نفذها "حزب الدعوة" لصالح المخابرات الإيرانية

أول حادثة إرهابية بعد الثورة الخمينية: "المستنصرية" سنة (1980)

لا جدال أن العلاقة بين العرب والفرس علاقة حتمية، وهو الواقع الذي فرضته الجغرافيا، ومن ثم فإن التاريخ رصد كثيرًا من الأزمات والحروب والتنافس الفكري بين الأمتين، وهذه الحتمية وإن خَبَت في بعض المراحل لأسباب براغماتية أو انطفأت جذوة الصراع قليلاً؛ إلا أنها سرعان ما تشتعل مرة أخرى، ولعل التاريخ يشهد على هذا الصراع منذ حملة “سابور الثاني” على الجزيرة العربية، والعنف والدماء اللذان بقيا في الذاكرة العربية يُعَدَّان رصدًا وتوثيقًا لكل ما جرى في تلك الحقبة، وحتى اليوم نرى مظاهر الفاشية الفارسية ضد العرب وحجم الدمار والدماء اللتين لحقتا ببعض الدول العربية بسبب السياسة الإيرانية الفارسية في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن.

أسس الفرس لاستراتيجية طويلة المدى للتعامل مع العرب، وبنوا ذلك على إرث سياسي قديم لا يزال حيًّا في فكرهم. وهو ما تؤكده الأحداث التاريخية في الصراع الفارسي العربي منذ القدم، خصوصًا ما حدث في قصة احتلال الفرس لليمن في عهد سيف بن ذي يزن.

اليوم استعادت إيران مسارات الصراع التاريخية ووظفتها لصالح الحلم الفارسي في التمدد شرقًا، خاصة في العراق، وشكل التدخل في شؤون جيرانها العرب الهدف الأول، وهو ما كان يفعله الملوك الساسانيون في فارس القديمة، فقد كان ساحل الجزيرة العربية الشرقي ساحة معارك دائمة، وسكانه يعانون من التدخلات الفارسية، فضلا عن العراق، إلى أن وصلوا إلى اليمن بعدما تحالفوا مع سيف بن ذي يزن.

يتعامل الإيرانيون بـ “الحيلة الفارسية”، وهي الوصول إلى غاياتهم بأيدي غيرهم، والوقوف من خلف المشهد يحركون الدُّمَى التي يمتلكون التأثير عليها. وتتلخص سياستهم في الآتي:

أولا:   الاختراق وتحويل أبناء الشعوب المستهدفة إلى أدوات في أيديهم يوجهونها كيفما أرادوا، وهو ما فعلوه مع سيف بن ذي يزن قبل ما يقارب ألفي عام ونجحوا فيه لمرحلة من التاريخ، واليوم يفعلون الأمر نفسه مع الحوثي في اليمن وحسن نصر الله في لبنان وغيرها، إلا أنهم اليوم يستخدمون مؤثرًا مذهبيًّا بمنزلة الغطاء لتحقيق غاياتهم السياسية وتفتيت القوى العربية.

ثانيا:  خلق صراعات متتالية وبناء جيوب دائمة، تبدأ صغيرة وتتحول مع الزمن إلى قوى مؤثرة تبتلع الأمة والوطن محور التنافس، فاليمن مثلا بنوا فيه مدرسة دينية في مناطق الحوثي – صعدة تحديدًا- في أواسط الثمانينات الميلادية، ليتمكنوا من الاختراق، والأمر نفسه في لبنان وغزة يتكرر بنفس السيناريو والنتائج.

