في هزيمة مُذلَّة للعثمانيين

"وادي الصفراء"... انتصر السعوديون فيها على الجيش المُدرب، والمسلح بالتكتيك العسكري

تُعد معركة وادي الصفراء عام (1812م) من المعارك الأولى المهمة في تاريخ الدولة السعودية الأولى، وبالنسبة للحدود الجُغرافية للمعركة فإن وادي الصفراء يقع في الطريق ما بين ميناء ينبع على البحر الأحمر والمدينة المنورة، وترجع أهمية هذه المعركة إلى أنها كانت أول انتصار سعودي على أول حملة عثمانية بواليهم على مصر محمد علي باشا، إذ كانت أوامر السلطان العثماني بضرورة مواجهة السعوديين بعد استردادهم الحجاز، كما أن هذه المعركة مهمةً في نظر السعوديين؛ لأنها سجلت أول انتصار لهم على حملة عسكرية نظامية مدعومة بكل القوى العثمانية، يقودها ابن الوالي العثماني محمد علي نفسه: أحمد طوسون. آمن الوالي العثماني أن هذه المعركة تُعَدُّ أول اختبار حقيقي لجيشه في بيئةٍ جغرافيةٍ وعِرة، وأنها أيضًا كانت أول مواجهة حقيقية مع الجيش السعودي الذي ارتد صدى بطولاته في بلاط السلطان وولاته وتسامعت به دول العالم.

كانت أول اختبار حقيقي للقوات العثمانية أمام جيوش الدولة السعودية الأولى.

جهزَّ العثمانيون حملتهم من مصر في (1811) بقيادة أحمد طوسون لجيشٍ وصل عدده إلى 8000 جنديٍ، 6000 من المُشاة و2000 من الخيَّالة، إضافةً إلى العتاد العسكري الذي يُعدُّ متطورًا في زمن تقوده المدفعية القوية. وبحسب المصادر فإن المشاة نقلوا مع المعدات العسكرية بالسفن التي أبحرت من ميناء السويس إلى ينبع، بينما سلك الخيَّالة بقيادة طوسون الطريق البري الصحراوي عبر شبه جزيرة سيناء وشمال الجزيرة العربية.

ويرى أمين سعيد أنه تم اختيار ميناء ينبع هدفًا أوليًّا للحملة العثمانية؛ نظرًا لأنه أقرب موانئ الحجاز إلى المدينة المنورة، كما أن الاستيلاء على المدينة يفتح الباب سريعًا إلى نجد، لضرب عاصمة الدولة السعودية مباشرةً.

نزلت الحملة في ينبع من دون مقاومة تُذكر؛ نظرًا للانسحاب التكتيكي الذي قام به الحاكم السعودي فيها، وكانت الخطة مواجهة الحملة بعد تسهيل نزولها في ميناء ينبع وفتح الطريق أمامها للتقدم حتى منطقة بدر المعروفة قرب المدينة، بينما بدأ جيش الدولة السعودية بالاشتباك مع الجيش العثماني عن طريق مجموعات صغيرة لاستدراج الحملة بكل قواتها إلى منطقة وادي الصفراء الذي يقع جغرافيًّا في الطريق بين المدينة وينبع، حيث تعسكر القوات السعودية استعدادًا لمواجهة قوات طوسون بعد إنهاكها خلال مسيرها إلى المعسكر السعودي.

كانت قوات السعوديين تُقَدَّر بحوالي عشرة آلاف جندي بينما قوات طوسون تقدر بحوالي ثمانية آلاف، يفوق العثمانيون الجيش السعودي عتادًا وتدريبًا ونظامًا. وبعد أن تم استدراج جنود طوسون إلى الوادي الضيق، كانت القوات السعودية قد أعدت خطة عسكرية تتناسب مع جغرافية الوادي، فأمر الإمام عبدالله بن سعود جنوده بحفر خندق في الوادي، وقد كان قائدا لهذه المعركة في عهد والده الإمام سعود بن عبدالعزيز، وعسكر ومن معه في ذلك الخندق، بينما عسكر في الجبل المطل على الخندق عثمان المضايفي – أحد قادة الدولة السعودية في الحجاز – بالقوات السعودية التي كانت معه، واستدرجوا قوات طوسون وأحاطوا بهم في هذا الكمين، وعندما حاول طوسون وقواته الالتفاف والخروج من هذا الكمين والعودة إلى ميناء ينبع؛ اندفع وراءهم السعوديون وأحدثوا في صفوفهم خسائر جسيمة. تُقَدَّر بحوالي خمسة آلاف جندي، بينما لم تتعد الخسائر السعودية حوالي ستمائة جندي.

ارتدَّ صدى الانتصار السعودي على العثمانيين؛ فأزعج ذلك الوالي العثماني محمد عليّ بشدة، وحاول أن يبحث عن مسوغٍ منطقي وراء هزيمة جيش مُدرَّب ومُعد ومُسلح بآلة عسكرية متطورة جدًا في زمنها أمام جيش يملك عتادًا متواضعًا مقارنة بهم، وزاد من وقع الأمر على الوالي العثماني أن جيشه تكبَّد خسائر كبيرة في صفوفه، لذا بعث محمد علي لابنه طوسون مستفسرًا عن سر هزيمة العثمانيين المُذلَّة، فلم يجد سوى أن يَرُدَّ سبب الهزيمة إلى رعونة قادته، وأنهم ليسوا على قلب رجل واحد قائلاً: “إنهم كانوا سبب الانكسار لاختلافهم وتنافسهم”.

برَّر العثمانيون هزيمتهم باختلاف قادتهم وتناحرهم واختلافهم.

  1. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط4 (الرياض: وزارة المعارف، 1971).
  2. عبدالرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: عبدالرحيم عبدالرحمن (القاهرة: دار الكتب المصرية، 1997).
  3. أمين سعيد، تاريخ الدولة السعودية (بيروت: دار الكاتب العربي، د.ت).
  4. عبدالرحيم عبدالرحمن، الدولة السعودية الأولى، ط5 (القاهرة: دار الكتاب الجامعي، 1987).
  5. السيِّد فرج، حروب محمد علي (القاهرة: مطبعة التوكل، د.ت).
  6. عبد الفتاح حسن أبو علية، محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى، ط2 (الرياض: دار المريخ، 1991).