متأثرًا بالفكر الفارسي

إسلام الأناضول "الشعبي"

خليط من معتقدات قديمة

وجد الأتراك أنفسهم في مرحلة من مراحل التاريخ مُحاطين بالفتوحات الإسلامية، وعندما تحركت الجيوش الإسلامية إلى بلاد الترك لفتحها سنة 22 ه/ 643 م، لم يكن لزعيمهم (شهر براز) حينها إلا أن يطلب الصلح ويظهر استعداده للمشاركة في الجيش الإسلامي في حروبه قريبًا من مناطقهم فعُقد الصلح، ولم يقع بين الترك والمسلمين أي قتال، بل سار الجميع في الفتوحات ونشر الإسلام.
وحينما دخل الأتراك في الإسلام أصبح التصوف مظهرًا ملازمًا وموازيًا للتديّن لديهم؛ بالميل إلى تقديس أهل الإيمان حسبما يعتقدون، في الوقت الذي كانت فيه الصوفية في المجتمع العباسي منزوية في ركن العبادة والزهد بعيدةً عن الحراك الاجتماعي، بينما هي في عصر الدولة العثمانية، وفي الأناضول بالذات، صارت لهم مجتمعا ودينا يسيرون عليه، وأصبحت – بالنسبة للعامة – هي مدخلهم إلى الدين ومجال ممارستهم له.

اختـــراق العقائـــد القديمة وخرافاتها أنتج إسلامًا ُمنحرفًا في "الأناضول"

وحين أصبح التصوف لازمة دينية تعبدية – عند الأتراك – تتفلت أحيانًا من الضوابط الشرعية، فإن ذلك جعل التصوف مُختَرقًا ومُنحرِفًا نحو عقائد وخرافات لا تمت للإسلام بصلة؛ ذلك لأن بعض الأتراك الأوائل استجابوا لدعوة الإسلام دون الإلمام بأساسياته، ولم يتشكل لديهم -قبل اعتناقه– الفهم الصحيح للدين الجديد ومبادئه وأصوله، ونظرًا لحداثة عهدهم به كانت تعوزهم الصورة الصحيحة للشعائر التعبُديِّة، وينقصهم الوعي التام بحقيقة العقيدة الإسلامية النقيِّة الصحيحة التي تعتمد بشكلٍ أساس على أهم مصدرين من مصادر التشريع الرئيسة وهما: القرآن والسنة النبوية الصحيحة، فضلًا عن أن معظم الأتراك الأوائل غشيتهم ديانات متعددة ومتباينة عبر تاريخهم بمختلف مواقعهم الجغرافية التي قطنوها سواءً استقروا فيها أو نزحوا منها إلى أخرى كان لها تأثير واضح في صياغة عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والثقافية، وتشكيل أعرافهم ومعتقداتهم الدينية والروحية، وكان التبديل أو التحول من معتقد إلى آخر، أو من دين إلى دين أمرًا مألوفًا طوال حقب التاريخ التركي، ولذلك كان من البديهي أن يستصحبوا معهم إلى أي دين جديد يتحولون إليه بعض معتقدات وتوجيهات سابقه. وحين اعتنق الأتراك الإسلام- خاصةً المجموعات البشرية التي هاجرت إلى آسيا الصغرى- لم يكن تديُّنهم خاليًا من الشوائب والغرائب والتخليط؛ إذ بقيت لديهم بعض موروثات المعتقدات الوثنية وتقاليدها التي حملوها معهم، ونضحت في كثيرٍ من المظاهر.
أدِّى الجهل بحقيقة الإسلام عند كثير من الأتراك الأوائل، وبُعدهم عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، وغفلتهم أو تهاونهم في تجليتها، علاوة على جهلهم بلغة القرآن الكريم، ونأي موقعهم الجغرافي عن مراكز العلم الإسلامي الأصيلة، فضلاً عمِّا تعرضوا له من غزوات المغول؛ أدى إلى الوقوع تحت تأثير كثير من الطُّرُق الصوفية، وهي طرق مشوبة برواسب وثنية وبدع في كثير من طقوسها وممارساتها وهذا قد يحدث صدوعًا في سلامة عقيدتها، سيما وأنهم تعاملوا معها بإيمانٍ كامل لا يساوره الشك على أنها أصلاً دينيٍّا رئيسًا.

