في أول خطاب كراهية فارسي:
كسرى: "لم أرَ للعربِ شيئًا من خِصال الخير"
سيطرت عقلية الاستعلاء والعداء الفارسي للعرب طويلاً، واستحوذت على تفكيرهم، ووجدوا في العرب منافسًا يصعب السيطرة عليه، لذلك بنوا استراتيجيتهم على محاولة إخضاع العرب بالاحتلال المباشر أو عن طريق العملاء، ومن خلال فرض الجزية على العرب لإنهاكهم اقتصاديًا، ويؤيد ذلك ما أورده ابن الأثير عما فعَله كسرى أنوشروان في الخراج والجند، مخاطبًا أعوانه: “والزِموا الناسَ الجزية ما خلا العظماء وأهل البيوتات والجند والمرازبة والكتَّاب، ومَن في خدمة المَلِك، كل إنسان على قدْره، اثني عشر درهمًا، وثمانية دراهم، وستة دراهم، وأربعة دراهم”.
لم يكن ينظر الفرس للعرب باعتبارهم جيران، بل نظروا إليهم نظرة الأعداء، وأنَّهم أقل شأنًا منهم، وعندما هُزموا في معركتي ذي قار والقادسية جُنَّ جنونهم، واتهموا العرب المسلمين، باستهداف التراث الفارسي في القرنين الأولين بعد ظهور الإسلام وفتح بلاد فارس، وسموها بعصر الصمت. وهذا ما يُثبت أن الوجدان الفارسي يحتقر ويكره ويبغض العرب، بالرغم من أن الإنسان العربي هو من حمل الإسلام إليه، وإلا لكان الفارسي يعبد النيران في بوادي فارس إلى اليوم.
ومن نصٍ قديم تتكشف لنا العقلية الفارسية، وفيه يُذكر صراحةً استخدام الجزية في السيطرة على الشعوب الأخرى، وهو نص يعود إلى الملك الفارسي “دارا”: “أنا دارا الملك العظيم – ملك الملوك – ملك الأراضي التي تعمرها الشعوب كلها، ملك هذه الأرض العظيمة منذ أمد بعيد — ابن ويشتاسب الكياني — فارسي ابن فارسي، آري من نسل آري”، ويقول: “بفضل أهورا مزدا هذه هي الأراضي التي أملكها وراء فارس، التي أسيطر عليها والتي أدت الجزية إليَّ والتي فعلت ما أمرتها به والتي فيها تطاع شريعتي: مديا – سوسيانا – بارتيا – هريفا – هرات، بكتريا (بلخ)، سغد، خوارزم (خيوه) … الهند وبابل وآشور وبلاد العرب ومصر وأرمينيا، وكمباذوقيا وأسبارتا”، كذلك “حينما رأى أهورا مزدا الأرض ائتمنني عليها — جعلني ملكا، بحمد أهورا مزدا قد نظمت أحوالها وما أمرت به أطيع كما أردت، إذا قلت في نفسك: كم عدد الأرضين التي حكمها الملك دارا فانظر إلى هذه الصورة: إنهم يحملوك عرشي فعسى أن تعرفهم، ستعلم أن رماح رجال أرس قد بلغت مدىً بعيدا، وستعلم إذًا أن الفرس أضرموا الحرب نائين عن فارس”.
عقدة الخوف بين ضفتي الخليج العربي
يعيد أحد الأبحاث المنشورة في مجلة آداب الكوفة تطـور العلاقات بين الفـرس والعـرب إلى زمن الفارسي ” كورش”، ويصفها بأنها مليئة بالصلات، مشيرًا إلى أنه في سنة 240م أسس الفرس إمارة الحيرة على نهر الفرات، قريبًا من العرب أصحاب الأرض في العراق وشمال الجزيرة العربية، فجاء كثير من وفود العرب إلى بلاط أمراء الحيرة واطلعوا على الثقافة الفارسية ونقلوها إلى بلادهم. كما كانت هناك صلات وثيقة بين الفرس والعرب في البحرين وعمان واليمن.
