استقبلهم بايزيد الثاني وقنن أوضاعهم سليم الأول

الصهاينة في الدولة العثمانية

خدعوك فقالوا: إن الدولة العثمانية حاربت الصهيونية في كل مكان، ووقفت ضد مخططاتها الاستيطانية، لحماية الوطن العربي من سوس ينخر في عظامه، كذبهم تدفق فوق صفحات الكتب دون دليل، وردده سلاطين آل عثمان لصنع بطولات وهمية تُخلّدهم، أو تُجمّل صورتهم قليلًا كصفحة سوداء في مذكرات تلك الأمة.

لكن الحقيقة، وما توثّقه الروايات التاريخية، ويجمع عليه المؤرخون، أن الدولة العثمانية ارتبطت منذ بدايتها بالصهيونية، واستمر الارتباط حتى انهيار سلطة الأتراك مع الحرب العالمية الأولى، ومن الفصول المثيرة في هذه القصة، سيرة حياة يعقوب باشا الطبيب الخاص للسلطان محمد الفاتح، وتتضارب المصادر التاريخية فيما بينها بخصوص بدايات الصهيوني يعقوب في البلاط العثماني؛ إذ تذكر بعضها أن يعقوب عندما بدأ في ممارسة وظيفته كان لا يزال يهوديًّا، ولكنه أسلم فيما بعد، بل ورُقِّي إلى رتبة باشا.

ارتبطت الدولة العثمانية منذ بدايتها بالصهيونية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

وهناك بعض المؤرخين يقدّمون قصة مغايرة؛ إذ يذكرون أن يعقوب كان يهوديًّا ثم تظاهر بالإسلام، بل تؤكد هذه المصادر أكثر من ذلك بأنه كان عميلاً للبنادقة الإيطاليين. وترى هذه المصادر أنه زُرِع يعقوب في البلاط العثماني من أجل المساعدة على اغتيال محمد الفاتح سرًّا، لا سيما بعد توسعه في الفتوحات في أوروبا، ويذهب البعض إلى تأكيد هذه الرواية خاصةً أن محمد الفاتح مات مسمومًا.

ويعترض البعض على هذه الرواية، مستندًا إلى استمرار يعقوب في العمل في البلاط العثماني، بعد موت الفاتح، في عهد بايزيد الثاني، بل احتفظ بوظيفته، وعلى أية حال كان صعود يعقوب في البلاط محل سخرية الكثيرين وانتقادهم، بل إن بعض المعارضين للدور اللوبي الصهيوني في البلاط العثماني مثل عاشق باشا زاده، كتب في هجاء يعقوب قائلاً: “أصبح الطبيب يعقوب باشا وزيرًا… بدأ كل سافل يهودي وجائع يتدخل في أمور السلطان”. ونحن نذكر ما قاله عاشق باشا زاده هنا ليس لمعاداة السامية، ولكن لبيان رد فعل التيار المعارض لنفوذ يعقوب باشا في البلاط العثماني.

وتذكر المصادر التركية، أن بداية توطين الصهاينة المهاجرين من إسبانيا والبرتغال، فرارًا من المذابح التي قام بها الكاثوليك ضدهم، بدأت في عهد بايزيد الثاني؛ إذ قام باستقبالهم وإسكانهم في عدة مناطق من الدولة العثمانية، لا سيما في سالونيك وأدرنة.

وفي عهد سليم الأول، تم تنظيم أوضاع الصهاينة، ويعتبر دفتر طابو التحرير الخاص بمدينة أدرنة من أهم المصادر في هذا الشأن؛ إذ نَصّ في عام (1519) على ذكر “جماعة إسبانيا”، وذكر أسماء رؤساء العائلات اليهودية التي طُرِدَت من إسبانيا وتم إسكانها في أدرنة، وتوضح هذه الوثيقة أن عدد هذه العائلات تجاوز الأربعين عائلة.

ويذكر التركي أحمد آق كوندز، أن الحكومة التركية قدمت في عام (1993) إلى اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان الوثيقة السابقة، بالإضافة إلى قوانين ليفاديا المرتبطة بسنجق “آغريبوز” الصادرة في عهد سليم الأول، وبها الحكم الذي يُبَيِّن كيف سمح لليهود بالاستقرار في الدولة العثمانية: “واليهود الآتون من الغرب يعطون الخراج و25 أقجة كضريبة”.

وبينما يأخذ البعض على الدولة العثمانية استقبال الصهاينة واليهود من الأندلس في الأراضي الإسلامية، يرد الأتراك المعاصرون أن هذا الأمر تم في إطار تراث عهد الذمة، ومعاملة أهل الكتاب في الإسلام، في الوقت الذي أهملوا فيه مسلمي الأندلس وجعلوهم يواجهون مصيرهم.

  1. ستانفورد ج شو، يهود الدولة العثمانية والجمهورية التركية (القاهرة: دار البشير، 2015).
  2. جعفر حسن، فرقة الدونمة بين اليهودية والإسلام، ط3 (بيروت: مؤسسة الفجر ، 1988).
  3. أحمد النعيمي، الأقلية اليهودية والدولة العثمانية (بغداد: دار الشؤون الثقافية، 1990).   
  4. إبراهيم العلاف، “دور الماسونية في الحياة الاجتماعية والسياسية التركية المعاصرة”، مجلة دراسات اجتماعية، بيت الحكمة، بغداد، العددان (3، 4)، (1999-2000).
  5. أحمد آق كوندز وسعيد أوزتوك، الدولة العثمانية المجهولة (إسطنبول: وقف البحوث العثمانية، 2008).
  6. أكمل الدين إحسان أوغلو، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة (إسطنبول: مركز الأبحاث، 1999).