بعد أن آمن السلاطين بفشل ولاتهم في العراق والشام

لماذا استجاب محمد علي للعثمانيين لإسقاط الدولة السعودية الأولى؟

كان وصول الدولة السعودية الأولى إلى محيطها الكبير خارج حدود الجزيرة العربية في الوطني العربي بهدف نشر الإصلاح الذي قامت من أجله ومن أجل توحيد الناس بعيدًا عن الاستعمار التركي.

بعد الصدام بين الدولة السعودية الأولى والدولة العثمانية، لا سيما مع والي بغداد. كان الصدام الكبير بعد استرداد السعوديين الحجاز؛ فقد أحدث هذا الأمر هزةً عنيفة في إسطنبول، لا سيما مع تعطل قافلة الحج السوري، التي تُعدّ القافلة الرئيسة إذ تبدأ من إسطنبول وتعبر سوريا تحت إشراف وحماية والي دمشق العثماني.  

يتساءل الباحثون عن عدم قدرة والي دمشق على مواجهة السعوديين بعد استردادهم الحجاز، والدخول معهم في مواجهة حقيقية من أجل تسيير ركب الحج الرسمي الذي كان بقيادته؟

يُلقي المؤرخ الإنجليزي، هنري دودويل في كتابه “الاتحاد السياسي لمصر في عهد محمد عليّ مؤسس مصر الحديثة” بعض الأضواء على هذه النقطة المهمة والمثيرة حول عجز الدولة العثمانية من خلال والي دمشق عن التصدي لهذا الأمر الذي اعتبرته تحديًا حقيقيًّا لمكانتها في العالم الإسلامي، ويشير إلى تخاذل والي دمشق في هذا الأمر لهدف مادي، إذ إنه من المتعارف عليه تخصيص أموال الميري عن الأراضي في دمشق وطرابلس الشام للقيام بما يستلزمه إرسال ركب الحج الشامي والإنفاق على حمايته، فضلاً عن المُؤَن والزاد اللازمين. وعليه تهاون والي دمشق في تنفيذ الأوامر الصادرة له بضرورة تسيير قافلة الحج وحمايتها، ومواجهة السعوديين. ويرى دودويل أن والي دمشق قد طمع في الأموال، وأعتقد أنه يمكنه الاستيلاء على الأموال بحجة أن الركب قد مُنِعَ من دخول الحجاز.

ويشير دودويل إلى أمر مهمٍ آخر وهو أن والي دمشق لم يقم بأيِّ مجهودٍ يُذكَر لمواجهة السعوديين، وذلك يُفسر عزله من قبل العثمانيين عن ولاية دمشق وتولية غيره.

وما أشار إليه دودويل لم يكن حالة خاصة بكنغ يوسف باشا فحسب، إذ إن ذلك ينسحب على كثير من الولاة العثمانيين في العالم العربي على مرِّ التاريخ، فالولاة يأخذون الأمر كإقطاع يضاف إلى ثرواتهم، بنهبِ الثروة العربية في الولاية التي يعينون عليها، ومن ثم فإن أمر الدولة السعودية الأولى الذي أقلق سلاطين الدولة العثمانية لم يكن بالأهمية الكبرى للولاة الذين يرون أمر الولاية فيما يزيد من أموالهم.

لم يقتصر الأمر على والي دمشق فحسب؛ إذ يشير دودويل في عبارةٍ مهمة أخرى إلى تهاون الولاة العثمانيين في مواجهة هذا الأمر رغم أهميته: “كان السلطان قد ظل لسنواتٍ عديدة يُصدِر الأوامر التي لا يؤبه لها إلى كل من والي دمشق وبغداد”، ومن أهم الأوامر التي تراخى تجاهها الولاة أمر الدولة السعودية الأولى التي آمن العثمانيون أنها أهانتهم.

توجه السلطان العثماني فأمر بتدخل والي مصر محمد علي باشا، ومعالجة هذا الأمر، ويرى البعض أن السلطان قد توجه إلى محمد علي لأنه كان في بداية ولايته، ولا يستطيع رفض أوامر السلطان. ولأمرٍ آخر بمثابة ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، هو أن مواجهة محمد عليّ للسعوديين لن تتيح للسلطان فقط فرصة استعادة الحجاز، وإنما أيضًا إرهاق محمد علي وتبديد موارده والقضاء على الجزء الأكبر من جنوده في المعارك التي يؤمن بأنها ستكون شرسة، مما كان يأمل السلطان منه بعد ذلك في القضاء على محمد عليّ نفسه.

