المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين:

الحقائق والإنصاف يقتضيان تسميته: "الخليج العربي"

اعتاد الفرس نظرة الاستعلاء على الآخرين والغطرسة الممجوجة على الشعوب المجاورة لهم، خاصة العرب، فإيران ترى لها الحق في السيطرة على الخليج العربي، وتعتبر سواحله الغربية أنها كانت مستعمرات تابعة لمملكة الفرس قبل الاسلام. كما يصرّ الفرس على تسمية الخليج بالفارسي، ويُدَلِّسون بأنها التسمية الوحيدة الذي تُسمى الخليج بها، رغم أن القاطنين على الساحلين الغربي والشرقي من الخليج هم قبائل عربية أصيلة توزعت على ضفافه منذ القدم على هيئة مدن ساحلية ومرافئ بحرية، حتى أن بادية العرب ترعى الصحاري المشرفة عليه. ولو أمعنا النظر في التسمية الحقيقية للخليج لو جدنا أن العرب قديمًا قد سمَّوه خليج البصرة وخليج عمان وخليج البحرين وخليج القطيف وبحر القطيف وخليج الحسا؛ لأن هذه الأماكن كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه، وتسيطر على مياهه، ومنه تتصل بالعالم شرقًا وغربًا.

والواقع أن الخليج العربي شهد العديد من التسميات على مر العصور، فأقدم اسم عُرِفَ به الخليج هو “أرض الإله” قبل ثلاثة آلاف سنة، ثم أصبح يعرف بـ “بحر الشروق الكبير” حتى الألف الثاني قبل الميلاد، وسمي أيضاً بـ”بحر بلاد الكِلدان” في الألف الأولى قبل الميلاد؛ إذ كانت للكِلدان مملكة في بلاد الرافدين، وسماه الأشوريون والبابليون أيضًا بـ “البحر الجنوبي” أو “البحر السفلي”، كما سمعي أيضا في بعض المراجع بــ”البحر المر”.

وعند الرجوع إلى بعض المصادر التاريخية الكلاسيكية القديمة نجد أنه في مدة من التاريخ كان يسمى بالخليج الفارسي، وذلك ليس لأحقيتهم بتلك التسمية بل لعدم معرفة الجغرافيين والرحالة آنذاك بما هو موجود على ضفة الخليج الغربية، وأول من أطلق عليه اسم بحر فارس هو الإسكندر الأكبر، ذلك بعد رحلة موفدة أمير البحر نياركوس سنة (326 ق.م)، والذي عاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الشرقي للخليج في أطراف بلاد فارس، حيث كان الإسكندر بانتظاره، فلم يكن يعرف شيئًا عن السواحل العربية من الخليج، الأمر الذي دعا الإسكندر إلى أن يطلق على الخليج الفارسي. والذي قد خرج عن هذه التسمية المؤرخ الروماني بليني بلينيوس الأصغر في القرن الأول من الميلاد، وقال إن “المحمرة مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي”.

تمسَّك الفرس والإنجليز بخطأ نياركوس حين أطلق على الخليج "الفارسي".

وتعود تسمية الخليج بـ “بحر البصرة” إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والنحويون الأوائل يستعملونها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي 160هـ) كما استعملها الجغرافيون العرب مثل ياقوت الحموي والمؤرخون مثل خليفة بن خياط والإمام الذهبي، وإن كان اسم بحر فارس شائعاً كذلك في العصر الإسلامي، خاصة بين المسلمين الفرس. حتى أن البعض قد يستعمل الاسمين معاً. وفي العصر العباسي أسماه بعض العرب بخليج العراق، لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة؛ إذ ظلت تسمية الخليج العربي معروفة منذ ما قبل الإسلام، واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها. ويتحدث المؤرخ العراقي مصطفى جواد عن خليج البصرة فيقول: “الخليج هو خليج البصرة وقد دعاه بعض المؤرخين الغربيين بالفارسي؛ لأن أكثر أولئك المؤرخين والرحالة الغربيين كانوا يهدفون إلى عبوره من الجانب العربي إلى الفارسي، وليس العكس، والهدف هو الذي يفرض التسمية، فعندما تكون في بغداد مثلاً وتريد الطريق الذي يؤدّي إلى البصرة فإنك تقول أو تسمّيه طريق البصرة، أمّا إذا كنت في البصرة وتريد الطريق المؤدّي إلى بغداد، فإنك تسمّيه طريق بغداد، وهكذا كان الأمر بالنسبة للخليج عندما كان الهدف منه العبور والوصول إلى البصرة؛ فتكون التسمية خليج البصرة وهي نهاية الخليج العليا، أمّا من يسلكه من الجانب الفارسي ويريد الجانب العربي؛ فهو خليج البصرة، وخصوصا لعموم سكّان فارس والهند ومناطق باكستان الحاليّة، وأكثر ما يُروى عن المنطقة هو ما يُروى عن صيد اللؤلؤ وصناعة السفن والأساطيل التي تمر الخليج قديمًا وحديثًا إلى الهند والصين وأندونيسيا والفلبين وجزر سليمان وجلب الأخشاب من جاوة، وغير ذلك كثير ومازال سكان الهند والباكستان يحتفظون ببعض الصلات التي تربط بعضهم بأهالي الخليج والمنطقة والبصرة” .

