الصور النمطية للعرب في الثقافة الفارسية

الشاهنامة نموذجًا

يُعَدُّ الأدب من أهم المصادر لفهم طبيعة المجتمعات، ومن أهم ألوان الأدب الشعر والملاحم الشعبية. ويمكننا أن نرى ذلك الأمر بوضوح مع الملحمة الشعرية “الإلياذة” والمجتمع اليوناني القديم، كذلك ينطبق الشيء نفسه على الشعر الجاهلي، حيث وُصِف الشعر بأنه “ديوان العرب”. أما عن بلاد فارس فَتُعدُّ الشاهنامة من أهم المصادر لتفهم طبيعة المجتمع الإيراني، ليس فقط قبل الإسلام ولكن أيضًا بعده. فما هي قصة الشاهنامة؟

“الشاهنامة” كلمة فارسية تعني سيرة الملوك، وهي تتضمن أحداث ملوك فارس ووقائعهم، بما فيها من معارك، ورحلات صيد، وتفاصيل للحياة اليومية. وتغطي الشاهنامة الفترة التاريخية من التاريخ المبكر للدول الفارسية المختلفة، وصولاً إلى نهاية الدولة الساسانية وسقوطها على يد الفتح الإسلامي لبلاد فارس في أواسط القرن السابع الميلادي.

وكُتِبَت الشاهنامة بطلب من السلطان محمود الغزنوي حوالي عام 1010م، وخرجت الشاهنامة فيما يقرب من ستين ألف بيتٍ من الشعر. وكُتِبَت الشاهنامة باللغة الفارسية، مع أن اللغة العربية كانت في ذلك الوقت هي اللغة السائدة في بلاد فارس. ويقال: إنها كُتِبَت بالفارسية من أجل إعادة نشر اللغة الفارسية من جديد في إيران، في محاولة لتقليص الأثر العربي في الأدب والحكم في بلاد فارس. وناظم الشاهنامة هو الشاعر الفارسي الشهير “الفردوسي”، فمن هو الفردوسي؟

هو أبو القاسم الفردوسي من أهم الشعراء الفرس بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، ويُنسَب الفردوسي إلى إقليم خراسان. ويُرجِع البعض تاريخ ميلاده إلى عام 940م، أما وفاته ففي عام 1020 تقريبًا. ويرى البعض أن قارئ الشاهنامة يشعر وكأن الفردوسي قد كتب مرثية للإمبراطورية الفارسية التي انتهت مع الفتح الإسلامي، وكأنه يريد عودتها إلى الحياة من جديد. ويصف بعض النقاد الذين تناولوا الشاهنامة بالدراسة “الفردوسي” بأنه كان متعاطفًا مع الزرادشتيين أتباع الديانة الوثنية الفارسية القديمة، كما يرى هؤلاء أن الفردوسي كان من أهم مناصري حركة “الشعوبية”، فما هي الشعوبية؟

“الشعوبية” هي من أهم وأخطر الحركات الفكرية والسياسية المناوئة للحكم الإسلامي في المشرق الإسلامي. ويُرجِع البعض أصل الكلمة إلى “شعب”، بمعنى الانحياز والتعصب لدى شعب معين، ورفض الحكم الإسلامي العربي، والرغبة في إحياء اللغة والديانات القديمة الوثنية. ويعدُّ الفردوسي من أهم المُنَظِّرين الفكريين لهذه الحركة.

من هنا جاءت النظرة العنصرية للفردوسي تجاه العرب على طول أبيات الشاهنامة. ويشير البعض إلى تصوير الفردوسي للملك العربي “الضحاك” بأنه يمثل الغزاة العرب الذين أنهوا حكم الإمبراطورية الساسانية، ومن ثم الحضارة الفارسية -من وجهة نظره- ولذلك كان قصد الفردوسي بعث الشعوبية الفارسية من جديد. والمثير في الأمر، إعادة توظيف هذه النظرة العنصرية من جديد أثناء الحرب العالمية الثانية؛ ففي إطار مكافحة النازية في إيران تم الجمع بين صورة الملك العربي الضحاك وصورة هتلر! وبالقطع يعدُّ هتلر من كبار السفاحين في التاريخ، لكن الربط بين صورة العربي وهتلر، هو منتهى العنصرية ضد الشخصية العربية.

ويرفض الفردوسي الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وينكر آثاره الدينية والحضارية المهمة على إيران؛ إذ يصف الفتح الإسلامي بأنه غزو، فيقول: “العقيدة- الزرادشتية- قد أُعدِمت، وكسرى نُحِر، وأخذوا الحكم من الأكاسرة، ليس بالشجاعة، بل بالخديعة، وبها استولوا على الحكم، وبالقوة أخذوا زوجات الرجال والغنائم والبساتين، فتصور البشاعة التي حملها هؤلاء الأوغاد- العرب- إلى العالم، وهي بشاعة لا مثيل لها. هؤلاء العرب الغزاة جعلوا عالمنا يغادر، وكل ما أراه نماذج من الفاقة”.

ربما تعتبر الشاهنامة من أهم النماذج الأدبية الفارسية، ويَعُدُّها البعض مصدر إحياء اللغة والقومية الفارسية من جديد، لكنها تعبر أيضًا عن عنصرية واضحة ومعاداة للسامية العربية، ورفضًا للتأثير العربي الحضاري والديني في التاريخ الإيراني.