلحة الشعبية الرافضة للاحتلال الفارسي، مستخدمًا وسائل العنف الشديدة والقسوة المتناهية التي أسهبت شهادات الأحياء واستفاضت صفحات الكتب في وصف حوادثها المفجعة، ومن أجل إرهاب كل الوطنيين الأحوازيين، أسروا العديد من الرموز الوطنية، وأُعدموا منهم ستة عشر رمزًا وطنيًّا ورئيسًا من رؤساء العشائر، وأمروا بدفـنهم أحياء، أمام العديد من المراقبين محاولين زرع الذعر ونشر الخوف في صفوف الأحوازيين من خلال جعل تصرفهم الغاشم الإرهابي ذاك بمنزلة (درس وعـبرة) أمام كل من يعارض الاحتلال الفارسي ونظامه.
فالوحشية المفرطة من قِبَل المحتل الإيراني الغاصب لم تمنع رجال عشيرة بني طرف من إعلان الثورة مرةً أخرى في عام (1945)، حين تمكنت العشيرة من القضاء على عدد من الجنود من الجيش الفارسي بأسلحتهم الخفيفة القديمة، ليضربوا بذلك المثل على الشجاعة في مواجهة العنصر الفارسي، فقد قابلهم الفرس بما لديهم من قوة عسكرية مزودة بالأسلحة الثقيلة والحديثة، واستعملوا ضد بني طرف المدرعات والمدافع وسلاح الطيران، ومع ذلك استطاع ثوار العشيرة إسقاط طائرة فارسية إذ كانت تقصفهم بالقنابل المحرقة. مما أدى إلى تراجع بني طرف تحت وابل الرصاص والمدرعات الفارسية وطائراتهم المعتدية.
وعلى أثر فشل ثورة بني طرف رحّل الفرس قرابة 1400 فردًا منهم، ما بين شاب، وعجوز، وطفل، وامرأة، إلى شمال إيران في شتاء قارس لتلك السنة مشيًا على الأقدام، انتقامًا من العرب لثورتهم. والمأساة أنه لم يصل من أولئك إلى طهران سوى أربعون فردًا. وقد مات الباقون في أثناء الطريق من الجوع والتعب والبرد. وقد رويت الكثير من المشاهدات التي تعبر عن همجية الفرس في التعامل مع الأسرى بصورة بعيدة كل البعد عن الإنسانية والرحمة، فيذكر أن بعد وصول ما تبقى من الأسرى إلى طهران سأل مسؤول حامية طهران الجنود الفرس عن أوضاعهم في الطريق؛ فأجابه أحد الجنود الفرس أن بغلته ماتت خلال الطريق، فالتفت الضابط الفارسي إلى الأسرى فشاهد امرأة عربية في إذنها قرطا من الذهب، فمد يده إلى ذلك القرط ونزعه بقوة مما أدى سيلان الدم منها، ثم دفع به لذلك الجندي وطلب منه شراء بغلة جديدة له، وهذا المشهد يختصر النزعة العدوانية، والاحتقار لكل ما هو عربي، والاستهانة بحقوق الإنسان.
رغم فشل ثورة بني طرف الأولى عام (1936) عادوا بعد 9 سنوات لتكرار التجربة طلبًا للحرية.
لقد كانت تلك الحادثة مأساة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وصورة من صور الظلم والبطش الفارسي الذي عانت منه عشيرة بني طرف، العشيرة العربية وغيرها من عشائر الأحواز العربية، وفي ذلك دليل على ما كانت تمارسه إيران منذ القدم من حقد وقسوة في التعامل مع العرب، ولا زالت تمارسه، بل هو نهجها الدائم الذي تسير عليه.
- سامية الجابري، الأحواز عربستان خلال العهد الملكي البهلوي (بيروت: جداول للنشر والترجمة والتوزيع، 2019).
- عباس العزواي، عشائر العراق (بغداد: شركة التجارة والطباعة المحدودة، 1956).
- عبدالجليل الطاهر، تقرير سري لدائرة الاستخبارات البريطانية عن العشائر والسياسة بين الأحوال الاجتماعية والسياسية للعشائر العراقية (بغداد: مطبعة الزهراء، 1958).
- علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغرى الحديثة، 1970).