قُتل أكثر من 50 واليًا عثمانيًّا

منصب والي الغُزاة في ليبيا يقطف رؤوس قادة الأتراك

في توثيق لتاريخ الجريمة والاستبداد؛ يمكن تصنيف الاحتلال العثماني التركي للبلاد العربية بأنه الأسوأ والأكثر جُرمًا؛ إذ فقد العالم العربي عددًا من الضحايا الذين يفوق عددهم مئات الآلاف على مدار قرون عدة، علمًا بأن أربعة قرون من الاحتلال التركي لم يتغير فيها أسلوبهم في الاستيلاء على البلاد العربية، ما يؤكد أن لهم تاريخًا أسود تكررت فيه المآسي والعذابات والمجازر ضد العرب.

لم يكن الأمر في ليبيا مختلفًا في الاحتلال العثماني التركي عما كان عليه في البلاد العربية، فدخول الأتراك كان من خلال استغلال الظروف الداخلية والخارجية، وهنا نجد أحد أبرز الوجوه الحركيَّة الإخوانية في ليبيا محمد الصلابي يقول: “إن العثمانيين دخلوا ليبيا بطلب من أهلها، لتحرير بلدهم من الإسبان ثم فرسان مالطا، وبأن الإصلاحات العثمانية ساهمت في نهضة ليبيا لاحقا”.

وبعيدًا عن تدليس المحسوبين على الإخوان المسلمين وتلميعهم للتاريخ الدموي العثماني؛ فإن الشواهد والقرائن تقطع بأن ليبيا عاشت أحد أسوأ حِقَبِها التاريخية تحت الحكم التركي، ويعلق المؤرخ الليبي الطاهر أحمد الزاوي على هذا الواقع بالقول: “ابتدأ العهد التركي في شعبان سنة 958ه الموافق أغسطس سنة 1551م. ويتسم هذا العهد بالفوضى والظلم وسلب الأموال، وعدم التقيد بأي شريعة إلا ما تمليه إرادة الوالي من كل ما يوفر له شهواته ونزعات نفسه”.

تثبت الشواهد التاريخية أن ليبيا عاشت أسوأ فتراتها التاريخية تحت حكم الولاة العثمانيين الذين اهتموا بشهواتهم فقط.

وكما هو الحال في الجزائر وتونس، توقف قطار الحضارة مع دخول الأتراك إلى هذا البلد؛ إذ تفننوا في إفقار أهل البلاد والتنكيل بهم ونسف أي مظهر من مظاهر الحضارة والعمران، وهنا نجد المؤرخ الطاهر الزاوي، يصف حال ليبيا بعد دخول الأتراك فيقول: “وكل من أعجزه الفقر عن دفع الضريبة فليس أمامه إلا أن يحمل إلى السجن في شبكة على ظهر جمل، أو يُكتّف ويُربط في ذيل حصان ويجر إلى السجن، أما العناية بالعمران وتعليم الشعب فلم يهتم له العهد التركي لا قليلاً ولا كثيرًا”.

وبدا الاستعلاء العرقي التركي فور دخول الأتراك إلى طرابلس الغرب سنة (1551)، فاستباحوا الدم العربي، وهو ما يقطع بكراهية الأتراك لكل ما هو عربي، وهنا نجد الباحثة رابحة محمد خضير تصف هذا التعامل العنصري بالقول: “وفي 16 أغسطس أقام سنان باشا احتفالاً كبيرًا لانتصار العثمانيين في هذه الحملة التي تمكنوا فيها من “فتح” طرابلس الغرب، وبعد يومين من ذلك أُجليَ من تبقى من حامية فرسان القديس يوحنا إلى مالطا على سفن فرنسية، كما أرسل الإيطاليين وبعضًا من أهالي المدينة إلى إستانبول، وقتل كل العرب الذين كانوا يقاتلون إلى جانب العدو باعتبارهم خونة”.

إن دراسة الحالة الليبية تقطع بأن هذا البلد المغاربي، كان وعاء مجردًا لجمع الضرائب وإرسالها إلى إسطنبول، ولم يتعاملوا مع ليبيا بأحقيتها في التنمية والعلم والعمران، هذا الوضع الكارثي يصفه الزاوي بالقول: “ولما جاء الاحتلال الإيطالي لم يكن في البلد نور كهرباء، ولا شبر من سكة الحديد، ولا واحد يحمل شهادة دكتوراه في الطب، ولا شهادة ليسانس في الحقوق، وكان المسافر يأتي إلى المدينة فيمشي في الصحراء حتى يصل سور المدينة”.

تفنن العثمانيون في إفقار الليبين فعاش الأهالي حياة قاسية بين دفع الضرائب الباهظة أو الذهاب إلى السجون.

لقد شكّل حكم الأتراك لليبيا عصر الانحطاط الحضاري بامتياز، وتناوب على حكم طرابلس خلال فترة الحكم العثماني 72 واليًا تركيًّا، قضى منهم بالقتل أو الانتحار أكثر من خمسين واليًا، وذلك لأن الجيش كان هو الحاكم الفعلي في ليبيا، وهو الذي يُعيّن الولاة دون أن تتوفر فيهم أبسط مقومات الولاية، حيث كان يؤتى بصاحب المقهى من مقهاه، وبالخياط من حانوته وينادى به واليًا على طرابلس. وهذا قليل من كثير مما عانته طرابلس في العهد التركي، حتى جاء الاحتلال الإيطالي وهي لا تملك من مقومات الحياة شيئًا”.

التاريخ هنا يعطينا رسالة مهمة لمن يحاول إدخال الاستعمار التركي من النافذة بعدما باع ليبيا للإيطاليين وخرج من الباب الواسع.

  1. الطاهر أحمد الزاوي، ولاة طرابلس: من بداية الفتح العربي إلى نهاية العهد التركي (بيروت: الفتح للطباعة والنشر، 1970).

 

  1. رابحة خضير، “دخول طرابلس الغرب تحت الحكم العثماني (1555م)”، كلية الآداب بجامعة الموصل، المؤتمر العلمي السنوي لكلية التربية الأساسية 23-24 أيار 2007.

 

  1. مجيد خدوري، ليبيا الحديثة (بيروت: دار الثقافة، 1966).

 

  1. محمود عامر ومحمد فارس، تاريخ المغرب العربي الحديث (المغرب الأقصى، ليبية) (دمشق: جامعة دمشق، 1999).