فَرْضُ قراءة صحف الفرس جبرًا

مَنْعُ العرب من طباعة الكتب بلغتهم

منذ الاحتلال الإيراني الكامل للأحواز العربية العام (1925) والإيرانيون منشغلون بمحو الهوية العربية للإقليم بغية تحويله إلى إيراني صِرْف، الفرس الذين بقوا 14 قرنًا يحاربون العرب الذين هزموهم في القادسية، لن يقبلوا أن يعيش بينهم عرب يمتلكون لغتهم وهويتهم وثقافتهم المستقلة، وتحوي أراضيهم الثروات النفطية والغاز والمياه والزراعة والثروة السمكية، في معادلة لا يمكن للغرور والحقد الفارسي قبولها، لذلك فإن الاحتلال الإيراني قام بجهود كبرى لإلغاء الهوية العربية والتخلص منها ومحوها من على وجه الأرض.

لم تقتصر السياسة الإيرانية لتفريس الأحواز ومحو العروبة كهوية وثقافة ولغة على العرب فقط، بل كانت سياسة الأرض المحروقة من أجل إخلاء السكان الأصليين واستبدالهم بالفرس الخُلَّص، ويورد الكاتب عصام عاشور في بحث له تحت عنوان “سياسة التفريس الإيرانية: عربستان الأحواز… نموذجًا” ما يؤكد ذلك قائلاً: “يتعمد الإيرانيون طمس اللغة والتاريخ والعادات والتقاليد للشعوب والقوميات – التي تعيش تحت احتلالهم-، بل تغيير الأسماء للأشخاص والشوارع والأحياء والمدن، حتى عادات الملابس والزي، التي تدل على هوية هذه الشعوب وقوميتها، وأيضاً لم يسلم حتى فولكلور هذه الشعوب من العبث به، كما أن سياسة التفريس لم تقتصر على الشعب العربي الأحوازي في عربستان، بل امتدت إلى قوميات أخرى، فمنذ احتلال إيران لأراضي بلوشستان في عام 1928م، وهي تمارس نفس السياسة وكذلك ضد الأكراد في مناطقهم”.

من جهتهما يشيران الباحثان في الشأن الفارسي باقر الصراف وعادل السويدي، في كتابهما “هل الخليج عربي أم فارسي”: “إن ما جرى لمنطقة الأحواز العربية التي تبلغ مساحتها 324 ألف كيلو متر مربع، هو احتلال عسكريٌّ، أُلحق بممارسة تستهدف القضاء على الهوية القومية لسكان الوطن المحتل لصالح مفاهيم مغايرة. لقد كانت منطقة الأحواز جزءاً من الوطن العربي – الكبير- قبل احتلالها من قبل إيران في العام (1925) بتواطؤ بريطاني حينما ساعدت الشاهنشاه الأسبق لتنفيذ مآربه التوسعية الخاصة”.

ويسعى المحتل الإيراني حتى اليوم إلى زيادة نسبة غير العرب في الأحواز، وتغيير الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار وغيرها من المواقع الجغرافية في منطقة الأحواز، فمدينة المحمرة -على سبيل المثال- أصبح اسمها (خرم شهر)، وهي كلمة فارسية بمعنى البلد الأخضر، فطالت عمليات تغيير الطابع العربي كافة جوانب الحياة في الأحواز بعـد احتلالها الصفوي، وكان هدفها فرض الثقافة الفارسية، فكان على رأس المحرمات التي أقرها الاحتلال الإيراني الفارسي التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، ومن يخالف ذلك الأمر يتعرض للعقاب؛ لأن التحدث باللغة العربية جريمة يعاقب عليها القانون الصفوي، فقررت إيران بأن تكون مناهج الدراسة في المدارس باللغة الفارسية فقط، ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى، ومُنع الأحوازيون من تسمية مواليدهم بأسماء عربية، ومنعوا من لبس الزى العربي وأُجْبِروا على استبداله باللبس البهلوي الفارسي.

وعندما وجدت حكومة طهران مقاومة عربية عنيفة لأطماعها؛ عمدت إلى أساليب غير مباشرة لإرغام شعب الأحواز على ترك اللغة العربية، فكان منها تغيير أسماء المناطق العربية بأسماء فارسية، فمدينة الحويزة أصبحت (دشت ميشان)، والخفاجية أصبحت (سوسنكرد)، والصالحية أصبحت (اندميشك)، والأحواز أصبحت (خوزستان)، وميناء خور عبدالله أصبح (ميناء بندر شاهبور)، والشارع الخزعلي في المحمرة أصبح (شارع بهلوي).

