جرائم الباطنية الفارسية في التاريخ الإسلامي

القرامطة من سرقة الحجر الأسود إلى سفك دماء المسلمين الأبرياء

لم يكد الفرس يخترقون الدولة العباسية خلال حكم الخليفة المأمون خلال الفترة (814-833م) حتى قفزوا إلى الثورة على العباسيين وعلى الدين الاسلامي، بعد أن تغلغلوا حتى كادوا يُنْهُون الدولة من داخلها، بهدف خصومة العرب والمسلمين، بعد أن اعتبروا العرب خصمًا لهم؛ إذ قضى العرب على إمبراطوريتهم الساسانية في معركة القادسية، فعملوا على تغلغل الأفكار وحاولوا حرف البوصلة، وساهموا في تغوُّل الفرق الباطنية. وكانت أكثر الفرق الباطنية ذات المنشأ الفارسي شراسةً وعنفًا وانحرافًا فرقة القرامطة، التي أغارت على أقدس أقداس المسلمين – مكة المكرمة- ونهبتها واستولت على الحجر الأسود، وغَرَّبَتْهُ لديها عقدين كاملين من الزمن، ونهبت مكانته وعرضته للإتلاف، ونشرت الاختلاف واستحلت الدماء المعصومة في البلد الحرام في الشهر الحرام.

شريعة القرامطة الفارسية:

عند البحث عميقًا في شرائع القرامطة وأفكارهم التي يعتنقونها نهتدي فورًا إلى أنهم تأثروا بالفرس وعباداتهم وخرافاتهم في كل شيء، فتعاليمهم في العبادات فارسية، وأعيادهم كذلك، إذ يقدسون يوم النيروز الفارسي، إضافةً إلى أنهم يطبقون الإرهاب الفارسي، ويُكَفِّرُون من لا يؤمن بشريعتهم، ويستبيحون قتل النساء والأطفال ممن يخالفهم.

أول ثورات القرامطة في البحرين والكوفة:

كانت البحرين منصة دائمة للأحلام الفارسية، وكما كانت في السابق لاتزال في عصرنا الحاضر حلم الفرس لاختراق الجزيرة العربية. بدأت أولى ثورات القرامطة الدموية في البحرين عام (899م)، ثم تلاها ثورة في الكوفة (902م)، وخلال ثوراتهم قتلوا واستباحوا، وتوسعوا وجمعوا حولهم بعض من اغتر بشريعتهم المنحرفة. وكانت الدولة العباسية في مرحلة ضعف واستهانة، فلم تتصد لهم، واكتفت بتسوير البصرة وحمايتها، فقد كانت ثورات متعددة في أكثر من مكان إذ لحقهتا ثورة في الشام، لقد كان هدفهم تحطيم الخلافة وتفريقها.

والقرامطة فرقة باطنية متطرفة، كانوا يُظْهِرُون الرفض (التَشَيُّع)، ويبطنون الكفر المحض، قال عنهم “أبو الفرج ابن الجوزى” بأنهم فرقة من الزنادقة الملاحدة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادِشت ومَزْدَك. أما تسميتهم بالقرامطة، فهي نسبة إلى حمدان قِرْمِط بن الأشعث البقار، وهو رجل نشيط من دعاة الباطنية – كان في مشْيِه قَرْمَطَةٌ، أي تقارب خُطًى- وكان يعمل فرَّانًا في الكوفة، وكان يدعو إلى إمام من أهل البيت.

أول ظهور فعلي للقرامطة على مسرح الأحداث كان في سنة (899 م) على يد أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي الذي خرج إلى البحرين، فأقام بها تاجرًا يبيع الطعام، وانضم إلى دعاة الباطنية بالقطيف وظهر بينهم، حتى تغلب على أمرهم، فاستجابوا له، والتفوا حوله، فصار أميرهم، وانتشر ذكره في البحرين، وكثر أتباعه، وقويت شوكته، ومن ثم أخذ يعيث في الأرض فسادًا، فقاد أتباعه للإغارة على هَجر في الأحساء سنة (900م) فتغلبوا عليها جميعًا، وقتلوا ما لا يُحْصَى من أهلها، وسَبَوْا، وأفسدوا، فجهز الخليفة إليهم جيشا كثيفًا، فتمكن القرامطة من أسرهم جميعًا، ثم قتلهم أبو سعيد، وأبقى على حياة قائدهم- العباس ابن عمرو الغَنوي.

