السلطة العثمانية بين قياداتها وبين الأهالي في الجزائر

يعدُّ الحكم العثماني في الجزائر متسمًا بظاهرة الخضوع للسلطان، وبعدم الاستقرار الإداريّ لطبيعة النظام الذي جرى تخصيصه لحكمها.

لقد تفرعت وتنوعت سلطتهم حسب مجريات الأحداث والأحوال، فنجد أن الفوضى عمت الولايات العربية الإفريقية التي أطلق عليها أوجقات المغرب، وكانت بسبب التشكيلات العسكرية وسياسة الدولة التي كانت تتعمد إدارة المناطق التي تسيطر عليها بنفس النهج، وهو تعيين الباشوات ودعمهم بالإنكشارية، على أن تكون مدة التعيين متغيرة مما يجعل الخلل قائمًا، ويؤكد أن تلك السياسة مدعاة لاستبداد الباشوات ومحاولة جمعهم الأموال، لعلمهم بأن العهد بهم لن يطول .

سجل المؤرخون فظائع الأتراك لتكون وثيقة اتهام تفضح تاريخهم الاستعماري الأسود، بحسب ما تقول المصادر التاريخية عن حقبة العثمانيين في الجزائر وتونس وطرابلس الغرب، إذ فُصِلت بشكل مستقل، وعُين لكل منها أمير أمراء رُبط بإستانبول مباشرة.

ومن الأحداث التي تؤكد تواطؤ الباشوات باتفاقيات مع قراصنة البحار ما حدث في عام 1001هـ / 1592م عندما كان شعبان باشا يتحصل على خُمس ما يتحصله القراصنة وأثار ذلك غضب الإنكشارية، بل تعدى الأمر إلى أن يعقد الباشا اتفاقية مع القراصنة بمباركة عثمانية، وبالفعل أصبح شريكًا بحريًّا، وتعطيه السلطة نصيب الأسد بصفته القيادية. فعَمَّ التمرد والثورات، وكثرت حركات العصيان، وكانت سمة تلك الحقبة التاريخية بين الأوجاقات الثلاثة والصراع يحتدم ويتراجع على حسب سير الأحداث والمصالح بعلاقات متقلبة من العثمانيين لرعاية أوضاعهم الاقتصادية فحسب.

ومن الأمثلة التي يُستدل بها على قوة البطش في الجزائر والاهتمام بالمصالح المادية، عندما تعرضت سفن فرنسية للاعتداء من القراصنة، وبلغ ذلك السلطان في إستانبول بعد تواصل الملك الفرنسي معهم، وما كان منه إلا أن كلف سليمان باشا أمير أمراء الجزائر بإعادتها من القراصنة، فأرسل ستمائة قطعة نقدية تعويضًا لفرنسا عن خسائرهم، ولكن القراصنة سطوا عليها، فزاد غضب السلطان من عدم الانصياع لأوامره وطاعته، وكان ضريبة ذلك أن صدرت أوامر السلطان العثماني أحمد الأول يطلب من مصطفى باشا بأن يتوجه لإعدام خضر باشا، وبالفعل ذهب الباشا إلى تونس، ومنها إلى الجزائر، وتم القبض على خضر باشا، وخنقه حتى الموت، ثم صادر أمواله وأعادها إلى خزينة الدولة في إستانبول .

وتشهد الأحداث من عام 1031هـ / 1621م إلى عام 1036هـ/1626م، تلك السنوات الخمس تعدُّ فترة مظلمة عصيبة، ومنها فترة مصطفى باشا على الجزائر وباقي الأوجاقات، وذلك لاستخدامهم العنف ضد القبائل، والأهالي بشكل عام وإلزامهم دفع الضرائب، وتعميق النظام التركي بعدما كاد أن يتلاشى .

وفي سنة 1037هـ / 1627م، حدث خلاف بين باشا الجزائر وبين تونس بحجة أن التونسيين يحرضون القبائل في قسنطينة على التمرد والعصيان، وبلغ الأمر للباب العالي لكنه لم يحرك ساكنًا لعلمه وقناعته بأن التدخل غير مجدٍ؛ فالقوة القبلية أقوى، وأشغلوا أنفسهم بحروب في جبهة أخرى، وهي القِرم حتى يستعيضوا بعضًا من خسارتهم وسقوطهم، وكالمعتاد، تركوا الأهالى يتحملون آثار المواجهات وتأثيرها.

فقد كلفت حرب السلطة الحاكمة مع باشواتها وقراصنة البحار أهالي الجزائر الكثير بسبب الجور والاستبداد .