وفي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي جاب الرحالة كارستن نيبور الجزيرة العربية ومر بالخليج وقال: “لا أستطيع أن أمر بصمت مماثل، بالمستعمرات الأكثر أهمية، التي رغم كونها منشأة خارج حدود الجزيرة العربية، هي أقرب إليها. أعني العرب القاطنين الساحل الجنوبي من بلاد الفرس، المتحالفين -على الغالب- مع الشيوخ المجاورين، أو الخاضعين لهم. وتنفق ظروف مختلفة لتدل على أن هذه القبائل استقرت على الخليج الفارسي قبل فتوحات الخلفاء، وقد حافظت دوماً على استقلالها. ومن المضحك أن يصور جغرافيونا جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس، بينما لم يتمكن هؤلاء الملوك قط من أن يكونوا أسياد ساحل البحر في بلادهم الخاصة. لكنهم تحملوا -صابرين على مضض- أن يبقى هذا الساحل ملكًا للعرب”.

ومن يسبر أغوار الوثائق الأجنبية سواء أكانت البريطانية أم الفرنسية سوف يجد أن هناك تنافسًا استعماريًّا واضح المعالم على تسمية الخليج، فالبريطانيون أسموه خليج فارس، بينما أسماه الفرنسيون بالخليج العربي، وهو ما سارت عليه إيران التي خضعت لعلاقات ودية واتفاقيات ومصالح مشتركة مع البريطانيين، وأثبتت ما أثبته المستعمر البريطاني، فلو كانت الغلبة للفرنسيين لأسموه الخليج العربي تماشيًا مع ما تريده تلك القوى. وبدأ بعض الباحثين الغربيين في القرن العشرين يتخلون عن التسمية الفارسية للخليج. ومن أولئك المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين، الذي زار الخليج العربي وأصدر عنه سنة (1957م) كتابًا بعنوان الفقاعة الذهبية وثائق الخليج العربي،  وقد روى فيه أنه زار الخليج العربي وهو يعتقد أنه خليجًا فارسيًّا؛ لأنه لم ير على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم. ولكنه عندما تعرف عن كثب على الخليج؛ أيقن بأن الأصح تسميته بـ “الخليج العربي”؛ لأن أكثر سكان سواحله من العرب، وقال: “إن الحقائق والإنصاف يقتضيان تسميته بـ”الخليج العربي” .

كما يرى الكاتب الفرنسي ميشال فوشيه في كتابه “تخوم وحدود”؛ أن الخليج الذي سمي الخليج الفارسي بسبب النفوذ القوي والتاريخي لإيران، وجد دعمًا من الاستراتيجية الأمريكية زمن الشاه، القائمة على دعم الشاه وجيشه لتحقيق الأمن الإقليمي في حماية النفط. فالخلاف بين العرب والإيرانيين ليس مجرد خلاف لفظي/اسمي. وإنما هو خلاف يعكس صراعًا سياسيًّا وقوميًّا ذا أبعاد ومضامين استراتيجية، خلاصتها من له الهيمنة على الخليج، على مياهه وجزره ونفطه، ومواقعه الاستراتيجية، وأمنه وثرواته. وهذه في الحقيقة تتماشى مع رغبة إيران الحقيقية بالهيمنة على الخليج العربي بالسيطرة على مياهه ونفطه وموقعه الاستراتيجي.

  1. قدري قلعجي، الخليج العربي بحر الأساطير (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1992).
  2. محمود شاكر، موسوعة تاريخ الخليج العربي (عمّان: دار أسامة لنشر والتوزيع، 2005).
  3. سيد نوفل، الأوضاع السياسية لإمارات الخليج العربي وجنوب الجزيرة (القاهرة: جامعة الدول العربية، 1961).
  4. كارستن نيبور، رحلة نيبور إلى الجزيرة العربية، ترجمة: منير عريش (الرياض: مكتبة الملك عبد العزيز العامة، د.ت).
  5. نبيل خليفة، الصراع العربي الفارسي (مركز بيبلوس للدراسات،  2018).
  6. Roderic Owen, The Golden Bubble: Arabian Gulf Documentary (London: Collins, 1957).