أنشأ "فرسانه" لقتل الأبرياء

عبدالحميد الثاني:

قص شريط المذابح الأرمنية

عامل العثمانيون الأجناس غير التركية في درجة ثانية بعد الترك، بغض النظر عن الانتماءات والمعتقدات، إذ كان العرق أساس التراتبية الاجتماعية، يُستثنى من ذلك اليهود الذين احتواهم العثمانيون منذ فترة مبكرة، لما لهم من فائدة اقتصادية، بينما يقابلهم الأرمن لم يتمتع بما تمتع به اليهود، على رغم ما كان يمثله اليهود من خطرٍ أدى إلى نهاية دولة الترك. 

يعد الأرمن في أصولهم إلى العنصر الهندو أوروبي، فقد وصلوا أراضيهم قبل الميلاد مهاجرين من كليكيا وسوريا والعراق، وعاشوا في الأرض التي شهدت أحداثًا تاريخية للصراع بين الإمبراطوريات المتجاورة، وحين قامت دولة العثمانيين مطلع القرن الرابع عشر الميلادي توسعت في الأناضول 1616 ) تم – حتى ضمت معظم الأرض التي يقطنها الأرمن. وخلال الحرب العثمانية الفارسية ( 1534 تقسيم أراضي الأرمن إلى: أرمينية الشرقية الفارسية، والتي أصبحت فيما بعد أرمينية الروسية بعد استلاء الروس عليها سنة ( 1828 )، يقابلها أرمينية الغربية العثمانية.

يدخل الأرمن في نظام الملة العثماني، ولعبوا دورًا اقتصاديًا كبيرًا في إسطنبول وفي مجالات عدَّة: الزراعة والصناعة والتجارة، وانخرط جزءُ منهم في الوظائف الحكومية، فيما عاش أرمن المدن البعيدة عن العاصمة العثمانية في فقرٍ وجهلٍ، وأرهقتهم الضرائب، التي كانت تُجنى بطريقة قاسية ومذلة من قبل الأتراك العثمانيين. وعلى رغم ذلك أخلص الأرمن للعثمانيين، الأمر الذي جعل العثمانيين يطلقون عليهم الملة الصادقة.

وعطفًا على ما شاع من روح قومية خلال القرون الأخيرة من التاريخ العثماني، وتحديدًا مع مطلع القرن التاسع عشر؛ تسربت الأفكار السياسية والقومية بين الأرمن كغيرهم من الشعوب والقوميات، وتزامن ذلك من وصول الدولة العثمانية إلى مرحلة ضعيفة في نظمها وإدارتها وقوتها. وفي بداية عهد عبدالحميد الثاني نشبت الحرب الروسية العثمانية، ونظرًا لضعف العثمانيين فإنهم خسروا أمام الروس وعقدوا معهم معاهدة سان ستيفانو، وتناولت المادة ( 16 ) من المعاهدة ضرورة قيام الدولة العثمانية بإصلاحات في الولايات الأرمنية، وحمايتهم من اعتداءات الأكراد والجراكسة.وعطفًا على ما شاع من روح قومية خلال القرون الأخيرة من التاريخ العثماني، وتحديدًا مع مطلع القرن التاسع عشر؛ تسربت الأفكار السياسية والقومية بين الأرمن كغيرهم من الشعوب والقوميات، وتزامن ذلك من وصول الدولة العثمانية إلى مرحلة ضعيفة في نظمها وإدارتها وقوتها. وفي بداية عهد عبدالحميد الثاني نشبت الحرب الروسية العثمانية، ونظرًا لضعف العثمانيين فإنهم خسروا أمام الروس وعقدوا معهم معاهدة سان ستيفانو، وتناولت المادة ( 16 ) من المعاهدة ضرورة قيام الدولة العثمانية بإصلاحات في الولايات الأرمنية، وحمايتهم من اعتداءات الأكراد والجراكسة.

تصاعد القلق العالمي بعد دعوة المستشار الألماني أوتوفون بسمارك لعقد مؤتمر برلين بحضور تمثيل أرمني برئاسة بطريرك إسطنبول خريميان للمطالبة بحقوقهم أمام الرأي العام. ومع أن القضية الأرمنية أخذت بعدًا دوليًا؛ إلا أن عبدالحميد الثاني اتخذ موقفًا متصلبًا منها، حيث رفض أي إصلاحات أو تجاوب مع الأرمن، لذا تجاهل العثمانيون تنفيذ المعاهدات الدولية.

انتهج عبدالحميد الثاني سياسة القمع والاستبداد، في ظل انشغال القوى الدولية عن القضية الأرمنية، الأمر الذي اضطر الأرمن إلى تفعيل حركتهم القومية بتأسيس جمعيات ثورية، كانت لها دعاية نشطة، دعت إلى الفدائية والثورة على العثمانيين، وكانت روسيا تقف وراءها داعمةً لها.

واجه العثمانيون وعلى رأسهم سلطانهم عبدالحميد الثاني الملقب ب(السلطان الأحمر) الحركة القومية الأرمنية على صعيدين: على الصعيد الاجتماعي بعمل توطين العشائر المسلمة (المتطرفة) جنبًا إلى جنب مع الثوار الأرمن في شرق الأناضول، والتغاضي التام عما يرتكبونه ضد الأرمن من جرائم وتنكيل، وعلى صعيدٍ سياسي بإنشاء مشروع متكامل عرف ب (الفرسان الحميدية) التي شُكلت من الأكراد للقضاء على الحركة القومية الأرمنية، بهدف قمعهم، وتطهيرهم عرقيًا من أراضي الدولة العثمانية. وبهذا الإجراء المتهور والمتطرف من عبدالحميد الثاني انحنت (1894 – القضية الأرمنية في الدولة العثمانية إلى منعطف متأزم ووحشي تصاعد خلال سنتي ( 1893 اقترفت فيه المذابح وعمليات التطهير العرقي ضد الأرمن وبشكل لم يكن مسبوقًا قبل ذلك.