القرامطة فرقة من الزنادقة الملاحدة من الفرس الذين يعتقدون نُبُوَّة زرادِشت ومَزْدَك.

البحرين والأحساء في يدي القرامطة!!

استولى القرامطة على البحرين والأحساء، واتخذوا من هجر قاعدة لهجماتهم على الدولة العباسية وقوافل الحجاج، وارتكبوا خلالها فظائع وشناعات روَّعَت المسلمين ترويعًا شديدًا، ومنعت الكثيرين من أداء مناسك الحج في بعض الأعوام خوفًا من التعرض إلى هجمات القرامطة المفاجئة.

وعلى الرغم من القوة البادية للقرامطة، التي مكنتهم من هزيمة قوات الدولة العباسية في كثير من المواجهات التي وقعت بين الطرفين، وأتاحت لهم الاستيلاء على بعض البلاد العراقية والحجازية والشامية والمصرية، على الرغم من ذلك فإنه لم يكن للقرامطة دولة بالمعنى الدقيق، إنما كانوا قوة عسكرية غاشمة، تعتمد في استمرار وجودها على تلك الغارات المباغتة التي تشنها على البلاد المجاورة، أو مهاجمة القوافل- وبخاصة قوافل الحجاج- وتحصل من هذه وتلك على الغنائم والأسلاب، فترجع بها إلى قواعدها في البحرين والأحساء، ومن ثم تساعدها على البقاء إلى حين.

القرامطة في الشام:

خلال الفترة (902-903م) ظهر القرامطة في بلاد الشام تحت قيادة زكرَوَيه بن مِهْرَوَيْه واجتاحوا من تصدى لهم من قوات العباسيين والطولونيين، وعاثوا فيها فساداً، وقتلوا من أهلها مالا يُحصى، ونهبوا الأموال، وأحرقوا الديار والأثاث، ثم دارت الدائرة عليهم بعد ذلك حين انطلقت الجيوش العباسية من العراق لقتالهم بقيادة محمد بن سليمان الكاتب والحسين بن حمدان، فانهزم القرامطة، وقُتل منهم خَلْقٌ كثير، وأُسِرَ عدد كبير، وفر هارباً من بقى منهم- وهم قليل- إلى قواعدهم في شرق الجزيرة العربية.

ظل أبو سعيد الجنابى على رأس القرامطة نحو خمسة عشر عاماً، حتى قتله خادمه سنة (913م)، فتولى أمرهم ولده: أبو طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي، وامتدت ولايته عليهم إلى سنة (944م). ويُعَدُّ أبو طاهر أقوى رؤساء القرامطة، وأطولهم عهداً، وأشدهم خطرًا على الدولة العباسية، وعلى المسلمين في المنطقة عامة، وحجاج بيت الله الحرام على وجه الخصوص.

سبي البصرة واستباحة الدماء:

لقد فعل القرامطة الأفاعيل في الدولة العباسية، فما كانوا يدخلون مكانًا إلا دمروه واستباحوه، وكانت خطتهم الإغارة المفاجئة والاستيلاء على المدن والقرى وإثارة الرعب والفزع فيها، وهو منهج الإرهابيين نفسه اليوم، كما تفعل داعش في زماننا، فكل فكر إرهابي يشرب من “الفكر الفارسي”.

