بسبب ثورة "عرابي" وعدم الرغبة في التصادم
عبدالحميد الثاني سلَّم مصر للاستعمار الإنجليزي
تعتبر الثورة العرابية واحدةً من أهم الثورات الوطنية المصرية، وقعت أحداثها بين عامي (1881-1882م)، وتأتي أهميتها لأسبابٍ عدَّة في مقدمتها زمن الثورة؛ إذ إنه من النادر وقوع ثورة وطنية بهذا الحجم والتأثير في منطقة الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر، إذ إنها في الغالب نشطت مع مطلع القرن العشرين بشكلٍ ملحوظ.
ومن أهمية الثورة العرابية أنها في حقيقة أمرها كانت نتاجًا لحراك اجتماعي وثقافي كبير شهدته مصر منذ عصر محمد علي، ومتغيرات عصره في جوانب التعليم الحديث وإنشاء جيش وطني حديث قائم على مبدأ التجنيد. من هنا نشهد عودة المصريين إلى حياة الجندية من جديد لأول مرة ربما منذ انتهاء عصر الفراعنة، أو على أقصى تقدير عصر البطالمة. ولا نستطيع أن نُهمِل النهضة النيابية وخاصةً مع إنشاء مجلس شورى النواب في مصر لأول مرة في عام (1866م) في عصر الخديو إسماعيل، يضاف إلى ذلك ارتفاع الأصوات المُطَالِبة بإعداد دستور يُنَظِّم أوضاع البلاد، ذلك أدى إلى طرح مشروع دستور سنة (1881م)، ويرى البعض أنه كان دستورًا متقدمًا بمعايير ذلك العصر.
رفض محمد علي رغبة ابنه إبراهيم باشا في ترقية الجنود المصريين إلى رُتَب الضباط، قائلاً له أن أول جندي مصري سيرُقى إلى رُتَب الضباط سرعان ما سينقلب على أسرتنا بل على الدولة العثمانية نفسها، بحكم أن مصر كانت ما تزال ولاية عثمانية ولكن ذات طابع خاص وامتياز لأسرة محمد عليّ.
وبالفعل عندما تم ترقية أحمد عرابي ورفاقه إلى رُتَب الضباط في عصري سعيد باشا والخديو إسماعيل، سرعان ما بدأت الروح القومية المصرية تدب في قلوبهم وتنامى الإحساس المصري، وبدأت حركة استهجان ثم رفض احتكار الأتراك والشراكسة للرُتَب الكبرى في الجيش المصري، وظهرت المطالبات بضرورة ترقية الضباط المصريين إلى المناصب العليا.
تلاقت دعوة تمصير الجيش مع دعوات مدنية أخرى بتمصير الحياة السياسية في مصر، وحدث تحالف بين أحمد عرابي ورفاقه من الضباط المصريين وبعض المفكرين والساسة المصريين أدى إلى ظهور الشعار الذي أصبح رمزًا للثورة العرابية، بل والحركة الوطنية المصرية بعد ذلك وهو شعار “مصر للمصريين”.
رفع بعض أعضاء مجلس شورى النواب مطالبات بضرورة عزل الخديو توفيق لأنه يقف في صف الأجانب، وتم تشكيل وزارة وطنية برئاسة الشاعر الكبير محمود سامي البارودي تولى فيها أحمد عرابي منصب وزير الحربية.
إلا أن الدول الأوربية- وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا- رفضت هذا الأمر ونظرت إلى حركة عرابي على أنها تهديدٌ للمصالح الأوروبية وللأجانب المقيمين في مصر، وأيضًا لسلامة الملاحة في قناة السويس. ورد عرابي على ذلك بإعلانه حماية الأجانب في مصر واحترام حقوق الملاحة في القناة.
السلطان الأحمر كان منفذًا للرغبات الاستعمارية.
وعلى الرغم من محدودية تأثير هذا القرار على مشاعر عامة المصريين، إلا أنه كان بمثابة سحب الشرعية عن عرابي من جانب الدولة العثمانية التي كانت ما تزال صاحبة السيادة على مصر من ناحية القانون الدولي، كما أنه منح التدخل العسكري الإنجليزي ضد عرابي غطاءً شرعيًّا، بحجة أن عرابي يعتبر من العصاة على شرعية الدولة. وبالفعل احتلت بريطانيا مصر عام (1882م) وقمعت الثورة العرابية، وتم إلقاء القبض على أحمد عرابي ورفاقه، وجرى نفيهم إلى جزيرة سيلان. وترتب على ذلك بقاء الاحتلال الإنجليزي لمصر حتى عام (1954م) عندما خرج آخر عسكري إنجليزي بعد عقد معاهدة الجلاء بين مصر وبريطانيا.
ومُؤَكَّد أن الموقف المتخاذل من جانب الدولة العثمانية تجاه الثورة العرابية يُعَدُّ حرجًا كبيرًا لدى التيار القومي المصري حتى اليوم، ويحاول المؤرخ التركي سليمان جوقة باش في كتابه “السلطان عبدالحميد الثاني: شخصيته وسياسته” إيجاد مبررات لموقف عبدالحميد الثاني وإعلانه عصيان عرابي، إذ يرى أن بريطانيا كانت قد قررت احتلال مصر نظرًا لوجود قناة السويس وأهميتها في الوصول إلى الهند أكبر مستعمراتها، وأن عبدالحميد كان يرفض ثورة عرابي ويرى أنها تعطي إنجلترا مُسَوِّغًا للتدخل في مصر بل الأكثر من ذلك أن عبدالحميد “كان يرى في عرابي باشا ما هو إلا ألعوبة في يد الإنجليز”. ويرى جوقة باش أن السلطان عبدالحميد أرسل بعض مندوبيه إلى عرابي من أجل دفعه إلى ترك السلطة لكن عرابي رفض، بل طلب عرابي من السلطان عبدالحميد إرسال قوات عثمانية إلى مصر لمساعدة عرابي في التصدي للهجوم الإنجليزي على مصر، لكن السلطان رفض بحجة عدم الرغبة في الصدام مع بريطانيا!
خذلان عبدالحميد للعرب بدأ من مصر
1. صلاح عيسى: الثورة العرابية.
2. لطيفة سالم: القوى الاجتماعية في الثورة العرابية.
3. سليمان جوقة باش: السلطان عبد الحميد الثاني: شخصيته وسياسته.