إذن العلاقة بين الفرس والعرب قديمة، تعود إلى قرون متقدمة جدًّا منذ ما قبل الميلاد، سيطرت عليها عقدة الخوف الفارسية من تطور العرب وتقدمهم، علاقة تراوحت بين عسكرية وثقافية واقتصادية، تعمد الفرس ألا تحكمها النِّدِّية والجيرة، بل الاستعلاء ومحاولة فرض الوصاية والتَّبَعِيَّة على العرب؛ كونهم -في نظرهم- أقل مكانة منهم؛ ولأن هدف فارس كان إعاقة العرب وتكبيل تقدمهم، وهو ما اتضح بعد القرن الثاني الهجري، بعدما تمكن الفرس من السيطرة على الدولة العباسية وأحكموا قبضتهم، ليتحول العرب إلى رهينة للخرافات الفارسية، متعمدين الرفع من مكانة العرق الفارسي والحط من العرب، ولهذا كله تفشت ظاهرة الشعوبية التي استهدفت العنصر العربي، ولعل عصر التفكك العباسي والانحطاط الذي تلاه كان بسبب تلك الفاشية الفارسية وأثرها المُعِيق على الثقافة والتطور العربي.
التاريخ لا يكذب
يؤكد الباحث شاكر مجيد الشطري في كتابه تأريخ الإمبراطورية الفارسية أن سابور هو من بدأ أولى حروبه ضد العرب في أرض السواد أو العراق فأهلكهم قتلاً وتعذيبًا، وتعمد أذاهم وإخراجهم من بلادهم، خاصة قبيلة إياد، على هذا الوضع الحاقد تمكن سابور من الفتك بالعرب، وقتل من إياد وتميم خَلْقًا كثيرًا، وشنت جيوشه حملات إبادة ففر بعضهم إلى الروم وبعضهم إلى شرق الجزيرة العربية، ثم عاد إلى ديار بكر وفتك بهم أيضًا، ثم إلى اليمامة متعمقًا داخل الجزيرة العربية، ومن يخالفه يخلع أكتافه، لذلك سُمي بذي الأكتاف، ويقال إنه كان يصلبهم من أكتافهم على الجبال.
الفرس... لو لم يفتح العرب ديارهم لظلوا على عبادة النار حتى اليوم.
كما يقول الدكتور جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: “يذكر أهل الأخبار أن سابور إنما لقب بذي الأكتاف؛ لأنه خلع أكتاف العرب”، وهو لا يستبعد خلع سابور لأكتاف العرب، فقد كان مثل هذا التعذيب القاسي المؤلم معروفًا في تلك الأيام.
وفي كتاب العرب قبل الإسلام وأحوالهم السياسية والدينية وأهم مظاهر حضارتهم، يقول المؤلف محمود عرفة محمود: “كانت قوافل الفرس المارة بالجزيرة العربية إلى بلاد الشام، القادمة من مصر إلى الصين سببًا في ثراء زعماء القبائل الذين يعملون من أجل خدمتها وراحتها وحراستها حتى تصل آمنة إلى أهدافها، فكانت لطائم الفرس ترسل إلى الحيرة في حراسة رجال من الفرس ثم يستلم بنو تميم هذه المهمة في داخل أرجاء الجزيرة، وتظل في تقدمها حتى تخرج عن دائرة حمايتها إلى قبيلة أخرى وهكذا نظير أجر معلوم”.
العرب في نظر كسرى
في حوارٍ نقله المؤرخون بين النعمان بن المنذر الملك العربي وبين كسرى، وصف الملك الفارسي العرب قائلاً: “يا نعمان لقد فكرت في أمر العرب وغيرهم من الأمم ونظرت في حالة من يقدم علي من وفود الأمم فوجدت للروم حظًا في اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها، وأن لها دينًا يبين حلالها وحرامها ويرد سفيهها ويقيم جاهلها، ورأيت للهند نحوًا من ذلك في حكمتها وطِبِّها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها وعجيب صناعتها وطيب أشجارها وكثرة عددها، وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وأن لها ملكًا يجمعها، ولم أر للعرب شيئًا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة، ومع أن مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلون أولادهم من الفاقة، ويأكل بعضهم بعضًا من الحاجة، قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها، فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها، وإن قرى أحدهم ضيفًا عدها مكرمة، وإن أطعم أكلة عدها غنيمة، تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم، ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس”.
- جواد علي، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4 (بيروت: دار الساقي، 2001).
- شاكر الشطري، تأريخ الإمبراطورية الفارسية القديمة (بغداد: مكتبة العميد، 2015).
- عبدالوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2013).
المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين:
الحقائق والإنصاف يقتضيان تسميته: "الخليج العربي"
اعتاد الفرس نظرة الاستعلاء على الآخرين والغطرسة الممجوجة على الشعوب المجاورة لهم، خاصة العرب، فإيران ترى لها الحق في السيطرة على الخليج العربي، وتعتبر سواحله الغربية أنها كانت مستعمرات تابعة لمملكة الفرس قبل الاسلام. كما يصرّ الفرس على تسمية الخليج بالفارسي، ويُدَلِّسون بأنها التسمية الوحيدة الذي تُسمى الخليج بها، رغم أن القاطنين على الساحلين الغربي والشرقي من الخليج هم قبائل عربية أصيلة توزعت على ضفافه منذ القدم على هيئة مدن ساحلية ومرافئ بحرية، حتى أن بادية العرب ترعى الصحاري المشرفة عليه. ولو أمعنا النظر في التسمية الحقيقية للخليج لو جدنا أن العرب قديمًا قد سمَّوه خليج البصرة وخليج عمان وخليج البحرين وخليج القطيف وبحر القطيف وخليج الحسا؛ لأن هذه الأماكن كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه، وتسيطر على مياهه، ومنه تتصل بالعالم شرقًا وغربًا.
والواقع أن الخليج العربي شهد العديد من التسميات على مر العصور، فأقدم اسم عُرِفَ به الخليج هو “أرض الإله” قبل ثلاثة آلاف سنة، ثم أصبح يعرف بـ “بحر الشروق الكبير” حتى الألف الثاني قبل الميلاد، وسمي أيضاً بـ”بحر بلاد الكِلدان” في الألف الأولى قبل الميلاد؛ إذ كانت للكِلدان مملكة في بلاد الرافدين، وسماه الأشوريون والبابليون أيضًا بـ “البحر الجنوبي” أو “البحر السفلي”، كما سمعي أيضا في بعض المراجع بــ”البحر المر”.
وعند الرجوع إلى بعض المصادر التاريخية الكلاسيكية القديمة نجد أنه في مدة من التاريخ كان يسمى بالخليج الفارسي، وذلك ليس لأحقيتهم بتلك التسمية بل لعدم معرفة الجغرافيين والرحالة آنذاك بما هو موجود على ضفة الخليج الغربية، وأول من أطلق عليه اسم بحر فارس هو الإسكندر الأكبر، ذلك بعد رحلة موفدة أمير البحر نياركوس سنة (326 ق.م)، والذي عاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الشرقي للخليج في أطراف بلاد فارس، حيث كان الإسكندر بانتظاره، فلم يكن يعرف شيئًا عن السواحل العربية من الخليج، الأمر الذي دعا الإسكندر إلى أن يطلق على الخليج الفارسي. والذي قد خرج عن هذه التسمية المؤرخ الروماني بليني بلينيوس الأصغر في القرن الأول من الميلاد، وقال إن “المحمرة مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي”.
تمسَّك الفرس والإنجليز بخطأ نياركوس حين أطلق على الخليج "الفارسي".
وتعود تسمية الخليج بـ “بحر البصرة” إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والنحويون الأوائل يستعملونها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي 160هـ) كما استعملها الجغرافيون العرب مثل ياقوت الحموي والمؤرخون مثل خليفة بن خياط والإمام الذهبي، وإن كان اسم بحر فارس شائعاً كذلك في العصر الإسلامي، خاصة بين المسلمين الفرس. حتى أن البعض قد يستعمل الاسمين معاً. وفي العصر العباسي أسماه بعض العرب بخليج العراق، لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة؛ إذ ظلت تسمية الخليج العربي معروفة منذ ما قبل الإسلام، واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها. ويتحدث المؤرخ العراقي مصطفى جواد عن خليج البصرة فيقول: “الخليج هو خليج البصرة وقد دعاه بعض المؤرخين الغربيين بالفارسي؛ لأن أكثر أولئك المؤرخين والرحالة الغربيين كانوا يهدفون إلى عبوره من الجانب العربي إلى الفارسي، وليس العكس، والهدف هو الذي يفرض التسمية، فعندما تكون في بغداد مثلاً وتريد الطريق الذي يؤدّي إلى البصرة فإنك تقول أو تسمّيه طريق البصرة، أمّا إذا كنت في البصرة وتريد الطريق المؤدّي إلى بغداد، فإنك تسمّيه طريق بغداد، وهكذا كان الأمر بالنسبة للخليج عندما كان الهدف منه العبور والوصول إلى البصرة؛ فتكون التسمية خليج البصرة وهي نهاية الخليج العليا، أمّا من يسلكه من الجانب الفارسي ويريد الجانب العربي؛ فهو خليج البصرة، وخصوصا لعموم سكّان فارس والهند ومناطق باكستان الحاليّة، وأكثر ما يُروى عن المنطقة هو ما يُروى عن صيد اللؤلؤ وصناعة السفن والأساطيل التي تمر الخليج قديمًا وحديثًا إلى الهند والصين وأندونيسيا والفلبين وجزر سليمان وجلب الأخشاب من جاوة، وغير ذلك كثير ومازال سكان الهند والباكستان يحتفظون ببعض الصلات التي تربط بعضهم بأهالي الخليج والمنطقة والبصرة” .
