"الاستراتيجية الفارسية القديمة الحديثة هي ضرب العرب بالعرب"

إن المتتبع لتاريخ العلاقات العربية – الفارسية يؤكد حقيقة متوافرة عبر الحقب التاريخية المختلفة، تؤيدها شواهد التاريخ وأحداثه، وهي أن هذه العلاقات اتسمت بروح العداء والعنصرية الفارسية المقيتة للعرب، والنزعة التوسعية على حساب أراضيهم وبلادهم، والرغبة الشديدة التي تصل إلى حد الهوس للسيطرة عليهم وإذلالهم والانتقاص من مكانتهم ودورهم الإنساني. ومظاهر العدوان العسكري المسلح كان السلوك الثابت للفرس تجاه العرب، ولا يزال هو هو؛ إذ كانوا يَشُنُّون عدوانهم كلما وجدوا لديهم القدرة على فعل ذلك عسكريًّا، فالملك الساساني أردشير بن بابك (226- 241م)، رأى في عهده أن أفضل وسيلة لتأمين حدوده من العرب هي العرب أنفسهم، فسمح للقبائل في الشام بتأسيس إمارة تقيهم غزوات البدو وتفصل بينهم وبين الروم، فتكوّنت إمارة الحيرة، وهي مدينة تبعد 3 أميال عن الكوفة، ظلّت أسيرة للنفوذ الفارسي 400 عامٍ كاملة، حتى فتحها خالد بن الوليد (633م- 12ه)ـ

ومن خلال قراءتنا لذلك المشهد التاريخي، فإننا نجد أن الأحداث تتكرر فيه بين حين وآخر فعلى سبيل المثال؛ في القرن الثامن عشر  الميلادي استخدم الفرس -عند غزوهم للعراق في العهد المملوكي- بعض القوى القبلية الحدودية من العرب ومن غيرهم لضرب الحكومة في العراق وغزوها آنذاك؛ بل أصبحت تلك  القوى المريضة المهزومة نفسيًّا أمام العجم طمعا في الأموال، مُقدمةً جحافل الجيش الغازي حسبما ذكر المؤرخ العراقي “الكركوكلي” في كتابه دوحة الوزراء  بالقول :” وقامت -أي تلك القبائل-  بدور الأدلاء والجواسيس ..وكانت في مقدمة الجيوش الإيرانية”.  

ومن تَفَحَّص تاريخ العلاقات العربية مع الفرس سيجد أمثلة كثيرة لروح العداء المتأصلة ضد العرب والعروبة، وأن الاستراتيجية الفارسية في محاربة العرب بالعرب  قد استمرت ونجحت في كثير من الأحيان، فخونة الأوطان هم عادة جواسيس وأدلاء للعدو على أماكن  الضعف في بلادهم، وهم موجودون  في كل زمان ومكان، ففي الثمانينات من القرن العشرين الميلادي، وبعد وصول الملالي للحكم  في إيران  بزعامة المقبور “خميني” وازدياد حدة العداء للعرب، بعدما نجح  في إذكاء روح العنصرية للفرس واستغل تلك الروح من  أجل تحقيق أهدافه ومطامعه بالتدخّل في شؤون عدد من الدول العربيّة ، ولعل أول احتكاك مع إيران أحدث حالة من التوتّر في العلاقات الإيرانيّة-العراقيّة  بعد حادثة المستنصريّة الشهيرة سنة 1980م، عندما قام طالب إيرانيّ ينتمي إلى حزب “الدعوة” برمي قنبلة وسط ساحة جامعة المستنصريّة في بغداد، ولتبدأ بعدُ سلسلة التوترات لتصل بعدها إلى الحرب العراقية الإيرانية، التي استنفذت قدرات العراق والعرب العسكرية والمالية، وقد كان من نتائجها أن تمكنت إيران من غرس بذور الجواسيس وخونة الأوطان في فترة مبكرة من تاريخ الجمهورية الإيرانية، ونشرت بهم الفتنة في المجتمعات العربية، وخرجوا للعلن  مُتَلَبِّسين بلباس الطهر والعفاف بينما في الحقيقة هم أبعد ما يكونوا عنه؛ بل هم أقرب منهم للدجل والخداع، فتسموا تارة برجال الدين والفكر، وتارة بالجماعات الدينية، وأخرى بالأحزاب السياسية أو الدينية، فأولئك الخونة ساعدوا فعلا على إنجاح الأجندة الفارسية في المنطقة العربية وسهلوا تغلغلها، فهم أشبه بحصان طروادة؛ مظهره جميل، وهدية رائعة؛ ولكن في حقيقته السم الزعاف، فتم بذلك توفير سبل الاختراق وضياع الأوطان وتسليمه لإيران على أشلاء أبناء العروبة والإسلام وبتخادن غربي خبيث واضح  لا لبس فيه، وإلا  فكيف استطاعت إيران في غضون أربعة عقود التغلغل في دول عربية قوية انهارت وسلمت خطامها ومُقَدَّراتها وقدرها السياسي والاقتصادي والثقافي للعلج الفارسي؟!!.