لجأ الغُزاة فيها لقطع أشجار النخيل

"الرَّس"... البلدة السعودية التي فجَّرت الأتراك ببارودهم

لاقت قوات الوالي العثماني محمد علي معاناة كبيرة في بداية حملاتها العسكرية المتتالية على الدولة السعودية الأولى، يعود ذلك إلى وعورة البيئة الجغرافية التي تتحرك فيها القوات، فضلاً على أن الحرب كانت مع الدولة السعودية الأولى التي آمن شعبها بها، فقاوم الاحتلال بشراسة، ناهيك عن أن أهالي الأرض أعلم بطبيعة المسرح الجغرافي الذي تدور عليه المعارك، كما أن الجيوش العثمانية الغازية من مصر كانت تعاني -إضافةً إلى قوة الدولة التي يحاربونها ومجتمعها- صعوبة وصول الإمدادات العسكرية والمؤن والعتاد. لذلك كان الأمر صعبًا للغاية على أحمد طوسون بن محمد علي الذي قاد طلائع الغُزاة العثمانيين على الدولة السعودية الأولى.

وبناءً على هذا أدرك الوالي العثماني محمد علي أن الحرب لن تكون سهلة، وأن ابنه أحمد طوسون لم يكن القائد الأمثل لقيادة هذه الحملة، من هنا دفع بابنه (المُتبنى) إبراهيم باشا ومعه الكثير من المدد إلى قيادة حملة الحجاز.

ولم تتغير خطة إبراهيم باشا كثيرًا؛ إذ كان الهدف دائمًا هو التجمع في المدينة والتحرك منها عبر القصيم إلى نجد، وهو الطريق الأسرع للوصول إلى العاصمة السعودية الدرعية. وبالفعل تحركت قوات إبراهيم باشا إلى القصيم، واستطاع إسقاط بعض البلدان في طريق زحفه عبر القصيم، إلى أن اصطدم بمقاومة بلدة الرس التي رفضت الاعتراف بسلطة إبراهيم باشا، واستمرت في مقاومته بشراسة.

ومما تورده المصادر التاريخية أن إبراهيم باشا اضطر إلى محاصرة الرس وقطع النخيل حولها ليجبر أهلها على الاستسلام، لكن أهل الرس استمروا في القتال، لذلك اضطر إبراهيم باشا إلى حصار الرس لعدة أشهر. وتشير المصادر إلى قصة شهيرة ترتبط بحصار الرس ومحاولة إبراهيم باشا حفر نفق أسفل السور وزرع البارود فيه، حتى يتمكن من هدم السور والدخول إلى الرس، حيث اكتشف أهل الرس هذا الأمر، فلجأوا إلى خطة مضادة بحفر نفق موازي للنفق السابق ثم إطلاق قط وإشعال النار  في ذيله من أجل تفجير البارود الموجود في النفق الآخر، وبالتالي سقوط جنود إبراهيم باشا قتلى من جراء ذلك.

استمر إبراهيم باشا في حصار الرس أشهرًا عدَّة، لم يستطع خلالها فت عضد المقاومة الشرسة، ولم يحصل على أي نتيجة إيجابية، فلم يكن أمامه سوى المفاوضات لإنهاء هذا الوضع المعقد الذي وقع فيه أمام أسوار الرس، إذ تشير المصادر إلى أنه جرى الاتفاق على رفع الحصار عن الرس، كما نُصَّ على عدم دخول قوات إبراهيم باشا إلى المدينة حفاظًا عليها من السلب والنهب.

أربعة أشهر من الحصار أفقده فيها أهالي الرس أفضل محاربيه بشهادة النمساوي ألويس موزيل.

حاول إبراهيم باشا أن يُحيِّد الرس في غزوه الدولة السعودية، خاصةً وهو في طريقه إلى الدرعية، وهو الأمر الذي فكر فيه بعد أن أعجزته الرس عن إسقاطها، في الوقت الذي كان يعلم فيه أن القصيم تمثل موقعًا استراتيجيًّا بالنسبة له في مهمته، وإن كان قد تمكن من إسقاط بعض بلدان القصيم، إلا أنه لم يكن يضمن حياد الأهالي بينه وبين الدولة السعودية، على اعتبار أنهم سعوديون بكامل ولاءهم وعواطفهم.

يؤكد ذلك ما حدث له في الرس التي أفقدته جزءًا كبيرًا من قواته خلال الحصار، ما دعاه إلى أن يسعى إلى الصلح رغم أنه يعي في حقيقة الأمر أن ذلك يؤكد هزيمته أمام هذه البلدة السعودية، خاصةً أن أهلها كانوا على استعداد بأن يقدموا مزيدًا من المقاومة، ذلك الذي لم يكن يرغبه إبراهيم في ظل تراجع معنويات جنوده الذين كانوا يفقدون يومًا بعد آخر عددًا من قواتهم، لا سيما أن الطريق طويل إلى الدرعية، وإذا كانت هذه مقاومة بلدة واحدة فإن ذلك ينبئ عن الهزيمة لا محالة إذا ما استمر على تلك الحال.

سعى إبراهيم باشا إلى إجبار الأهالي على الصلح حتى لا يكتمل عقد هزيمته أمام الرس.

حظيت معركة الرس باهتمامٍ كبير في المصادر التاريخية؛ لأنها بصمودها هزمت القوات العثمانية وانتصرت عليها انتصارًا كبيرًا، وعلى قائدها إبراهيم باشا الذي لم يستطع دخول الرس، بل فقد المئات من جنوده. لذلك يُشير النمساوي ألويس موزيل (1868-1944) إلى أن ما حدث نهاية شهر أكتوبر من عام (1817) من صلح بين الرس وقوات إبراهيم باشا هو إقرار واعتراف من القائد العثماني بالمقاومة الشديدة التي واجهها ويصفه بقوله: “واجه مقاومة شديدة أفقدته أفضل محاربيه”. لذلك يُعد الصلح هزيمةً بكل المقاييس بالنسبة للعثمانيين في الرس.

  1. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط4 (الرياض: وزارة المعارف، 1971).
  2. أمين سعيد، تاريخ الدولة السعودية (بيروت: دار الكاتب العربي، د.ت).
  3. ألويس موزيل، آل سعود، ترجمة: سعيد السعيد (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2003).