في مشهد مكرر للفشل التركي أمام السعوديين
العثمانيون أرسلوا وهيب باشا أشد قادتهم كرهًا للعرب ليعيد احتلال الأحساء
سعى العثمانيون إلى الوقوف في طريق توحيد الجزيرة العربية على يد المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز، إذ علموا يقينًا أن ذلك يعني انتفاء وجودهم ونهايته في الجزيرة العربية، لذا سعت إسطنبول إلى العمل في كل الأقاليم التي تحتلها بالفرقة والفتنة، ليس بين الأقاليم ضد بعضها البعض فحسب، بل حتى بين القبائل، ووصل الأمر إلى شق الصف بين أبناء الأسرة الواحدة، لكي ترسخ نفوذها، وهذا ما حدث طوال فترة احتلالهم البلاد العربية.
كانت الدولة العثمانية تعلم يقينًا أنها لا تملك أي شرعية مهما حاولت قلب الحقائق وتشويهها أمام السكان المحليين، فهي في نهاية الأمر ليست سوى محتل مغتصب للأراضي ومستعمر للسكان، والشرعية التي تدعيها ما هي إلا احتلال واغتصاب أراضٍ عربية، لذلك كان العثمانيون يكرسون مفهومًا مشوهًا لشرعيتهم بسفك دماء معصومة استباحوها من دون وجه حق، إلا أن يبثوا الرعب في قلب كل من يحاول الكشف عن حقيقتهم وإبراز زيفهم، ومارسوا ذلك بكل قهرٍ وجبروتٍ وطغيان، مارسوه ضد العرب في أوطانهم.
لم ينجح العثمانيون وواليهم في الحجاز في تحقيق أي نتيجة في الوقوف ضد توحيد الملك عبدالعزيز الحدود السعودية.
على الجانب الآخر، كان المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن مُتَشَبِّعًا بأنَفَةِ العربي الأصيل المتكئ على تاريخٍ أصيل، مستلهمًا قوته من أبطالٍ سبقوه من أئمة آل سعود، وشعبٍ عظيم آمن بأئمته وملوكه، وهو ما دفع الجميع إلى الاجتماع إليه والإيمان بمشروعه، وفي الوقت نفسه عمل على استرداد أراضي الجزيرة العربية التي اغتصبها العثمانيون، والتي كان سكانها يتوقون إلى دولتهم السعودية؛ لأنهم آمنوا بها، ويعون جيدًا أنها الأقدر على أمنهم وأمانهم الوطني.
كانت الأحساء الحديقة الشرقية للوطن السعودي العظيم، ونافذتها على الخليج العربية، وميناؤها الأقرب من وسط الوطن، لذلك حرص الملك عبدالعزيز والأئمة السعوديون من قبل في الدولتين الأولى والثانية على ضمان بقاء الأحساء في إطارها الوطني الطبيعي، ذلك ما جعل سكانها يتوقون إلى حريتهم في إطارهم الوطني السعودي، وجعل الأحساء تسارع إلى المؤسس الملك عبدالعزيز لتلتحف برداء الوطن، وتلفظ الاحتلال العثماني البغيض.
ضم الملك عبدالعزيز للأحساء آثار الضغائن والحسد في قلوب العثمانيين الذين حاولوا المستحيل لاستعادتها، ومنها حياكة المكائد ضده، وضرب أي تقارب بينه وبين قوى أخرى، وسارعت الدولة العثمانية بإرسال قيادات عثمانية جديدة إلى الجزيرة العربية، بعدما استشعرت خطر تحرر الأحساء منها، وكان الاختيار يقع دائمًا على الأقوى والأشرس والمؤمن بمشروع التتريك وتفوق العنصر التركي على العرب، كما كانت الأحداث تتسارع كثيرًا في البلاد العربية بدءًا من الشام حتى جنوب الجزيرة العربية مرورًا بنجد والأحساء والحجاز ومصر والعراق وجميع أوطان العرب كافة.
الملك عبدالعزيز من جانبه، عمل بواجبه نحو شعبه ومُلك آبائه وأجداده، فبعد أن دانت له نجد والقصيم والأحساء، شعرت الدولة العثمانية بالخطر الجسيم على بقية الأقاليم، فسارعت بإرسال مبعوث عثماني جديد لحكم الحجاز مرتبته أعلى من واليهم الشريف حسين بن علي، ولم يكن إلا وهيب باشا، الذي وصفه اللبناني محمد رشيد رضا قائلًا: “وقد جعلوا وهيب باشا واليًا للحجاز ليمهد السبيل إلى ذلك؛ لأنه من كبار الضباط الشديدي الشنآن ببغض واحتقار للعرب”.
في الوقت نفسه، كان الشريف حسين في الحجاز يعاني من تقلّب أموره مع العثمانيين في إسطنبول، وكان يرى أن سلطان السعوديين يعود إلى سابق عهده وقوته، وما أن علم والي مكة أن الملك عبدالعزيز يواجه الفتن وفي طور معالجتها، فإذا به يتقدم بقواته ويصل إلى القويعية، ذلك ما دعا المؤسس الملك عبدالعزيز إلى حسم الفتن الداخلية، ريثما يفرغ من التعامل مع حملة الشريف.
انشغل والي مكة مع قادة العثمانيين في الصراعات البينية لإيمانهم بفشلهم المسبق.
لم يصمد الشريف أمام المؤسس الملك عبدالعزيز بالحسابات السياسية والعسكرية، لتنتهي حملته من دون أدنى نتيجة إيجابية لصالح والي مكة العثماني، ذلك ما دعاه إلى استقبال المناوئين ومثيري الفتن في الداخل السعودي، ليحقق على الأقل ولو نتيجة لصالحة أو ورقةً في موقفه السياسي.
دخل وهيب باشا إلى المشهد سعيًا لتغيير المعادلة تمامًا، وتؤكد المصادر إلى أن وهيب كانت عيناه على الأحساء، ليسهل احتلال نجد كما كان يتأمل ويحلم، ووعد بتجهيز أربعة طوابير عثمانية للزحف نحو الأحساء، غير أن الصراع الحتمي بين الشريف حسين ووهيب باشا حال دون ذلك، وأربك الموقف بينهما فذلك زاد مظاهر الشك والريبة، ووضع الجواسيس بينهما، مما أخر مشروعهما ضد السعوديين الذين كانوا يثبون خطوات نحو استرداد حدود الوطن.
- أحمد آل فائع، العلاقة بين الملك عبد العزيز والملك حسين بن علي وضم الحجاز 1328-1344ه/ 1910-1925م (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 2012) .
- أمين الريحاني، تاريخ نجد وملحقاته، ط 5 (الرياض: منشورات الفاخرية، 1981).
- حافظ وهبه، جزيرة العرب في القرن العشرين (د.م: لجنة التأليف والترجمة، 1935).
- خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1985).
- عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية (الرياض: مكتبة العبيكان، 1995).