ما بين عرش كسرى .. وبناء الهيكل!!

إن أقرب الناس شبهًا بـ “الفرس المتطرفين” هم الإسرائيليون الصهاينة، فكلا الفريقين يحلم بإعادة بناء عرشه الذي سقط واندثر حضارته قبل آلاف السنيين، حتى ولو كان حلمًا يُشْعِلُ الحروب ويُخَلِّفُ المَآسِي وَيُشَرِّدُ ويقتلُ الملايين، إنه حلمٌ شريرٌ لا يحمله إلا الأشرار من كلا الطرفين.

بالرغم من أن اندثار الحضارتين الفارسية والعبرانية سنةٌ كونيةٌ، فالفراعنة والرومان والإغريق وغيرهم من الأمم القديمة اندثر تاريخهم وقام مكانه تاريخ جديد لنفس تلك الأمم أو لأمم أخرى استقرت في أماكنهم، لكن محاولتهم إعادة بنائها تصطدم بالمنطق والعقل، ومع ذلك يستمرون في محاولاتهم التي تعاكس التاريخ.

الفرس يرون أن من حقهم إعادة بناء عرش كسرى وإيوانه الذي تحطم في بابل على أيدي العرب المسلمين إثر معركة القادسية الشهيرة، والصهيونية حركة نشأت على فكرة استِعَادَة التاريخ اليهودي والأراضي اليهودية، مؤمنين بأن بناء الهيكل المجهول واجب مقدس، حتى ولو فني العالم أجمع من أجل ذلك الهدف، مصادفة؛ لكنها تعبر بصدق عن الأنانية المفرطة، والانزواء إلى الداخل بين المتطرفين في كلا الجانبين – الفارسي والصهيوني-.

المشروع الفارسي في عمقه عنصري، شديد الارتباط بالثقافة الزرادشتية التي شكَّلت الإمبراطورية الساسانية قبل انهيارها، ولذلك لم ولن ينس الإيرانيون عرشهم الكسروي، ولم يتقبلوا لقرون طويلة اندثار إمبراطوريتهم، وبقوا يُحَمِّلُون الإسلام والعرب المسلمين تلك المسؤولية، ثقافيًّا خرجت حركتان فارسيتان مناهضتان للعرب، الأولى: تروِّج لما يسمى بـ “عصر الصمت” الذي استمر إلى قرنين كاملين من بداية الدولة الإسلامية الأولى وفيها اتُهم العرب – زورًا- بأنهم حرموا الفرسَ من التعبير وفرضوا عليهم الثقافة العربية، والحركة الأخرى حركة الشعوبية المناهضة للعرب، التي قامت على أساس عنصري وظهرت بذورها الأولى في أواسط العصر الأموي ثم تصاعدت بقوة في الفترة العباسية.

الغريب في الأمر أن الأوهام الإيرانية لا تتجه ضد الأعراق الأخرى غير العربية، على الرغم من مجاورة البلوش والأفغان والأوزبك والجورجان للإيرانيين -مع أنهم شعوب مسلمة – إلا أن الفرس لا يرون العالم إلا من خلال العداء السافر للعرب عرقًا وثقافة بل إسلامًا.

إن كثافة التواجد الثقافي والعسكري الإيراني المعاصر، الذي تحاول طهران من خلاله السيطرة على البلدان والشعوب العربية وإغراقها في الفشل والتشرذم، لا يمكن أن تراه في نيودلهي الهند، أو كابل الأفغان، أو طشقند الأوزبك، أو تبليسي جورجيا، فقط يتمددون على نحوٍ مُنَظَّم مدروس في المدن  العربية “بغداد وصنعاء وغزة وبيروت”.

إن كل المكونات السياسية التي خرجت في إيران منذ الصفوية وحتى الخمينية حاليًّا هي  في جوهرها حركات ذات نزعة قومية شديدة التطرف، شديدة الانعزالية عن العرب، وعن الخلافة الإسلامية التي ترتكز على الإسلام السني، فالشعوبية الفارسية لم تهدف إلى إعادة بناء إيران على أسس القومية فحسب، بل تهدف أيضا إلى عقاب العرب على ما فعله أجدادهم وتحميلهم مسؤولية انهيار امبراطوريتهم الساسانية.

فالحركة الصفوية الإيرانية -على سبيل – المثال تأسست على مرتكزين هما: المذهب الشيعي والقومية الفارسية بهدف عزل إيران عن الأمة الإسلامية وتمييزها عن العنصر العربي، هذا التمايز صنع أدبيات إيران الحالية وحقق لها مخزونها المقاوم لكل ما هو “إسلام عربي” ، وليصنعوا لأنفسهم “إسلامهم الفارسي”، الذي هو في حقيقته خليط بين الخرافات والمفاهيم الزرادشتية.

حلم الدولة الفارسية الإيرانية ذات البعد الفارسي بقي حلمًا يتوارثه المتطرفون والحركيون الفرس جيلاً بعد جيل، وإن تدثروا بالإسلام المذهبي، لكنه يخفي بين عباءته دولة قومية بَنَت سمعتها على هيمنة اللغة الفارسية، والتفوق العرقي المشابه للنازية الألمانية إلى حد بعيد في نظرتها لتفوق العرق الآري، والذي ينتمي إليه الإيرانيون والألمان.

ويالها من حالة خاصة غريبة يحملها الفرس الجدد المتطرفون في دواخلهم، فقد جمعوا بين متناقضات لا تجتمع إلا عندهم، فهم يدَّعون الإسلام ويكرهون العرب الذين حملوا رسالة الإسلام إليهم، ويدَّعون التفوق العرقي كالألمان، ويريدون استعادة عرش كسرى كما يدعي بنو صهيون استعادة هيكل سليمان بالنسبة لهم.