المشروع الفارسي يصطدم بحائط الصد السعودي

وثيقة "بروس" المزوَّرة إحدى وسائل الفرس الملتوية لاختراق البحرين

حين نطرح تفاصيل علاقة بين عداوتين؛ يجب أن نفهم التاريخ جيدًا، وإيران الحالية ما هي إلا امتداد لتاريخ فارسي قديم معجون بعدائه ضد العرب، وتقديمًا لبسط استراتيجية الصد والمواجهة بناءً على قراءة دقيقة، أولاً: للبيئة الاستراتيجية موضوع الدراسة، وثانيًا: للبنية السلوكية للفرس، وثالثًا: لمنظومة صناعة القرار السياسي في إيران.

وإذا كانت هناك خلاصات يمكن استنباطها من هذه “الدراسات” فلعل أهمها إبراز عقيدة الاستعلاء العرقي للفرس تجاه العرب، ومن ثم استباحة ديارهم ودمائهم بما يخدم الأجندة الفارسية في المنطقة. ويبقى الثابت في استراتيجية الملالي تطويعُهم للنص الديني، ومحاولة توجيهه لخدمة الهدف السياسي التوسعي لطهران.

في هذا السياق، راكم الملالي -منذ قرون مضت- عقيدةً دينيةً ظاهرها الانتصار لآل البيت رضي الله عنهم أجمعين، وباطنها التوطئة لشرعنة العقيدة التوسعية لحكام فارس. ولعل الحشد حول ضرورة الثأر التاريخي المبني على الإيديولوجية الفارسية، هو في حقيقته تدليس وتلبيس لحقيقة الأطماع التوسعية التي لا يمكن أن تتحقق دون الدخول في صراع حقيقي مع مركز ثقل العالم العربي والإسلامي ممثلاً في المملكة العربية السعودية.

عمل الملالي على تطويع النصوص الدينية خدمةً لمشروع الفرس التوسُّعي في العالم العربي.

وارتباطًا بالدور المركزي للمملكة العربية السعودية في صد التمدد الفارسي في البلاد العربية، فإن السعوديين وقفوا بقوة في وجه المشروع الإيراني وقطعوا أطرافه في كل اتجاه، من خلال صده في حماية العمق العربي، رغم إصرار الملالي على خلخلة البلاد العربية تحت مسوغات الزعم بـ”الحق التاريخي”، أو مسوغ الديمقراطية والتغيير من خلال الركوب على موجة ما أطلق عليه “الربيع العربي”.

ومن أبرز تلك البلدان العربية؛ البحرين التي ظلت ولا تزال مطمعًا ثابتًا في السياسة الخارجية الإيرانية بالنظر إلى موقعها الجغرافي، باعتبار وجودها في خاصرة الجزيرة العربية، ولأن موقع البحرين استراتيجي بالنسبة للجزيرة العربية، فإن الفرس يتمنون لو أنهم حولوها إلى قاعدة للانطلاق والسيطرة، بالإضافة إلى الميزان السكاني الذي ترى فيه إيران مسوِّغًا (شاذًا) لفرض سيطرتها على هذا البلد العربي الخليجي ومد نفوذها فيه ومن خلاله.

شكلت البحرين نقطةً ثابتةً في سلسلة الأطماع الفارسية في المنطقة العربية عمومًا، وفي الخليج العربي على وجه الخصوص. ومن أجل ذلك حاولت إيران ادعاء وجود حقوق تاريخية لها على البحرين بذريعة اتفاقية مزورة بين الفرس والوكيل السياسي البريطاني بروس الذي تلقى الرشوة من الإيرانيين ليقدم لهم وثيقة اعتراف رسمي بتبعية البحرين لهم، ومن ثم دفع ثمنًا لذلك أن أُقِيل وطرد من الخدمة في الحكومة البريطانية، التي رأت بأنه أقدم على فعلته من دون تفويض، و “تتناول علاقة إيران بمنطقة الخليج إجمالاً…وقعها الكابتن و. بروس المقيم السياسي في الخليج عن الحكومة البريطانية في شيراز بتاريخ 30 أغسطس 1822م، ووقعها ميرزا زكي خان وزير الأمير الحاكم في إقليم فارس عن إيران”.