وفي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي جاب الرحالة كارستن نيبور الجزيرة العربية ومر بالخليج وقال: “لا أستطيع أن أمر بصمت مماثل، بالمستعمرات الأكثر أهمية، التي رغم كونها منشأة خارج حدود الجزيرة العربية، هي أقرب إليها. أعني العرب القاطنين الساحل الجنوبي من بلاد الفرس، المتحالفين -على الغالب- مع الشيوخ المجاورين، أو الخاضعين لهم. وتنفق ظروف مختلفة لتدل على أن هذه القبائل استقرت على الخليج الفارسي قبل فتوحات الخلفاء، وقد حافظت دوماً على استقلالها. ومن المضحك أن يصور جغرافيونا جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس، بينما لم يتمكن هؤلاء الملوك قط من أن يكونوا أسياد ساحل البحر في بلادهم الخاصة. لكنهم تحملوا -صابرين على مضض- أن يبقى هذا الساحل ملكًا للعرب”.
ومن يسبر أغوار الوثائق الأجنبية سواء أكانت البريطانية أم الفرنسية سوف يجد أن هناك تنافسًا استعماريًّا واضح المعالم على تسمية الخليج، فالبريطانيون أسموه خليج فارس، بينما أسماه الفرنسيون بالخليج العربي، وهو ما سارت عليه إيران التي خضعت لعلاقات ودية واتفاقيات ومصالح مشتركة مع البريطانيين، وأثبتت ما أثبته المستعمر البريطاني، فلو كانت الغلبة للفرنسيين لأسموه الخليج العربي تماشيًا مع ما تريده تلك القوى. وبدأ بعض الباحثين الغربيين في القرن العشرين يتخلون عن التسمية الفارسية للخليج. ومن أولئك المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين، الذي زار الخليج العربي وأصدر عنه سنة (1957م) كتابًا بعنوان الفقاعة الذهبية وثائق الخليج العربي، وقد روى فيه أنه زار الخليج العربي وهو يعتقد أنه خليجًا فارسيًّا؛ لأنه لم ير على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم. ولكنه عندما تعرف عن كثب على الخليج؛ أيقن بأن الأصح تسميته بـ “الخليج العربي”؛ لأن أكثر سكان سواحله من العرب، وقال: “إن الحقائق والإنصاف يقتضيان تسميته بـ”الخليج العربي” .
كما يرى الكاتب الفرنسي ميشال فوشيه في كتابه “تخوم وحدود”؛ أن الخليج الذي سمي الخليج الفارسي بسبب النفوذ القوي والتاريخي لإيران، وجد دعمًا من الاستراتيجية الأمريكية زمن الشاه، القائمة على دعم الشاه وجيشه لتحقيق الأمن الإقليمي في حماية النفط. فالخلاف بين العرب والإيرانيين ليس مجرد خلاف لفظي/اسمي. وإنما هو خلاف يعكس صراعًا سياسيًّا وقوميًّا ذا أبعاد ومضامين استراتيجية، خلاصتها من له الهيمنة على الخليج، على مياهه وجزره ونفطه، ومواقعه الاستراتيجية، وأمنه وثرواته. وهذه في الحقيقة تتماشى مع رغبة إيران الحقيقية بالهيمنة على الخليج العربي بالسيطرة على مياهه ونفطه وموقعه الاستراتيجي.
- قدري قلعجي، الخليج العربي بحر الأساطير (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1992).
- محمود شاكر، موسوعة تاريخ الخليج العربي (عمّان: دار أسامة لنشر والتوزيع، 2005).
- سيد نوفل، الأوضاع السياسية لإمارات الخليج العربي وجنوب الجزيرة (القاهرة: جامعة الدول العربية، 1961).
- كارستن نيبور، رحلة نيبور إلى الجزيرة العربية، ترجمة: منير عريش (الرياض: مكتبة الملك عبد العزيز العامة، د.ت).
- نبيل خليفة، الصراع العربي الفارسي (مركز بيبلوس للدراسات، 2018).
- Roderic Owen, The Golden Bubble: Arabian Gulf Documentary (London: Collins, 1957).
الجزر الإماراتية الثلاث:
احتلها الفرس بتواطؤ غربي
نجح الفرس في إسقاط أربعة عواصم عربية -عمليًّا- في قبضتهم، ما يدلل على مواصلة حكام إيران في تنزيل استراتيجية إخضاع الدول العربية بالارتكان إلى تكتيكات خبيثة تمتح من الدين وتُطوع النص؛ خدمةً لأجندة عرقية صلبة تحترف المذهب خدمة لأهداف العرق.
