عمل الفرس على طمس الهوية العربية للأحواز

خضعت عربستان إلى عملية تفريس ممنهجة بغرض تشويه بنيتها العرقية

لقد أصبح في حكم المُسَلَّمات أن استراتيجية ملالي إيران تهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين، في ظاهرهما متناقضان، لكنهما قابلان للتعايش والتمازج حسب تصور صانع القرار السياسي الإيراني. ويرتكز الهدف الأول على الانتصار للعرق الفارسي وتثمينه وتحصينه (نقاء العرق الآري)، أما الهدف الثاني فهو التوسع على حساب باقي العرقيات، ومن ثم العمل على محو العرق الأصلي لفائدة “العرق الجديد”.

رصد النشاط الإيراني في المناطق (أو الدول) التي أخضعها الفرس لنفوذهم، يقطع بأن ساسة طهران ماضون في التنزيل المادي لهذه الاستراتيجية مع تفاوت في مستويات التنزيل حسب تعقيدات كل بيئة سياسية واجتماعية على حدة.

إن تحول دول مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن إلى ساحة نفوذ إيرانية لا ينفي وجود مقاومات مختلفة للتواجد الفارسي هناك، رغم أن المحاولات الأولى لتغيير البيئة العرقية والبنية الديمغرافية قد بدأت حقيقةً في هذه الدول. وبالمقابل فإن منطقة الأحواز العربية خضعت إلى عملية تفريس ممنهجة، حاولت تشويه البنية العرقية هناك والقضاء على المكون العربي من خلال محاولة مسخ الهوية العربية من خلال سياسة عنصرية خبيثة اجتهدت إيران في تنزيلها منذ ما يقارب قرنًا من الزمان.

في هذا السياق، ظلت الأحواز العربية هدفًا ثابتًا في استراتيجية الملالي، الذين كانوا ينتظرون أن تنضج بعض الشروط الذاتية والموضوعية لإخضاع الأحواز للاحتلال الإيراني. وإذا كانت الظروف الداخلية قد مَهَّدت الطريق إلى سقوط الأحواز في القبضة الإيرانية فإن ظروفًا خارجيةً أسهمت في هذا المآل خاصة مع “ظهور رضا خان على المسرح، ذلك القائد ذو النزعة القومية المتطرفة، الذي كان ينوي ضم كل جزء وطأته الجيوش الفارسية إلى بلاده، فراحت عربستان لقمة سائغة لأفكاره هذه”.

ومن يتابع تطور الأحداث السياسية في المنطقة يقطع بأن إخضاع الأحواز من جهة، والجزر الإماراتية الثلاث من جهة أخرى للاحتلال الإيراني، قد غير معادلة موازين القوة في المنطقة. وإذا كنا قد فصلنا في الأهمية الاستراتيجية للجزر الإماراتية، فإن عربستان لا تقل أهمية عنها إذ نظرنا إلى أهميتها الديمغرافية (بما يزيد على 12 مليون نسمة) وكذا أهميتها الطاقية (85% من الاحتياجات الطاقية لإيران مصدرها الأحواز العربية)، هذا بالإضافة إلى أن عربستان تزود إيران بأكثر من 75% من احتياجاتها من الكهرباء، هذا دون الحديث عن مواد أخرى مثل القمح والتمور.

الأهمية الاستراتيجية للأحواز لا تقل عن الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة.

ويمكن القول بأن هاجس استقلال الأحواز عن إيران يعدُّ كابوسًا مرعبًا للملالي، بالنظر إلى ما تقدم التفصيل فيه. ولعله من البَدَهِيِّ استقراء التغيرات الاقتصادية الكارثية على إيران دون منطقة الأحواز، حيث ستتحول إلى دولة عادية جدًا بعدما صنفها بعض المؤثرين في صناعة القرار الأمريكي باعتبارها “محورًا جيوسياسيًّا” مهمًّا يجب تقويته ودعمه لمواجهة التمدد الصيني.

لقد احتقر الفرس اللغة العربية وعَدُّوها مكونًا دخيلاً على إيران، وحتى الخميني الذي درس خمسة عشر سنة في العراق ويعلم علوم اللغة، كان يقدم الفارسية على العربية. ويردد الأحوازيون قصة زيارة وفد منهم إلى إيران لتهنئة الخميني بنجاح الثورة، لكنهم عندما تكلموا معه باللغة العربية اغتاظ وأجابهم بالفارسية: إنكم إيرانيون ولا يحق لكم التكلم بلغة أخرى، وطلب مترجمًا رغم معرفته بالعربية.

في هذا الصدد، وضعت طهران استراتيجية محكمة لتفريس المنطقة، فبادرت أولاً إلى تغيير اسم الإقليم من عربستان إلى خوزستان ومن ثم نفي الصفة العربية عنه. كما قام الفرس بتغيير أسماء المدن والقرى والأحياء والشوارع والأنهار والجبال والمواقع بتسميتها بأسماء فارسية جديدة، هذا بالرغم من غياب أي مصدر فارسي كان يسمّي جميع هذه المناطق بالأسماء الفارسيّة التي نسبتها إليها الدولة الإيرانية بعد الاحتلال الواقع على الأحواز منذ سنة (1925م).

وللإمعان في طمس هوية الأحواز العربية قرّر مجلس الوزراء الإيراني إلغاء التعليم باللغة العربية، وإغلاق المدارس العربية الأهلية، ومنع التحدّث باللغة العربية أو إلقاء الخطب بها في جميع المناسبات. وهو الإجراء الذي شمل كافة أراضي الأحواز، كما منعت الحكومة الإيرانية في المحاكم الترجمة من اللغة العربية وإليها، فوضعت بذلك أكبر عائق أمام المواطن العربي في الأحواز لضمان حقوقه في مراجعته المحاكم.

من خلال ما تقدم، أجدني أتقاطع مع ما قاله الدكتور طلال الطريفي من أن “الأحواز بالنسبة للعالم العربي، بكونها قضية، لا تَقِلُّ أهميةً عن أي قضية عربية أخرى… وهي مُحتلة. غير أن هذه القضية -ووا أسفا- تاهت في فترات من التاريخ الحديث والمعاصر بين قضايا عربية أخرى، كما أن الإعلام لم يعطها حقها كقضية عربية أساسية”.

إن القضية الأحوازية ينبغي أن تكون قضية جميع العرب على اعتبار أنها مركز الحل والعقد، وسيؤدي إرجاع الحقوق إلى أصحابها إلى انعكاسات إيجابية وسيقلب المعادلة السياسية والاستراتيجية في المنطقة.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية، 1980).

 

  1. خير الله طلفاح، الأحواز العربية (بغداد: دار الحرية، 1982).

 

  1. عبدالكريم الجبوري، “رحالة إنكليزي يكتب عن عروبة الأحواز”، مجلة الدستور، ع. 26، لندن (1981).

 

  1. مصطفى النجار، التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية 1897-1925م (القاهرة: دار المعارف، 1970).