الوحشية المفرطة التي تعامل بها العثمانيين ضد الأرمن رافقها فرض الضرائب الجائرة عليهم، وأخضعوهم لأنواعٍ عدَّة من مظاهر التقليل والاضطهاد والاستعباد، أشاروا إليهم تحقيرًا لهم بمعنى (gavours) بالتركية باسم “كافر”، فيما أنهم لم يستخدموا الإشارة نفسها ضد غيرهم من غير المسلمين، وعلى رأسهم اليهود. كما مُنع الأرمن من بناء أماكن عبادتهم، وفُرضت عليهم قيود قانونية، كمنعهم من حمل السلاح أو ركوب الخيل والجمال، ولا يمكن لبيوتهم أن ترتفع عن بيوت الأتراك.

جعل الأرمن مواطنين من درجة دنيا برتبة "كافر".

هذا مقابل ما كان يثيره المسؤولون العثمانيون بشكلٍ متعمد من ثورات في المدن ذات الكثافة السكانية الأرمنية، مثل ساسون سنة ( 1894 ) وزيتون خلال الفترة ( 1895 – 1896 )، وكانت الفرسان الحميدية تستخدم العنف بشكل متزايد للتعامل مع الأرمن عن طريق الاضطهاد وإقامة المذابح. في المقابل قاوم الأرمن بعضًا من هجمات الخيالة ونجحوا في صدها.

مايو سنة ( 1895 ) أجبرت القوى الأوروبية عبدالحميد الثاني على التوقيع على الإصلاحات الجديدة بهدف تقليص سلطات الفرسان الحميدية، ولكن لم تنفذ، شأنها شأن ما ورد في معاهدة برلين، وفي أكتوبر من العام نفسه؛ اجتمع 2000 أرمني في إسطنبول لتقديم التماس لتنفيذ الإصلاحات، غير أن وحدات الشرطة العثمانية فضت التجمّع بعنف. وبعد ذلك اندلعت مذابح ضد الأرمن في العاصمة إسطنبول نفسها لتنتشر في باقي المناطق، خصوصاً المقاطعات التي يقطنها الأرمن في بدليس وديار بكر وأرضروم وهارودج وسيواس وطرابزون ووان.

تختلف التقديرات حول أعداد الذين قُتلوا من الأرمن، فيما أن الوثائق الأوروبية للمذابح والتي أصبحت معروفة باسم المجازر الحميدية، وضعت الأرقام بين 100,000 إلى 300,000 شخص راحوا ضحية مذابح عبدالحميد الثاني.

أكثر من 300 ألف أرمني قتلوا تطهيرًا في عهده.

يُتهم عبدالحميد الثاني بأنه أول من بدأ بتنفيذ المجازر بحق الأرمن وغيرهم من المسيحيين الذين كانوا تحت حكم الدولة العثمانية. ففي عهده نفذت المجازر الحميدية، حيث قتل مئات الآلاف من الأرمن واليونانيين والآشوريين لأسباب اقتصادية ودينية متعددة، وكانت عمليات التصفية بين سنتي ( 1894 – 1896 ). 

وبسبب الإحباط من عدم المبالاة الأوروبية بالمذابح، استولت مجموعة من أعضاء الاتحاد الثوري الأرمني على البنك العثماني، وجلب هذا الحادث تعاطفاً أكبر مع الأرمن في أوروبا وأثنت عليه الصحافة الأوروبية والأمريكية، التي شجبت عبدالحميد الثاني ورسمته على أنه “القاتل العظيم”، و”السلطان الدموي”، و”الحاكم الظالم” وتعهدت الدول الكبرى باتخاذ إجراءات وفرض إصلاحات جديدة، لكن لم تؤتِ ثمارها أيضًا بسبب المصالح السياسية والاقتصادية المتضاربة.

فيما أدت تلك الحادثة، إلى محاولة أحد أفراد منظمة الطاشناق اغتيال عبدالحميد الثاني سنة 1905 ) بتفجير عربته عند خروجه من المسجد، بالإضافة إلى ثورة حركة تركيا الفتاة في ( 1908 )، والتي ) أطاحت بالسلطان نفسه، بجانب مجازر أخرى في قيليقية كمجزرة أضنة التي راح ضحيتها حوالي 30 ألف أرمني.

1) إبراهيم المويلحي، ماهنالك، من أسرار بلاط السلطان عبدالحميد الثاني، تحقيق: أحمد الطماوي،ط 3 (القاهرة: مكتبة جزيرة الورد، 2012 م). 

2) أديب السيد، أرمينية في التاريخ العربي (د.ب، د.د، 1972 م).

3) أرنولد ج.توينبي، المجازر الأرمنية أو أغتيال أمة، ترجمة جوزف كالوستيان (لبنان: مطابع زغيب، 1997 م).

4) بول أميل، تاريخ أرمينيا، ترجمة: شكري علاوي (بيروت، د.د، د.ت).

5) ك. ل. أستارجيان، تاريخ الأمة الأرمنية (الموصل: مطبعة الاتحاد الجديدة، 1951 م).

6) محمد رفعت الإمام، القضية الأرمنية في الصحافة العربية 1876 – 1923 م “التدويل والإصلاحات”(القاهرة: جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية العامة، 2015 م).

7) نعيم اليافي، مجازر الأرمن وموقف الراي العام العربي منها (اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2000 م).

8) جورج بورنونيان، موجز تاريخ الشعب الأرمني، ترجمة: سحر توفيق (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2012 م ).