كما قامت بإصدار جريدة في مدينة المحمرة سميت بجريدة خوزستان تصدر بالفارسية، ويُلزم أبناء الأحواز بشرائها وقراءتها، بينما مَنَعُوا تداول المطبوعات العربية، وتقديم من يقوم بتداولها إلى المحاكم باعتبارها من المحرمات التي يعاقب عليها القانون.

بلا شك، إن جريمة المغول في بغداد هي واحدة من كبرى الجرائم الإنسانية، عندما استباحوا الأموال والأعراض، لكن جريمتهم الثقافية بإحراق ورمي الخزان المعرفي العربي في نهري دجلة والفرات كانت العظمى، وفي جريمة مشابهة قام الفرس الإيرانيون ضمن حملة التجريف الثقافي ضد كل ما هو عربي أحوازي، بالاستيلاء على جميع المكتبات الخاصة للأحوازيين، ونقل محتوياتها إلى داخل إيران، كما تم اتلاف الكثير منها ورميها في نهر “كارون”، الذي تحول إلى  رمز للجريمة الفارسية الإيرانية في حق الأحوازيين، وتم إغلاق مطبعة مدينة المحمرة خشية طبع الكتب العربية فيها أو طبع النشرات المعادية للاحتلال الإيراني، وأغلقت المكتبات التي تبيع المطبوعات العربية وتمت مصادرة محتوياتها والتنكيل بأصحابها.

ولإجبار الأحوازيين للتخلي عن لغتهم العربية، والانسلاخ لصالح الفارسية، رفضت الحكومة الإيرانية  جميع المعاملات الإدارية  إن لم تكن باللغة الفارسية، ومنعوهم من مراجعة الدوائر الحكومية ما لم يكن التفاهم مع الموظفين باللغة الفارسية، ولا تقبل شهادة أي عربي في المحاكم إن لم يتكلم الفارسية، بحجة أن القضاة لا يجيدون اللغة العربية، ولا يجوز أن تقبل المحاكم أي مترجم عن العرب أمامها، فضلاً عن منع أي عربي من الالتحاق بوظيفة حكومية ما لم يثبت إجادته للغة الفارسية، وقد أدى هذا الإجراء إلى تعرض الكثير من أبناء الأحواز الذين يرفضون التحدث بالفارسية إلى التشرد خارج الأحواز.

كما ركزت دولة الاحتلال الإيراني على منع الأحوازيين من ارتداء الزي العربي في المؤسسات الحكومية، وكذلك في الأماكن العامة ومنها المراكز الرياضية. ولفك ارتباط العرب الأحوازيين بتاريخهم وإرثهم الحضاري؛ قام الاحتلال الفارسي بهدم وتدمير العديد من الآثار التاريخية في الأحواز، حيث تعرضت معظم القصور والمباني الحكومية التي تعود إلى فترة حكم الشيخ خزعل بن جابر إلى التدمير بشكل كامل، وما تبقى منها آيل للسقوط والزوال؛ نتيجة الإهمال المتعمد من قبل السلطات المحلية التابعة للاحتلال، فضلاً عن نسف قصر الفيلية بأكمله وهو القصر المطل على شط العرب بالقرب من مدينة المحمرة،   ، على الرغم من أنه يعد من الآثار التاريخية المدرجة على لائحة الآثار التي تجب حمايتها بموجب القوانين المحلية.

وإذا كان هناك من مصطلح يمكن أن يصف الاحتلال الإيراني للأحواز العربية، فذلك هو البغيض المقيت، إذ بلغ بهم الأمر أن منعوا الأحوازيين من تسمية أبنائهم بالأسماء العربية، وخصص قائمة بالأسماء المسموحة، تم تعميمها على الجهات المختصة، تضم أسماء الأئمة في المذهب، إضافة إلى عدد قليل من الأسماء العربية التي لا تعادي الثأر والعداء لبعض الرموز العربية – حسب الذهنية الفارسية-، وما تبقى كلها أسماء فارسية لا تمت للثقافة العربية بأي صلة، وتعنت الإيرانيون حتى حظروا استخدام الهمزة في الأسماء مثل (جيداء، أسماء، حوراء، إسراء، شيماء)، إذ يأمرونهم بكتابتها هكذا (جيدا، واسما، وحورا، واسرا، وشيما).

حذروا من كتابة الأسماء بالهمزات العربية مثل :جيداء، أسماء...

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1980).

 

  1. باقر الصراف وعادل السويدي، هل الخليج عربي أم فارسي؟ (القاهرة: مكتبة جزيرة الورد، 2012).

 

  1. خالد المسالمة، الأرض العربية المحتلة الأحواز، ط2 (ألمانيا: مركز الدراسات الألمانية العربية، 2008).

 

  1. عامر الدليمي، الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي (عمَّان: دار الأكاديميون للنشر، 2020).