لم ينعتقوا من منطلقاتهم الاجتماعية ومؤثراتهـــا المرتبطـــة بمعتقدات الطبيعة

لذا أخذ التصوف عند الأتراك منذ بداياته اتجاهًا باطنيًا، فالإسلام حين دخل بين الأتراك-خاصةً أتراك آسيا الصغرى- تأثر بمجموع المعتقدات المستمدة من خلفياتهم القديمة، الاجتماعية منها والروحية، وهي في الغالب ذات منطلقات وثنية، مختلطة بغيرها من المعتقدات الآسيوية الأخرى، فالشواهد كافة تُشير إلى أن إسلامهم كان متأثرًا بمعتقدات قديمة موروثة في الثقافة التركية، كالشامانية والبُرهمية والمانوية؛ فهذه الرواسب والشوائب الثقافية والدينية المتوارثة بقيت محفورة في الثقافة الشعبية للأتراك بعد اعتناقهم الإسلام، وتركت آثارًا واضحة في التمظهرات الدينية الإسلامية لهم؛ وصبغت الإسلام التركي بصبغات ذات أبعاد مختلفة تتعلق بأعراقهم ومعتقداتهم القديمة، ولذا يجوز لنا القول: إن إسلام الأناضول اكتسب الصبغة الشعبية أكثر منه مُتأصِّلا ومُتَأَسِّسًا على حدود الشرع.

الشامانيِّة

إحدى المعتقدات المتأصلِّة في آسيا الوسطى وسيبيريا، ولا تُعدّ ديانة بقدر ما هي مجموعة من الطقوس والمعتقدات المرتبطة بمجموعة أديان مختلفة ومتباينة، وتتمحوَر الشامانية حول مفاهيم وأفكار تتعلق بطيران الأرواح، والنبوءات، ومعالجة الأمراض. كما أن الشامانية تؤكد على مبدأ اجتماعي مهم، يتمثل في الارتباط بالعشيرة أو المجموعات البشرية التي تربطها وحدة واحدة، وهذا المبدأ متوافق مع طبيعة التُّرك الاجتماعية الأولى، ومرتبط بتراثهم الثقافي.

المرجع: إيناس سعدي وأسامة عدنان، تاريخ روسيا الديني من الوثنية إلى المسيحية (د.م:اشوربانيبال للكتاب، 2019).

البُرهمية

غوستاف لوبون، حضارة الهند، ترجمة: عادل زعيتر (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2014 ). تتمثل البرهمية ومعتقداتها في تعاليم الطبقة العليا والكهنوتية لدى الديانة الهندوسية، والبرهمية أعلى طبقات المجتمع الهندي، لها طقوس وصلوات وأذكار خاصة بها. وقد كانت من المعتقدات التي أثرت في التُّرك كغيرها من الديانات والمعتقدات الأخرى.

المرجع: غوستاف لوبون، حضارة الهند، ترجمة: عادل زعيتر (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2014).

المانوية

خرجت من رحم المجوسية الفارسية، تنسب إلى ماني الفارسي الذي يقال بأنه ولد سنة 216 للميلاد، وقد ادعى النبوة، وأن الوحي قد جاءه في سنٍ مبكرة وهو في عمر 12 عامًا، وكانت أفكاره خليطا بين الزرادشتية والبوذية واليهودية والنصرانية، واجتهد بأن يظهر له كتابًا مقدسًا كالإنجيل. والمانويِّة من أوائل المعتقدات والأفكار التي تأثر بها التُّرك من الثقافة الفارسيِّة.

المرجع: فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، ترجمة: عبدالرزاق العلي ومحمود الهاشمي (دمشق: دار التكوين، 2016).

1) توفيق الطويل، التصوف في مصر إبان العصر العثماني (مصر: مطبعة الاعتماد، 1946 م). 

2) حنان المعبدي، التصوف وآثاره في تركيا إبان العصر العثماني – عرض ونقد (رسالة دكتوراة، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1429 ه).

3) محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك (دمشق: دار الفكر، 1979 م).