ثالثا:   التدخّل في شؤون الدول العربيّة والعمل على إضعافها وإسقاطها من الداخل، بفرض حالة من التوتر بين الدول العربية نفسها، والضغط على الدولة التي يرونها قوية كما حدث لهم مع العراق، فمع وصول الثورة الخمينية إلى السلطة، فرضوا شكلاً خشنًا في العلاقة مع العراق، فإيران ترى العراق جزءًا من إرثها الإمبراطوري الذي سلبه العرب الأوائل منها في معركة القادسية، وتسعى لاسترداده وتوظيف كل ما تتمكن منه من حروب بالوكالة، إلى العملاء والمقاولين، وخلق الجيوب الرخوة، بفرض حرب طائفية، وتبني الإرهاب وتمويله ، بهدف احتلال العراق، وخاضوا من أجل ذلك حروبًا دامية في الثمانينيات من القرن الماضي الميلادي.

وباستعادة حادثة المستنصريّة الشهيرة سنة (1980) عندما قام طالب إيراني ينتمي إلى حزب “الدعوة” برمي قنبلة وسط ساحة جامعة المستنصريّة بالعراق. يقول الدكتور فاضل بدران في منشور له تحت عنوان “حتى لا ننسى جريمة المستنصرية”، يقول موثقًا لها: “هي المّرة الأولى التي تتعرض فيها جامعة وفي وضح النهار إلى هجوم بالأسلحة.. خاصةً أن الطلبة كانوا يحتفلون بانعقاد مؤتمر طلابي حول مسألة اقتصادية.. والشهيدان كانا طالب وطالبة.. وبسبب مقتل المجرم الذي رمى القنبلتين لم يكن أحد يعلم الفاعل أو الفاعلين.. لكننا كنا نعتقد أنها إيران.. وذلك بسبب التوتر في العلاقات بين العراق وإيران خلال تلك الفترة”. في اليوم التالي – أي في 3/4/1980م – أُعلن عن العمل الإرهابي، وتم التأكد من أن من قام برمي القنابل على التجمع الطلابي في الجامعة المستنصرية هو طالب ينتمي إلى (حزب الدعوة) من أصل إيراني، اسمه سمير نور علي غالم، وقد اعترف حزب الدعوة بهذه العملية التي قادتها المخابرات الإيرانية، ونفذها عملاؤهم أعضاء حزب الدعوة.

الثمانينيات الميلادية من القرن العشرين شهدت استراتيجية إيران تركيزًا على محاولة كسر العراق واحتلاله.

يتحدث الكاتب فؤاد عاطف العبادي في كتابه “السياسة الخارجية الإيرانية وأثرها على أمن الخليج العربي فيقول: “تبنت إيران سياسة خارجية ثورية منذ العام 1979مـ، إذ كانت مُحَمَّلة برؤية مسبقة تجاه العالم، انعكست على سياساتها، وجَرَّتْ هذه السياسات عزلةً دولية ونظرة سلبية تجاهها”.

كل ذلك يؤكد أن إيران الحالية تسعى وراء ثأرها من العرب، ومما سبق فإن إيران تعمل على اجترارها لتاريخ طويل من العلاقة المتوترة السيئة مع كل من هو خارج الأمة الفارسية، خصوصًا العرب، بل توظف هذا الفهم في كل خلاف وصراع، وتطبق الفكر الثوري ومحاولة الاستيلاء على خيرات ومقدرات وبلدان وعقائد الآخرين بالقوة والخديعة.

  1. جمال واكيم، أوراسيا والغرب: الهيمنة على الشرق الأوسط (بيروت: دار أبعاد، 2016).

 

  1. حسين مجيب المصري، صلات بين العرب والفرس والترك (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001).

 

  1. فؤاد العبادي، السياسة الخارجية الإيرانية وأثرها على أمن الخليج العربي 1991-2012، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، عمَّان (2012).

 

  1. محمد بيومي مهران، دراسات في تاريخ العرب القديم، ط2 (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، د. ت).

 

  1. علي محافظة، إيران بين القومية الفارسية والثورة الإسلامية (عمَّان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2013).

 

  1. هوما كاتوزيان، الفرس: إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة، ترجمة: أحمد حسن المعيني (بيروت: دار جداول، 2014).