انتزع الأراضي من أصحابها وباع المناصب للصوص

جرائم عثمان باشا.. أكبر طغاة العثمانيين في ليبيا

رغم أن الطغاة لا يختلفون كثيرًا عن بعضهم البعض، بداية من الأصل الدنيء والنفس غير السوية، ووصولًا إلى التعطش للدماء والفتك بالضعفاء، إلا أن بعض الطغاة انفردوا بصفات أكثر دناءة وحقارة، فتمكّنوا من بلوغ ذروة الاستبداد وبات اسمهم دائم الاقتران بكل ما هو أسود في التاريخ.

حين احتل الأتراك طرابلس الغرب منذ سنة (1551)، بعدما قويت شوكة الأسطول التركي في البحر الأبيض المتوسط، تولى أمرهم مراد أغا المولود في إيطاليا، والذي أخذ سَبْيًا وهو صغير من قِبل القراصنة الأتراك، وبيع في إسطنبول بستين ليرة لأحد النخاسين، فتولى تعليمه ثم أهداه إلى إحدى محظيات السلطان سليم الأول، فأخصته ليبقى في قصر الحريم، حتى ترقى وتدرج وظيفيًّا في القصر.

أدى بطش الساكسلي بالعرب إلى قيام العديد من الثورات ضد مجازره الوحشية.

بعد ذلك ساقته الأقدار إلى ليبيا، فعيّنه السلطان واليًا عليها مدى الحياة، وخلفه بعد ذلك سبعة من الولاة الأتراك وكان ثامنهم الوالي عثمان باشا الساكسلي (1649-1672) الذي كان من أكبر طغاة الأتراك الذين حكموا طرابلس الغرب، وكان مستبدًا ظالمًا، كثرت ثورات رؤساء العرب عليه لظلمه، وكان غدارًا لا يفي بعهد، وقاسيًا لا يرحم، وتستريح نفسه لقتل الأبرياء، والتنكيل بالمظلومين كما تستريح نفس المؤمن لطاعة الله، وهو صاحب مدرسة عثمان باشا المعروفة بطرابلس، بناها من أموال الطرابلسيين ظلمًا وعدوانًا، ومما اشتهر به الترك في ذلك العصر -سواء في طرابلس الغرب ومصر وغيرهما- أنهم يسلبون الناس أموالهم ظلمًا ويبنون بها المدارس والجوامع، حتى وصفه أحد المؤرخين بقوله: ” كان جمّاعًا للأموال بكل وجه أمكن واستمر على ذلك”.

ولقد كان يُحسن إلى من يفدهم السلطانُ إليه، ويغدق عليهم بالهبات بهدف الحصول على دعم السلطان ومنحه الإحسان بإبقائه واليًا على طرابلس، ولقد زاده إحسان السلطان ودعمه تسلطًا وجبروتًا على رقاب الناس وعلى أرزاقهم، فكلما زاد تمكّنه وتسلطه من البلاد ازداد ظلمه. ومن ذلك؛ أنه بدلًا عن الضرائب التي ألغاها في بداية عهده، أرهق الناس بفرض ضرائب جديدة، أثقلت كواهلهم، ومن ظلمه أيضًا أنه منع التجار المسافرين إلى أرض فزان من التجارة في النحاس والخرز والكاغد، ونادى ألا يمارس التجارة بها غيره؟ بل منع الناس من شراء السلع المهمة الواصلة من جهة البحر وكلف بعض الرجال من طرفه بشراء ما يقدم إلى طرابلس من جهة أوروبا.

ونتيجة للتجارة التي احتكرها، أصبح يبيعها إلى التجار بأسعار باهظة في الأسواق، مما أضعف الأحوال الاقتصادية في ليبيا خلال فترة ولايته، ومن صور الظلم الذي أسس له في الولاية بيع المناصب الإدارية، فكان رؤساء النواحي يستلمون مناصبهم بهذه الصورة ويعمدون إلى نهب المناطق التابعة لهم ليستردوا بالسرعة الممكنة الأموال التي دفعوها للوالي عثمان، ولك أن تتصور ما ينتج عن ذلك من الظلم في أرجاء الولاية.

ومن أشكال الطغيان لهذا الوالي التركي، شراؤه الأراضي الزراعية من الناس، وكانت عملياته تجري تحت إشراف القضاء، فكان يشتري الأراضي من أصحابها أمام القاضي في المحكمة وعندما يستلم البائع قيمة ما باعه نقدًا ويخرج من المحكمة كان الباشا يأمر زبانيته بانتزاع تلك النقود منه بالقوة ظلمًا وعُدوانا.

انتزاع الأراضي من يد أصحابها أبشع أشكال الطغيان للوالي التركي عثمان باشا.

  1. محمد الطرابلسي، التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخيار، تعليق: الطاهر الزاوي (المدار الإسلامي: بيروت، 2004م).

 

  1. محمد بن مسعود، تاريخ ليبيا العام من القرون الأولى إلى العصر الحاضر (طرابلس الغرب: المطبعة العسكرية البريطانية، 1948).

 

  1. نيكولاي بروشين، تاريخ ليبيا من منتصف القرن السادس عشر حتى مطلع القرن العشرين،ترجمة: عماد حاتم، ط2 (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2001).