وقطعًا فليس هناك أي شك في نوايا السلطان العثماني في ضرب من يرى فيهم أعداءه، بعضهم ببعض، كما لم يستطع محمد علي إلا تلبية أوامر السلطان وتجهيز حملة من ولايته بقيادة ابنه طوسون، هذه الحملة التى واجهت المشكلات منذ بدايتها، ثم قادها الابن الثاني لمحمد علي إبراهيم باشا.

يحاول الباحث الأمريكي فرد لوسون تقديم تفسيرات أخرى لقبول محمد عليّ أوامر السلطان وتجهيز حملة عسكرية للدولة السعودية الأولى، وينطلق في تحليله من إطارٍ محلي مصري، مع عدم رفض الإطار العثماني ورغبات السلطان التي سبق الإشارة إليها. ويرى لوسون أنه لا بُد من الأخذ في الاعتبار أن محمد علي كان يقصد من قبول الحملة ليس فقط إطاعة أوامر السلطان، ولكن أيضًا إبعاد بعض جنوده المشاغبين ضده إلى الجزيرة العربية في حربٍ متوقع أن تكون طاحنة، كما أن نجاح محمد عليّ سيرفع صيته لدى العثمانيين.

استهدف العثمانيون محمد علي بضربه بالسعوديين لإنهاك الطرفين، والتفرغ للباقي منهما.

لم يكتف لوسون بتقديم هذه التفسيرات فحسب، وإنما قدَّم تحليلاً آخر ذا طابع اقتصادي، استنادًا إلى بعض المؤرخين؛ إذ يرى أن قبول محمد علي إرسال الحملة إلى الجزيرة العربية كان أيضًا لأسباب اقتصادية، وهي استعادة النشاط التجاري عبر البحر الأحمر، هذا النشاط الذي يمثل أهمية كبرى للاقتصاد في ولايته، وتجارة الترانزيت بين الشرق والغرب، التي كانت مصر أهم محطاتها، واسترداد السعوديين الحجاز يعني إضعاف التجارة في ولايته ومصالحها الاقتصادية.

تعددت الأسباب وراء طلب السلطان العثماني من واليه على مصر محمد علي إرسال حملة لإنهاء الدولة السعودية، ويأتي على رأسها رغبة السلطان العثماني، والحفاظ على مكانته التي هزها السعوديون في العالم الإسلامي، نظرًا لأهمية قوافل الحج، كما لا يمكن تجاهل تهاون والي بغداد ووالي دمشق في مواجهة السعوديين، يُضاف إلى ذلك رغبة السلطان العثماني في تبديد قوى محمد علي في حربٍ ضروس، نظرًا لتخوفه منه. ولا يمكن استبعاد العوامل المحلية المصرية من رغبة محمد علي نفسه في التخلص من بعض جنوده المشاغبين بإرسالهم في حرب بعيدًا عن مصر، لكن البُعد الاقتصادي لا يقل أهمية عن الأسباب السابقة وهو  رغبة محمد علي في تأكيد سيطرة مصر على طريق البحر الأحمر التجاري الدولي.

الوالي العثماني في مصر تحرك ضد الدولة السعودية لأسباب اقتصادية ولمد نفوذه في الجزيرة العربية.

  1. هنري دودويل، الاتحاد السياسي لمصر في عهد محمد علي مؤسس مصر الحديثة، ترجمة: أحمد عبدالخالق وعلي شكري (القاهر: المركز القومي للترجمة، 2007).

 

  1. فرد لوسون: الأصول الاجتماعية للسياسة التوسعية لمصر في عهد محمد علي، ترجمة: عنان الشهاوي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2005).

 

  1. محمد السوربوني، الإمبراطورية المصرية في عهد محمد علي والمسألة الشرقية، ترجمة: ناجي عطية (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2015).

 

  1. السيِّد فرج، حروب محمد علي (القاهرة: مطبعة التوكل، د.ت).