العثمانيون:

هتكوا ستر المسلمين

واستباحوا دمائهم واستبعدوا أحرارهم

سيظل استعباد البشر صفحة سوداء في تاريخ البشرية؛ ذلك لما فيها من استعباد الإنسان للإنسان، والتباهي بامتلاك الرِقاب. ففرض القدماء حق التسلط والتحكم بغيرهم من البشر، بينما تقضي الطبيعة والفطرة بأن كل من يولد على هذه الأرض؛ يأتي حُرًّا طليقًا من دون قيود العبوديَّة. 

استرقاق الناس واستعبادهم من أكبر الجرائم اللا أخلاقية واللا إنسانية على وجه الأرض، وما يحزّ في النفس، ويذهب عنها السكينة أن تُستفزّ بأحاديث وقصص العبودية. إنه الشعور بالاكتئاب والغثيان..

مارس العثمانيون خلال تاريخهم مكرهم وكبرهم ضد الإنسانية، بدعم مؤسسة العبودية، في الوقت الذي بدأت فيه أدبيات العالم أجمع تُجَرِّم العبودية والاستعباد، وأن يُباع الإنسان ويُشترى!!

ليس هناك أغلى من الحرية، إنها الحلم الأسمى في عالم الإنسان وذاته، وليس هناك أمرّ وأقسى من العبودية والظلم، فالعبودية تجر وراءها كل صور الظلم والتعسف والقهر. 

استعمر العثمانيون البلاد العربية بالحديد والنار طيلة خمسة قرون من الزمان وأكثر، استعمروهم بوهم الخلافة المزعومة؛ التي اعتقدوا أنها تجعل من البلدان العربية ميراثًا لهم، كما قال سلاطينهم: “إن استردادنا لمملكة اليمن وإن كان مما يتعين علينا، لأنها ميراث أبينا المرحوم المقدس، لكن جل قصدنا من ذلك إنما هو حفظ ثغر عدن…”، كانوا يرون البلاد العربية بأنها ضمن أملاكهم، ليس الأرض بشجرها وحجرها وخيراتها فحسب، بل يرون أيضًا أن الإنسان كذلك، فجعلوه ضمن ما يملكون، فانتزعوا منه أغلى ما يملك، حريته، فاستعبدوه وشرّدوه وهجروه.

السلطان العثماني: إن استردادنا لمملكة اليمن وإن كان مما يتعين علينا، لأنها ميراث أبينا المرحوم المقدس.

أبشع صور العبودية وأقبحها استعمار البلدان واستغلالها لصالح المستعمر، وإهانة واحتقار مواطنيها، خاصة عنما يتدثر المستعمر بجلباب الإسلام، وهو يهتك ستر المسلمين فيستبيح دماءهم ويستعبد أحرارهم. في الوقت الذي جاء فيه الإسلام ليغرس قيم الشرف والعزة والأنفة في نفوس المسلمين، وليعتق رقابهم من رقِّ العبودية والإذلال، ويحيى روح العدل والمساواة؛ فلا عبودية ولا استعمار ولا استنزاف لخيرات البلاد، ولا استقطاع لأرضها، ولا استعباد لفرد فضلًا عن شعب بأكمله، فالجميع متساوون، فلا سلطان لذي سلطان بينهم إلا بالحق والعدل.
لم يأتِ الاحتلال العثماني للشعوب بأي خير لها، بل كان وبالًا عظيمًا يحل بها، وهكذا مضت الشعوب في ذلٍّ واستعباد، يؤكد ذلك الرئيس اللبناني ميشال عون، بقوله: “إن الدولة العثمانية مارست إرهاب دولة تجاه اللبنانيين”، وأن “كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية”، مضيفًا: “إن إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خصوصًا خلال الحرب العالمية الأولى، أودى بمئات الآلاف من الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة”. فلم يأت كلام الرئيس اللبناني من فراغ؛ فالشواهد في كتب المؤرخين الذين عاصروا الأحداث تطفح بمساوئ حكم الأتراك، ولا شك في ذلك، فقد عانت الشعوب العربية وغير العربية من ظلمهم وبطشهم.

كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية.

هكذا ظل المواطن العربي يرزح تحت الظلم والعبودية، فكانت ثوراته على العبودية تُجابه بالقمع والتنكيل العثماني، ويوغل الأتراك في بطشهم وعنجهيتهم، فتتسع دائرة المظالم، وتطغى وتتنوع أصناف وأشكال الاستعباد والطغيان.

1. محمد النهرواني، البرق اليماني في الفتح العثماني (الرياض: دار اليمامة، 1967م). 

2. إبراهيم شعبان، الدولة العثمانية .. 6 قرون إرهاب وإخصاء وحريم، (مقال بصحيفة صدى البلد، السبت 7 سبتمبر 2019).