على مائدة الدم..

قد تكن التحالفات من أجل إحداث تغيير موازين قوى لمصالح عامة، وتعتبر التحالفات الحزبية من أجل الحصول على كرسي الحكم ليس بشراكة سهلة؛ لأنها تتطلب تقديم تنازلات أو إجراءات من أجل نيلها والحصول على مراتب عليا متقدمة، وذلك ما يمكن اعتباره في الحالات التي تشابهت شكلاً ومضموناً في الأحوال والأحداث التي جعلت منهم شخصيات وكأنها تحالفت على أن تعمل على اتخاذ أقسى وأبشع التعاملات ضد الإنسانية.
جمال باشا ولد في 1290هـ/1873م، واُغتيل في 1341هـ/1922م، كان وزيراً للبحرية العثمانية، عُين واليًا على سوريا وبلاد الشام عامة في1334هـ/1915م، يعشق إثارة القومية، مبغض للعرب ومبَيِّت النية لانتقامه منهم، وعندما أصبح ذا سلطة عليهم، أقصاهم عن المناصب الإدارية، قاد الجيش العثماني ضد السويس للقضاء على البريطانيين هناك لكنه تلهى عن ذلك واهتم بتمكين نفسه وتعزيز سلطته والضرب بيد من حديد، واعتمد سياسة البطش.
منيت الحملة العثمانية التي قادها ضد مصر بخسارة فادحة وقتلى بالآلاف، عاد إلى بلاد الشام وأصبح أكثر حدة في الطباع بعد هزيمته وفشله الذريع، فعمل على التركيز ضد العرب العسكريين والمدنيين في بلاد الشام، فاستبدلهم بعسكريين أتراك، وفصل الضباط منهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة نائية، وقام بتنفيذ أحكام إعدام من الأحكام العرفية الباطلة واعتقال الزعماء الوطنيين وتعذيبهم والتنكيل بالبارزين منهم وكذلك المثقفين، ولقب بالسفاح لإدارته محاكمات جائرة ظالمة، وبرغم التوسلات والمناشدات بوقف الأحكام، وإطلاق سراح ضحاياه، إلا أنه نفذها ما بين لبنان وسوريا على مراحل بتُهم متعددة منها محاولة الانفصال عن الدولة، وتعرض للاغتيال والأسر والتعذيب أكثر من مرة ولكنه نجا، إلى أن اغتيل في تبليسي على يد رجل أرمني، لأنه كان واحدا ممن خططوا لتهجير الأرمن عرفت بعملية “تنمسيس” أي العقاب .
طلعت باشا ولد في1291هـ / 1874، واغتيل في (1340هـ/ 1921م) في برلين على يد الناجي الوحيد من عائلته الأرمنية. ولد في مقاطعة أدرنه وهي واقعة ضمن الأراضي البلغارية، ينتمي إلى عائلة بلغارية منبوذة (البوماكس) وهي أقلية مسلمة شمال مقدونيا، وهو من الجماعات الغجرية في الدولة العثمانية درس إلى أن وصل إلى وزارة الداخلية، ووصل إلى منصب الصدر الأعظم، كانت له سياسة عسكرية لها نهجها الخاص، ومنها اتخذ أقصى الإجراءات ضد الأقليات في الدولة ومنهم الأرمن، وكان يخشى أن يعلنوا دولتهم وكتب ذلك في مذكراته معللاً أسباب تعذيبهم وتجويعهم، فهي من إنجازاته أنه عمل على إبادة وتهجير الأرمن في كامل الإمبراطورية، وكان ممن أسسوا للقومية التركية لتوحيد الشعوب من خلال المعايير الثقافية والأثنية – العرقية- واللغوية .
وكتاب ” أوامر القتل برقيات طلعت باشا والإبادة الأرمنية”، يشهد فيه كاتبه، وهو عبارة عن مذكرات المسؤول العثماني نعيم أفندي، السكرتير الأول في مديرية السوقيات في حلب، التي تضمنت برقيات طلعت باشا الأصلية، التي تخص أوامر تهجير الأرمن وإبادتهم، وفي مذكراته الخاصة أكد على ذلك.
أنور باشا من مواليد استانبول في (1299هـ/1881م)، التحق بالكلية الحربية وتخرج ضابطًا في فيلق سلانيك، تولى رئاسة مدينة المنستير التونسية، وتولى وزارة الحربية.
ومن مشاركاته التاريخية، أن أعلنت الدولة العثمانية الجهاد!!! – ولكن ضد من؟ – بعد أن انضمت إلى ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وبعد أن ضمنت لها الأخيرة وحدة أراضيها وسيادتها وكانت الحرب –أقصد جهادهم – الذي قادته الدولة ضد الدردنيل – السويس – عسير اليمن – ليبيا – وإيران وبذلك كان اتخاذ أنور باشا قرار الحرب أو الجهاد على حدّ وصفهم بأن أخطأ خطأ لا يغتفر كلف الإمبراطورية نهايتها، وهو أنه نحى جهة روسيا والقوقاز وإيران فكان مواجهًا للروس، وبجيش له قوامه 700 ألف، وكانت النتيجة بأن هُزم العثمانيون وقتل منهم 243 ألفًا، وأُصيب 400 ألفٍ، ومات 466 ألفًا بأوبئة وأمراض، وأسر 200 ألف.
وكان الأسوأ من ذلك في تاريخه إصدار قانون التكاليف الحربية الذي يُلزم فيه العرب، التجنيد الإجباري خاصة من فلسطين وبلاد الشام عامة، وتقديم الدعم الكامل للجيش العثماني والألماني بطرق شرعية لضمان التعاطف وغيرها، ونتج عن ذلك مقتل 250 ألفا، وإصابة 50 ألفا، وإعدام 500 رفضوا التجنيد العثماني لصالح الألمان من العرب.
وبعد أن تأكدت هزيمة الدولة قرر الهرب عام (1336هـ/ 1918م)، قتل في عام (1341هـ/1922م) في بخارى.
ذكر طلعت باشا في مذكراته بأنه قال لجمال باشا مخاطباً: لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لستر شرورك وآثامك لما كفتنا.

باشوات ثلاث اشتركوا في الخصال، وفي أعمال عسكرية جمعت بين التنوع في البطش، وفي قهر الشعوب العربية وغيرها، إسلامية وأقليات.

وكأنه تحالف دموي بين وزارات حيوية تولاها باشوات ثلاث…..