وفي عام (923م) انقض القرامطة على مدينة البصرة فنهبوها، وسَبَوْا أهلها، وطلب أبو طاهر الجنابي من الخليفة ضمها إلى ولايته هي والأحواز، فرفض ذلك الطلب، فأغار القرامطة في العام التالي على الكوفة، واستباحوها ستة أيام، وحملوا ما استطاعوا من أموالها ومتاعها، وعادوا إلى بلادهم، فضج الناس فزعاً منهم، فسير إليهم الخليفة المقتدر جيشا كبيراً، فهزمه أبو طاهر وأتباعه وشتتوه، واستولوا على الرحبة والرقة في شمال الشام.

وسنة (927م) كانت جولة أخرى من القتال بين القرامطة وجيوش الدولة العباسية انتصر فيها أبو طاهر ورجاله – وكانوا نحو ألفي وسبعمائة مقاتل- على القائد العباسي يوسف بن أبى الساج وعشرات الألوف من الجنود، في معارك قرب الكوفة والأنبار، حتى اقتربوا من العاصمة بغداد، وقتل القرامطة يومئذ كثيرًا من الجند وأسروا الألوف، حتى تعجب الخليفة المقتدر، حين بلغته أخبار هزيمة جيوشه فقال: “لعن الله نيفًا وثمانين ألفًا يعجزون عن ألفين وسبعمائة”.

القرامطة والحجر الأسود:

لا يمكن أن ينسى المسلمون الجرائم المنكرة للقرامطة في مكة المكرمة،  فحتى هذه الأراضي المقدسة لم تسلم من فساد عقولهم وانحراف تفكيرهم، لكن كل ذلك يُفْهَمُ إذا عرفنا أنهم ينطلقون من حقدهم على الإسلام والمسلمين، والمكان الذي ولد فيه النبي العربي والرسالة التي انطلقت من مكة المكرمة.

جاء عدوانهم على بيت الله الحرام وحجاجه في عام (929م) حين اقتحموا  مكة المكرمة في سبعمائة رجل، وأعملوا القتل في أهلها وفي الحجيج يوم السابع من ذي الحجة استعدادًا للوقوف بعرفات وأداء المناسك، فقتلوا يومئذٍ نحو ثلاثين ألفًا منهم، واقتحموا المسجد الحرام، واقتلعوا الحجر الأسود وباب الكعبة، وأستارها، واحتفظوا بها أكثر من عشرين سنة في مركز حكمهم بالقطيف، وردموا بئر زمزم بجثث القتلى الذين سفكوا دماءهم في المسجد، أما زعيمهم أبو طاهر فقد وقف على عتبة باب الكعبة، وصاح منتشياً: “أنا بالله، وبالله أنا، يخلق الخلق وأفنيهم أنا”.

ولما رجع القرمطي إلى بلاده، تبعه أمير مكة هو وأهل بيته وجنده وسأله وتشَفَّع إليه في أن يرد الحجر ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال، فلم يفعل فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي، وقتل أكثر أهله وجنده، واستمر ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وأموال الحجيج. قال ابن كثير: “وقد ألحد (أفسد) هذا اللّعين في المسجد الحرام إلحادًا لم يسبقه إليه أحدٌ ولا يلحقه فيه“.

ولم يتمكن أحد من أداء المناسك في ذلك العام، ثم عاد القرامطة بعد ارتكابهم تلك المجزرة البشعة، وظل الحجر الأسود في حوزتهم، حتى ردوه إلى الكعبة عام (951م)، وقالوا في ذلك: “أخذناه بأمر وأعدناه بأمر”، وهو كلام لا معنى له.

  1. إسماعيل ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله التركي، (دار هجر للطباعة، 1418ه-1977)
  2. أبو حامد الغزالي، فضائح الباطنية، تحقيق: عبدالرحمن بدوي (الكويت: دار الكتب، 1964).
  3. عبدالقاهر البغدادي، الفَرق بين الفِرق (القاهرة: مكتبة ابن سينا، 1988).
  4. غالب عواجي، فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، ط4 (جدة: المكتبة العصرية، 2001).
  5. محمد الخطيب، الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، ط2 (الرياض: دار عالم الكتب، 1986).
  6. محمد عبدالله عنان، تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة في المشرق (القاهرة: مؤسسة المختار، 1991).