تمسك الفرس ببنود هذه الاتفاقية المزورة، التي تقضي بتحقيق هدف توسعي استعماري فارسي في البحرين، لجعل حكامها تابعين لحكومة إيران، وتؤكد على أن شيوخ العتوب متمردين على سلطة هذه الحكومة، وعلى الحكومة البريطانية ألَّا تقدم العون للبحرين، بل على النقيض، عليها أن تساعد إيران على قمع تمرد العتوب على حد زعمها، كما كان مأمولاً من الفرس، وتم الاعتراف والتصديق على زعم إيران بحقوقها في السيادة على البحرين بشكل شخصي ومتواطئ من بروس.

إن حيثيات وسياقات توقيع هذه الاتفاقية يجعلها بدون قيمة قانونية لسقوطها شكلاً ومضمونًا؛ باعتبار أن بروس لم تكن لديه الصلاحية لتوقيع أية معاهدة باسم بريطانيا؛ ولأن مضمون الاتفاقية لم تتم الموافقة عليه من قبل الحكومة البريطانية، وهو ما يطلق عليه في عرف الاتفاقيات الدولية ب “المصادقة La ratification”. وهنا يؤكد مؤلف موسوعة دليل الخليج لوريمر بأن “حكومة بومباي لم تكن تُقر المقيم العام على هذه الآراء، لذلك أبلغت حكومة إيران فوراً وبمجرد أن وصلتها هذه الأنباء وبتعبيرات حاسمة وواضحة أنها لا توافق على عمل مقيمها العام، وزيادة في إعلان عدم تقبلها لهذه الاتفاقية نقلت كابتن بروس من منصبه واستدعته فورا إلى الهند”.

وحول الخلفية القانونية التي مست هذا التصرف الشخصي لبروس، يؤكد طلال الطريفي في كتابه العلاقات السعودية البحرينية في عهد الملك عبدالعزيز بأن هذا الاتفاق يعد لاغيًا وليس له اعتبار قانوني ، مذكِّرًا بأن بريطانيا “رفضت هذه الاتفاقية، ولم توقع عليها؛ لأنها تعد ملغاة، وذلك لتدخل العوامل الشخصية من قبل بروس، وهذا أدى إلى عزله من منصبه”.

ثبات الموقف السعودي تجاه البحرين يشكل توجهًا رسميًّا في سياسة الرياض الخارجية، وهو ما جعل صانع القرار السياسي الإيراني يؤمن بأن السعودية ستدافع بشراسة وقوة ضد أي مساس بسيادة البحرين، وهو ما ترجمه التاريخ لأكثر من قرن من الزمان، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.

كما أن المعاهدة السعودية البريطانية سنة (1927) كانت تُعَدُّ ضربة قوية للمشروع الإيراني من خلال تأكيد المادة السادسة منها على الاعتراف الصريح بسيادة البحرين. لذلك فإن موقف المملكة العربية السعودية يتجسد فعلاً ظاهرًا في وقف الأطماع والمحاولات الإيرانية.

  1. أحمد فهمي “السياسة الخارجية لإيران تجاه دول الخليج: البحرين نموذجًا، مقال منشور على موقع طريق الإسلام بتاريخ 9 فبراير 2019م…راجع الرابط https://ar.islamway.net

 

  1. ج. ج. لوريمر، دليل الخليج (الدوحة: مطابع علي بو علي، د.ت).

 

  1. جمال واكيم، أوراسيا والغرب: الهيمنة على الشرق الأوسط (بيروت: دار أبعاد، 2016).

 

  1. طلال الطريفي، العلاقات السعودية البحرينية في عهد الملك عبد العزيز (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 1430هـ).