من حكم الشاه إلى الملالي
مهدي إخوان ثالث...عمَّق لغة العداء الفارسي ضد العرب
يُرجِع بعضهم جذور تيار القومية الإيرانية الراديكالية إلى حركة “الشعوبية”، هذه الحركة التي انتشرت -إلى حدٍ كبير- في أنحاء فارس الإسلامية. ورفضت هذه الحركة الحكم العربي الإسلامي، وحاولت إحياء التاريخ الفارسي القديم، كما شوهت هذه الحركة صورة العربي بصفة عامة. ومن أهم رموز هذه الحركة الشاعر الفارسي الكبير الفردوسي في عمله الكبير “الشاهنامة”.
أما عن النشأة الحقيقية للقومية الإيرانية الراديكالية فإنها ارتبطت بمتغيرات العصر الحديث، لا سيما مع تأسيس الدولة الصفوية في إيران. ويُجمِع الباحثون على أن الدولة الحديثة في إيران واجهت مشكلة كبرى، وهي تعدد الأعراق، فضلاً عن الأديان والمذاهب. فإذا كان العنصر الفارسي يمثل الأغلبية في إيران، إلا أن هناك العديد من الأقليات الأخرى مثل العرب والتركمان والكرد وغيرهم. وعلى الرغم من الانتشار الكبير للغة الفارسية في أنحاء إيران، إلا أن ذلك لا يحجب الحقيقة الساطعة التي تؤكد على تعددية اللغات في إيران.
من هنا حاول مُنَظِّرو القومية الإيرانية الراديكالية في مطلع العصر الحديث تجاوز فكرة التعدد العرقي واللغوي في إيران، من خلال اختراع تاريخ مشترك للبلاد، ولغة واحدة مشتركة لكل إيران. وعلى ذلك عرَّفوا إيران باعتبارها أمة واحدة من خلال عاملي التاريخ واللغة؛ وبالنسبة للتاريخ، تجاوزوا العصر الإسلامي لإيران وعادوا إلى التاريخ الفارسي القديم، وأحيوا هذا التاريخ، على أنه يمثل الزمن الجميل لإيران. وفُرِضَت اللغة الفارسية باعتبارها لغة قومية وعاملاً مشتركًا بين كل سكان إيران.
واستندت القومية الإيرانية الراديكالية في تكونها إلى مفهوم الأنا والآخر، فبحثت عن “آخر” لكي تتخذه عدوًّا لها، وللأسف اصطنعت القومية الإيرانية من شخصية “العربي” عدوًّا لها. ويشير دارسو الأدب والثقافة في إيران إلى سياسات نظام رضا شاه بهلوي مطلع القرن العشرين؛ إذ عمل النظام على تبجيل تاريخ إيران قبل الإسلام، وتوجيه الاتهام إلى العرب المسلمين على أنهم كانوا السبب وراء ضياع المجد الفارسي القديم. كما رفع نظام رضا شاه شعار إصلاح اللغة الفارسية وتجديدها، ولم يكن ذلك إلا رغبة من التيار القومي الفارسي في تنقية اللغة الفارسية من العديد من المفردات العربية واستبدالها بمفردات فارسية قديمة.
في وسط هذه الأجواء القومية الفارسية المتطرفة، ولد الشاعر الإيراني مهدي إخوان ثالث عام (1928). وبدأ مهدي إخوان تعلمه في مشهد، واتجه بعد ذلك إلى الشعر، وتأثر بالشاعر الفارسي الفردوسي، صاحب الشاهنامة، التي تتحدث عن أمجاد الفرس القدامى، وتناوئ حكم العرب المسلمين. ونستطيع تلمس البُعد القومي المتطرف لدى مهدي إخوان، ورفضه للإسلام والعرب، من طريقة اختياره لأسماء أبنائه؛ إذ اختار اسم زرادشت لواحدٍ منهم، كما اختار اسم مزدك لابنٍ آخر.
ويوضح المثال السابق موقف مهدي إخوان تجاه التاريخ الإسلامي العربي لإيران، ونزوعه القومي المتطرف نحو التاريخ الفارسي القديم. كما يتبين لنا مدى تأثره الشديد بالشاعر الفردوسي؛ إذ أوصى أن يدفن بالقرب من مدفن الفردوسي في مشهد، وبالفعل دُفِن هناك في عام (1990).
دُفن مهدي إخوان سنة (1990) بجانب قبر الفردوسي صاحب الشاهنامة لاتحادهما في كره العرب.
ونستطيع أن نتبيَّن نظرة التيار القومي الإيراني المتطرف، ويمثله هنا مهدي إخوان ثالث، تجاه العرب مما كتبه في هذا الشأن إذ قال:
“أفسد العرب كل جانب من جوانب الحياة الإيرانية، من الدين والأسطورة المأثورة الشعبية إلى اللغة والأدب والتاريخ، إن التقاليد العربية المشؤومة، وعدوى التعريب الملوثة الفظيعة، أفسدت شعرنا التقليدي، ليس فقط على صعيد الشكل والبحر والوزن والمنظومة البنيانية، لكن على استطرق ذلك في معظم الأعمال الشعرية، ورزحت لغتنا الوطنية- الفارسية- تحت هيمنة الخرافات العربية السامية والإسلامية، ولكن العرق الإيراني لا يموت، نحن من كنا تحت رحمة غزوات الإغريق والبارثيين سنوات طويلة، لكننا شمخنا برؤوسنا، لغتهم وأخلاقهم وعاداتهم (أي العرب) لا تلائمنا، كيف إذًا مع هؤلاء العرب الحفاة العراة المتوحشين الذين لا يملكون شيئًا سوى لسان طويل وسيف”.
هذه هي نظرة مهدي إخوان ثالث، والتيار القومي الإيراني المتطرف تجاه العرب والإسلام. وفي الحقيقة لا نستطيع أن نفسر موقف مهدي إلا من خلال رفض هذا التيار، منذ حركة الشعوبية، للحضارة العربية الإسلامية. هذا التيار الذي نهض بشدة في مطلع القرن العشرين، مع أوهام نظام رضا بهلوي في إعادة مجد الإمبراطورية الفارسية، وما صاحب ذلك من اصطناع الآخر أو العدو العربي، وتشكل هذا التيار بعد ذلك بنزعة الكراهية والعداء للعرب- بشكلٍ جديد- في السياسة الخمينية التي تتحكم في إيران اليوم.
- إسماعيل آذر، “مقومات الهوية الوطنية في شعر مهدي إخوان ثالث”، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (2012).
- جويا سعد، صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث (دمشق: قدمس للنشر والتوزيع، 2007).
- عارف الزغول، “الخطاب السياسي والاجتماعي في شعر مهدي إخوان ثالث”، جرش للبحوث والدراسات، المجلد 13، ع. 2 (2009).
- علي عبيدات، ترجمة قصيدة الشتاء للإيراني مهدي إخوان ثالث، الحوار المتمدن (2014).
- نبيل العتوم، صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية (عمَّان: مركز أمية ودار عمار، 2015).