تقدمهم الشاعر أبو البقاء بأبياته التي لم تُحرك ساكنًا

"بايزيد الثاني"

قابل وفد الأندلسيين بقلبٍ بارد

على الرغم من إحياء العثمانيين الجدد لقضية الأندلس، إلا أنها في النهاية ليست إلا قصة من قصص البطولات المزورة وإعادة تزوير تاريخ سلاطين بني عثمان الذين قدموا مصالحهم التركية على أي مصلحة أخرى. 

التزوير الذي يقوم به العثمانيون الجدد ليس إلا توظيفًا سياسيًّا موجهًا إلى عوام المسلمين الذين لا يعرفون تاريخ العثمانيين الحقيقي في خذلان مسلمي الأندلس وتركهم لمصيرهم، فقد تزامن سقوط الأندلس مع تولي السلطان بايزيد لأمر الدولة العثمانية. فمع فرض إسبانيا أسوأ أنواع التعذيب ضد مسلمي الأندلس وما فعلته محاكم التفتيش هناك؛ لم يكن أمام أهل الأندلس سوى الاستعانة بالدولة العثمانية وغيرها من قيادات العالم الإسلامي، فبدأوا بإرسال الوفود والسفراء إلى السلطان بايزيد الثاني.

ومن المصادفة التاريخية؛ تزامن سقوط الأندلس مع سقوط الخلافة الإسلامية العباسية في القاهرة على يد سلاطين بني عثمان، كما سقطت الخلافة الأموية الأندلسية على يد الصليبيين الإسبان.

الفترة نفسها التي حكم فيها بايزيد الثاني وابنه سليم الأول السلطنة العثمانية بين ( 1481 م- 1520 م)، وبدلاً من نجدة الأندلس اتجهت جيوش سليم لتدك البلدان العربية الإسلامية من الشام إلى مصر ثم إلى الحرمين الشريفين، بينما كانت معاقل الأندلسيين تتساقط واحدة تلو الأخرى في الفترة ما بين ( 1490 م- 1526 م). 

كان نشاط بايزيد الثاني وابنه سليم الأول من بعده منحصرًا في الجبهة الجنوبية إذ كان الخلاف مع المماليك يتصاعد يومًا بعد آخر حينها، حيث تمكنت قوات المماليك من هزيمة العديد من الجيوش العثمانية. كما أدت سياسة بايزيد في المهادنة مع الصفويين في إيران إلى اندلاع العديد من الحركات المعادية للعثمانيين، وسمح بمزيد من النفوذ الصفوي في الأناضول، في الوقت الذي كان فيه الأندلسيون يذوقون العذاب على يد متطرفي المسيحية في غرناطة، وكان العرب المسلمون يذوقون عذابًا من نوع آخر من العثمانيين الذين احتلوا القاهرة وقتلوا عشرة آلاف من سكانها المدنيين.

ومع ذلك تستمر الآلة التركية الجديدة في الترويج الأكاذيب واختلاق البطولات الوهمية عن بايزيد الثاني وابنه سليم الأول، اللَّذَين تخلَّيَا عن الأندلس، وتركاها لمصيرها المؤلم.

المؤدلجون تجاوزوا موقف العثمانيين من صرخات الأندلسيين في عهد بايزيد الثاني وابنه لأنها مُخجِلة.

ينقل الباحث “عبد السلام كمال” تفاصيل وصول وفد أندلسي على عَجَل إلى إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية التي كان على رأسها السلطان بايزيد الثاني ابن محمد الفاتح، إذ قام رئيس الوفد بتسليم رسالة استغاثة مؤثرة حفظها التاريخ من مسلمي الأندلس إلى السلطان، وأورد في مقدّمتها: 

“الحضرة العلية! وصل الله سعادتها، وأعلى كلمتها، ومهّد أقطارها، وأعزّ أنصارها، وأذلّ عُداتها. حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين، وسلطان الإسلام والمسلمين، قامع أعداء الله الكافرين، كهف الإسلام، وناصر دين نبينا محمد، مُحيي العدل، ومنصف المظلوم ممن ظلم، ملِك العرب والعجم، والترك والديلم، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، ملك البرّين، وسلطان البحرين، حامي الذِّمار، وقامع الكفار، مولانا وعمدتنا، وكَهفنا وغيثنا.. ما زال ملكه موفور الأنصار، مقرونًا بالانتصار، مخلّد المآثر والآثار، مشهور المعالي والفخار، مستأثّرًا من الحسنات بما يضاعف الأجر الجزيل، في الدار الآخرة والثناء الجميل، والنصر في هذه الدار، ولا برحت عزماته العليّة مختصة بفضائل الجهاد، ومجردة على أعداء الدين من بأسها، ما يروي صدور السفح والصفاح، وألسنة السلاح، بَاذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخاير، مفارقة الأرواح للأجساد، سالكة سبيل الفائزين برضا الله وطاعته يوم يقوم الأشهاد”.

وعلى الرغم من هذا الوفد الأندلسي، والخطاب الراقي المبين للحال التي وصل إليها مسلمو الأندلس؛ إلا أن شيئًا لم يحدث من قبل بايزيد ولا ابنه سليم من بعده.

وفي أبيات شعرية تلخص الاستنجاد الذي لم يحصل والخذلان العثماني لمسلمي الأندلس، للشاعر أبي البقاء صالح بن شريف يصف مأساة المسلمين في الأندلس وغدر الأعداء بهم، يقول:

فضيحة العثمانيين في الأندلس مدويَّة.

وعلى الرغم من أن القصيدة تشرح غدر الإسبان، وكيف يقومون بتنصير المسلمين قهرًا وجبرًا، وكيف أن المسلمين جاهدوا، ولكنهم قلة أمام جموع الأعداء إلا أنها لم تستنهض الغيرة الإسلامية عند بايزيد الثاني:

ولا يتوقف الشاعر الأندلسي عن الاستنجاد بسلطان الدولة العثمانية:

وعلى الرغم من هذا الاستنجاد؛ فضَّل العثمانيون البقاء بعيدًا عن الأندلس ومأساتها منشغلين بحربهم على دولة المماليك في الشام ومصر بسبب نزاعات بدأت في عهد السلطان محمد الفاتح (والد السلطان بايزيد الثاني). 

وقد سجل أبو البقاء الأندلسي في شعره الذي أُلقي أمام السلطان بايزيد حوادث أليمة ذكر فيها أسماء المدن التي عذب أو أحرق أهلها أو ذبحوا بالسيف قائلاً:

وهنا لن يمحو التاريخ الإسلامي هذه الفضيحة المدوية التي تكشف بصدق كيف انحاز العثمانيون لمصالحهم وتركوا الأندلسيين لمصيرهم المحتوم.

1) مظاهر من الثقافة العثمانية.. عبد السلام كمال.

2) النشاط العسكري في الدولة العثمانية في عهد السلطان بايزيد الثاني.. إلهام يوسف. 

3) الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي قصيدة رثاء الأندلس.