جعلوا العرب فيها درجة ثانية

ركب الفرس الطائفية في الإسلام بعد أن طوعوها لخدمة عمقهم العرقي

البحث في خلفيات الحقد العرقي الفارسي على العرب لا يمكن فهمها واستيعابها إذا ما رُبطت بسياقات زمنية معينة، دون ربطها بالظاهرة منذ تبلورها وتشكُّلها. غير أن “الحلقة المفقودة” في البحث تبقى مرتبطة بـ “أصل الحكاية” ونقطة الانطلاق التي راكمت الحقد العرقي الفارسي على باقي الأعراق بصفة عامة، والعرب بصفة خاصة.

ويمكن القول بأن رصد أولى ترسبات الإشكالية قد اختلطت بين الحقيقة والأسطورة، خصوصًا في فترة ما قبل الإسلام. ويبقى ربط أصول العداء الفارسي العربي بـ “أسطورة الضحَّاك” صعبًا نوع ما، رغم اجتهاد البعض في إيجاد الترابطات بين أولى المواجهات العربية الفارسية وما أفرزه ذلك التاريخ الطويل من “صدام القوميات” الذي لا يزال حتى يومنا هذا. 

وفي جهة أخرى، لم تكن دوافع المسلمين لفتح فارس عرقية أو توسعية، وإنما كانت نابعة من تكليف إلهي خالص من خلال دعوة الناس كافة إلى إفراد الخالق بالعبادة والتوحيد. وحتى بعد إخضاع فارس لسلطان المسلمين قطع الإسلام مع العصبيات القبلية والعرقية وفرض المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات، وهو ما جعل الفرس يندمجون في المجتمع الإسلامي بل ويقاتلون صفًا واحدًا إلى جانب العرب.

وإذا كان العديد من سكان فارس قد اقتنعوا بالإسلام، واجتهدوا لنصرته ونشر رسالته، فإن بعضًا منهم، خاصة من كانوا مقربين من دوائر الحكم والمستفيدين من حلاوة السلطة، حاولوا تشويه نبل رسالة الإسلام وقاموا بتكييفها على أنها مؤامرة عرقية تهدف إلى الانتقام من العرق الفارسي، وأيضا القضاء على الحضارة الزرادشتية، إذا جاز القول، والتوصيف بأنها كانت حضارة بالمفهوم الأنتروبولوجي والقيمي للمصطلح.

في هذا السياق، راكم الفرس عقيدةً مفادها أنهم ينتمون إلى العرق الآري (ARYAN) “الذي يجمعهم بالهنود والألمان…واسم إيران مشتق من كلمة “الآري”، لذلك يتعالى الفرس على من سواهم، وينظرون بشكل خاص إلى العرب وتاريخهم وحضارتهم العربية الإسلامية بدونية. ويعتبرون العرب بدوًا متوحِّشين متخلِّفين وسفاكي دماء”.

إن هذه البنية العرقية العنصرية شَكَّلت طبيعة الشخصية الرئيسة والوظيفية للفرس (بتعبير رالف لينتون)، والذين اعتبروا وحدة العرق مقدمة على وحدة الدين والوطن، وهو ما جعلهم لا يتورَّعون في ذبح الأحوازيين العرب أو الأكراد، بل ينظرون إلى من يوافقونهم مذهبيًّا من العرب اليوم على أنهم طائفة من الدرجة الثانية، ورغم أن مهد التشيع كان في العراق، إلا أن الفرس حرفوه إلى ما يخدم عقيدة عرقية لا علاقة لها بالدين ولا مكان للوطن العربي فيها.

ويرجع البعض كراهية الفرس للعرب إلى اعتقاد ” أن العرب قوضوا الحضارة الفارسية (الزرادشتية)، ونشروا الإسلام، ومن الفرس من يكرهون الإسلام، ويعتبرونه دينًا عربيًّا يدعو إلى الاضطهاد، ويربطون تخلفهم وتشويه لغتهم وتاريخهم الفارسيين بالعرب والإسلام؛ لذلك، دعا بعض الفرس إلى إزالة الكلمات العربية من لغتهم الفارسية، وينادي هؤلاء بالعودة إلى الثقافة الآرية (الفارسية ــ الهندية)”.

إن اختلاط الفرس بالعرب، بل قتالهم مع العرب جنبا إلى جنب، مع بعضهم البعض لم يُنسهم أصولهم العرقية، وحنينهم إلى الزرادشتية. ولذلك أُعجب الفرس أيما إعجاب بأبي مسلم الخراساني واعتقدوا أنه لم يمت وإنما “غاب” وسيعود مهديَّ آخرِ الزمان، ومنهم من قال بأنه نبي بعثه زرادشت.

كراهية الفرس للعرب لم تقف عند حد الحقد التاريخي والسلوك العرقي، بل تحولت إلى أيديولوجية يجري تلقينها في المدارس والأماكن الدينية الفارسية، وكُرِّست في الأدبيات والمؤلفات الفارسية. ولعل إطلالة مجردة على الأدب الفارسي شعراً ونثراً قبل الإسلام وبعده تكشف للمطلع بأنها تنضح “بكراهية العرب ويتشرب ذلك ناشئتهم، وأكبر ملحمة شعرية في الأدب الفارسي هي ملحمة (الشاهنامة) كتبها في القرن الرابع الهجري أبو قاسم الفردوسي في ستين ألف بيت، والفردوسي من قادة الحركة الشعوبية، والعجيب أنه مسلم، لكن عصبيته غلبت دينه حين امتدح كسرى بقتله الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه -وذم فيها العرب ذمًّا شديدًا”.

حين استوعب الفرس صعوبة مواجهة العرب خارج منظومة الإسلام؛ تفتقت أذهانهم على ضرورة اختراق المشترك العقدي من خلال الركوب على الشرخ الذي أحدثته حوادث الفتنة الكبرى، فركبوا الطائفية وقاموا بتطويعها لما يخدم عمقهم العرقي.

إجمالًا يمكن القول بأن الحقد الفارسي على العرب لم تطفئه محاولات الإسلام طمس “الورم العرقي” ولا محاولات العرب دمج المكون الفارسي، ليكون الاختراق باسم الطائفية، والتقوُّل في التراث الديني للتمكين للعرق الفارسي في ظل فشل شريحة عريضة من العرب في فهم طبيعة الفخ الذي نصبه الفرس الأوائل وأتباعهم من صفويي قم.

فشل كثيرٌ من العرب في فهم طبيعة الفخ الذي نصبه الفرس الأوائل وأتباعهم من صفويي قُم.

  1. حسين مجيب المصري، صلات بين العرب والفرس والترك (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001).
  2. خالد الدوري، المقاومة العربية للنفوذ الساساني في الحيرة من 226م إلى نهاية موقعة ذي قار، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة تكريت (2003).
  3. رئيف خوري، مع العرب في التاريخ والأسطورة (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2019).
  4. عبد الوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2012).
  5. غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2013).
  6. هوما كاتوزيان، الفرس: إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة، ترجمة: أحمد حسن المعيني (بيروت: دار جداول، 2014).