"الصورة النمطية للعرب في الثقافة الفارسية"

من يتمعن بعمق فيما تكتبه الأقلام الإيرانية في الصحافة المنشورة والرقمية، أو حتى في البرامج التلفزيونية والخطب الدينية وما يخرج معها من  فلتات اللسان يدرك العربي تمامًا  أن معظم ما يُطرح في تلك الوسائل، وكذلك ما يطرحه مفكروهم عند الحديث عن العرب وموقفهم منهم، يتبين له بكل صراحة  وشفافية أن هناك صورًا من الصور النمطية للعرب في الثقافة الفارسية، ديدنها الكُرْه والبغض الدفين لأمة العرب، فعندما يقول أحدهم مثلا: “أعتقد أن كثيرًا من الإيرانيين يكرهون العرب، ولا فرق بين المتدين وغير المتدين في هذا المجال عن نظرة الإيرانيين تجاه العرب”، فهذه المقولة بحد ذاتها شاهدٌ مُبِينٌ على عنصرية الإيرانيين المقيتة، التي -على ما يبدو- أثَّرت في كل من تفرّس من الشعوب المقيمة في إيران الجمهورية إلا ما رحم ربي، فنحن نعلم أن إيران تتكون من أجناس وأعراق مختلفة ، ولكن سادت تلك الصورة النمطية الجميع، إما اعتقادًا، وإما خوفًا من السلطات الإيرانية.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، لِمَ كلُّ هذا الكره للعرب والتعالي عليهم من قِبَل الفرس؟ وما الأسباب التي دعتهم إلى ذلك؟ فهل كان أحد الأسباب تعاليهم لارتباطهم بجنسهم الآري وافتخارهم به ؟ فالفرس يرون أنهم متميزون؛ لانتسابهم بالجنس الآري، واسم إيران مشتق من كلمة ” الآري”، لذلك يتعالى الفرس على من سواهم، وينظرون -بصفة خاصة- إلى العرب وتاريخهم وحضارتهم العربية الإسلامية بنظرة دونية، بل يعتبرون العرب بدوًا متوحشين متخلفين سفاكي دماء؟! فهل كان الفرس يشعرون بالنقص إزاء المستوى الحضاري العظيم الذي بلغته الأمة العربية، فمن المعلوم أن الفرس عندما استقروا في الهضبة الإيرانية وجدوا في العراق موطنًا للحضارة الإنسانية والإبداع الإنساني منذ القدم، بينما لم يتمكنوا هم عبر تاريخهم من إسهام حضاري مماثل، وكان كل الذي فعلوه أنهم نقلوا إنتاج حضارة وادي الرافدين إلى فارس، لذلك فقد أخذوا موقعهم كمتلقين للحضارة لا صانعين لها. فعلى سبيل المثال الديانة “الزرادشتية” لم تكن فارسية الأصل، وإنما أخذوها من حضارة “الميديين”، ولم يجدوا ما يكتبون به كلامهم إلا الكتابة المسمارية لحضارة بلاد الرافدين والآرامية العربية.

جاء الإسلام الذي شرُف العرب بحمل رسالته وإبلاغه للعالمين أجمعين، ولا زال موقف الصحابي الجليل “ربعي بن عامر التميمي” ماثلا للعيان عندما قابل القائد الفارسي رستم  ودار الحديث بينهما عن أسباب قدومهم إليهم فرد عليه الصحابي ربعي بقوله : “لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر..”  هذا الموقف العظيم  هو تحطيم لمعتقدات الفرس المجوسية وأفكارها، وما تبعه من انهيار الإمبراطورية الساسانية تحت ضربات دولة الإسلام كان عاملاً إضافيًّا لجعلهم يكرهون العرب، فبعد أن كانوا يسخرون من العرب وقبائلهم ويستضعفونهم في جاهليتهم أصبحوا جزءاً من الحضارة العربية فيما بعد، وذابوا في مكونات الدولة العربية الإسلامية إلا أنهم ما انفكوا يحلمون بإعادة أمجاد ساسان القديمة، فالفرس يرون أن العرب هم الذين قوضوا حضارتهم الفارسية “الزرادشتية”، ونشروا الإسلام على حساب زرادشتيتهم، بل من الفرس من يكرهون الإسلام، ويعتبرونه دينًا عربيًّا يدعو إلى الاضطهاد، ويربطون تخلفهم وتشويه لغتهم وتاريخهم الفارسي بالعرب وبالإسلام. لذلك تعالت الدعوات من بعض مفكرين الفرس لإزالة الكلمات العربية من لغتهم الفارسية، وينادي هؤلاء بالعودة إلى الثقافة الآرية القديمة. فهذه بعض الصور النمطية التي يعتقدها الشعب الإيراني ضد العرب أو من تفرس منهم، فالحقد الدفين على العرب هو نتاج غش القلوب الذي أظهرته فلتات الألسن وصفحات الوجوه الكالحة .