السلاطين نتاجها

العثمانيون تاجروا بالبشر ودعموا "العبودية"

عملت الدولة العثمانية على إحياء تجارة الرقيق والجواري وإعادتها إلى الواجهة من جديد، بعد أن حارب الإسلام بإنسانيته هذه التجارة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، يُفسر ذلك شغف العثمانيين بالرقيق والجواري، لذا عملوا على إنعاش سوق النخاسة، وَغَدَا للعبودية طفرة واضحة في فترة استعمارهم للمجتمع العربي والإسلامي.
يُعَدُّ السلاطين العثمانيون الأشد حرصًا على الإكثار من طبقة الموالي والجواري، باعتبار أنهم كانوا يمثلون أهل الخدمة في قصورهم، ويكلفون بمهامهم، لذا شجع العثمانيون قراصنة الرقيق في جميع البلدان على أعمالهم المنافية للإنسانية، باستقبال كل ما يردهم منهم من رقيق، لذا تسابق هؤلاء القراصنة على النشاط في الهجوم على السواحل وسرقة الفتيات والفتيان للفوز بالمال العثماني الذي ينتظرهم في إسطنبول والمناطق التي يتركز فيها سوق النخاسة تحت رعاية الولاة العثمانيين.

اعتادوا الضرب والتهكم والسخط ضد الرقيق.

وقد تأثرت التركيبة والتراتبية في قصور العثمانيين، حيث أصبحت نتاجًا كاملاً من الرقيق والمهجنين، باعتبار أن السلاطين في الغالب أبناء جواري، ويتزوجون من الجواري، وبالتالي أصبح الأمر بالنسبة لهم بمفهوم مختلف، باعتبار العبودية باتت أصلاً من أصول الترتيب الاجتماعي لديهم. لذا من النادر جدًا أن يتزوج السلاطين زواجًا طبيعيًا لبناء أسرة ملكية، إنما الأصل في ذلك ينطلق من أن أبناءهم نتاج التسري بالجواري، ومِن ثمَّ فإن سلاطينهم في أساسهم يعتبرون في الترتيب الطبقي عبيدًا.
لم يكن الرقيق والجواري فئات أو عناصر في عصر الدولة العثمانية، وإنما كانوا في بعض المدن يشكلون طبقة اجتماعية ونسيجًا له قوانينه ومراتبه وتفاصيله العميقة، ففي مدينة القدس بلغت جنسيات الذين وفدوا إليها إبان الاستعمار العثماني ٣٥ جنسية من جميع البلدان من إفريقيا وآسيا وأوروبا وآسيا الوسطى، وغدت بعض الأماكن تُسمى بهم نسبة لكثرة بيع الجواري فيها، مثل: محلة العبيد، ووعر العبيد وغيرهما من الأماكن التي كان يباع ويشترى فيها الرقيق والجواري.

أنعشوا "النِخاسة" لمردودها الاقتصادي على خزينتهم.

كشفت معطيات التعاطي مع الرقيق في العصر العثماني مدى نَهَم السلاطين وشَغَفِهِم بالعبودية وانتهاك حقوق الإنسان، ويؤكد ذلك كمية الحقد والظلم في نفوس العثمانيين تجاه الإنسانية، وتعطي انطباعًا سلبيًّا عن عدم قيامهم بمحاربة المتاجرة بالبشر والعمل المؤسسي الجاد على تجفيف منابع الرق الذي يُعدّ وصمة عار في جبين الإنسانية. 

لم يكبح العثمانيون جماح الرق والمتاجرة بالبشر، أو سن قوانين للتخفيف من هذه الظاهرة غير الإنسانية، خاصة أنها كانت مُغرية للعائدات الضريبية التي يأخذها العثمانيون من أسواق النخاسة عند بيع الرقيق والجواري من مردود اقتصادي لدولتهم، ذلك الأمر الذي يوحي بفلسفة العبودية التي تنتهجها الدولة العثمانية، وكأن التلذذ باستعباد الإنسان أصبح هواية ترعاها بشكل رسمي.

ضُرب بحقوق الإنسان عرض الحائط، وباتت الكرامة الإنسانية على المحك، بيعت الجواري بطريقة مهينة، وربما تباع الجارية بما فيها من عيوب ومرض، كالحمل والجذام والبرص، وغيره من العيوب والأمراض، دون معالجتها كإنسانة.

تنعدم الإنسانية حين يباع الرقيق والجواري في أسواق النخاسة، فاستُغلت هذه الشريحة بصورة بشعة في مهنٍ قاسية، وفي أغراض مهينة، فكان الرقيق والجواري يتعرضون لأبشع المعاملات اللاأخلاقية، والاعتداءات الجسدية والجنسية، دون رحمة أو خوف من أي عقاب، ربما يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى القتل، خاصة أنه ليس هناك أي حماية لهم من قِبل العثمانيين تردع المعتدين والمستغلين لهم.

كما أن العثمانيين كلَّفوا الجواري بامتهان مهن شاقة ومتعبة، بلا رحمة ولا هوادة؛ فكانوا يجعلونهم في مهن الاحتطاب ونقله على الدواب، والزراعة والحرث، والخدمة المنزلية، ومن تقصر في أداء عملها تتعرض للسخط والتهكم والضرب وربما يعرضها للبيع في سوق النخاسة عقابًا وتنكيلًا.

1. غالب عربيات، “الرقيق والجواري في القدس العثمانية”، (مجلة المنارة، المجلد (23)، العدد(4)، 2017م). 

2. عبدالسلام الترمانيني، الرق ماضيه وحاضره، ط3 (دمشق: دار طلاس، 1997).

3. لورنس نادر، وضع الرقيق في الولايات العربية أثناء العهد العثماني 1188-1273هـ/1774-1856م، (رسالة دكتوراة، جامعة دمشق، 2012).