إن تأثر الفرس بالنزعة القومية المتعصبة، جعلتهم “يتوقون، بشتى الوسائل والأساليب، إلى إحياء مجد الإمبراطورية الفارسية القديمة”. ولعل ما ساعد على نجاح الفرس في إخضاع بعض الأراضي العربية وجود “طرف ثالث” إما داخلي أو خارجي متواطئ على بلادنا لصالح إيران، مقابل مجموعة من الامتيازات والتنازلات التي اجتهدت طهران في تقديمها.
كان دائمًا هناك طرفٌ ثالثٌ، داخلي أو خارجي" يتواطأ على البلاد العربية لصالح إيران.
لقد شكل احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى وأبو موسى) تجسيدًا ماديًّا للتغلغل الإيراني في جزيرة العرب، بالنظر إلى موقعها الجيوستراتيجي المهم وإمكانياتها الطاقية والمعدنية بالإضافة إلى كونها قاعدة متقدمة لمحاولة وضع اليد على دول أخرى في المنطقة.
وإذا كان كثير من العوام يعتبرون “بعض” الجزر الصغيرة ليست بتلك الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، فذلك راجع إلى غياب الإلمام ببعض التفاصيل المهمة خاصة تلك المتعلقة بقانون البحار، الذي يعطي مجموعة من الامتيازات للدول التي تمارس سيادتها (وليس إدارتها) سواء على الجزيرة أو على المياه الإقليمية، وكذا الجرف القاري والذي قد يمتد إلى آلاف الأميال البحرية.
إن الأهمية الجيوستراتيجية للجزر الإماراتية الثلاث تكمن في موقعها ذي الأهمية البالغة بكونها نُقطة مراقبة قوية على سواحل العراق وإيران وباقي دول الخليج العربي “وهي تفوق في أهميتها موقع مضيق هرمز نفسه الذي يطل فقط على ساحل المضيق. كما لا تقل أهمية عن طنجة وجبل طارق ومدخل البحر الأبيض المتوسط، وعن عدن في مدخل البحر الأحمر. ولذلك فإن أي قوة تستطيع فرض سيطرتها عليها فإنها سوف تتحكم في المجالات السياسية والعسكرية والتجارية ولن تستطيع أي قوة أخرى الإفلات من مراقبتها”.
لقد كان للموقف البريطاني، المتواطئ تارة، والملتبس أخرى، دور كبير في تشجيع إيران على بسط سيطرتها على الجزر الإماراتية الثلاث “فظهر الادعاء الإيراني الأول بهذه الجزر العربية سنة 1904م، وتحركت السفينة الإيرانية مظفرى في تلك السنة باتجاه جزر طنب وأبو موسى، وعليها أحد موظفي جماركها وهو بلجيكي، فأنزل علم الشارقة ورفع العلم الإيراني بدلا منه”.
ويمكن القول بأن إطلالة سريعة على خريطة المنطقة تقطع بأن إيران نجحت -ولو مؤقتًا- في جعل الخليج العربي بين فكي كماشة، ومن ثم التحكم في جزء كبير من الملاحة البحرية التي تمر عبر مضيق هرمز. ولعل هذه “الأداة الاستراتيجية” هي التي تلجأ إليها إيران من خلال التهديد بإغلاق مضيق هرمز، ومن ثم إيقاف 40 بالمائة من إمدادات النفط في العالم، بالإضافة إلى باقي صادرات وواردات دول الخليج العربي.
إن أهمية الجزر الإماراتية الثلاث لا تنحصر فقط فيما هو استراتيجي أو ارتباطه بالملاحة البحرية والميزان التجاري العالمي، بل أيضا لما تتوافر في هذه الجزر من خيرات طبيعية وإمكانات طاقية مهمة. ومن ذلك ” ثروات معدنية في باطنها من معادن أكسيد الحديد في جزيرة أبو موسى بالإضافة إلى صخور الجرانيت المشعة في جزيرة صري”.
ويمكن القول بأن ما اجتمع في الجزر الإماراتية الثلاث قلما يجتمع في منطقة أخرى، حيث التقت الأهمية الاستراتيجية والعسكرية، مع الأهمية الاقتصادية والتجارية بالإمكانات الطبيعة والطاقية الذاتية. وهو ما يجعل من استمرار احتلالها تهديدًا جديًّا للأمن القومي الخليجي، وفي نفس الوقت سيؤدي استرجاعها -لا محالة- إلى قلب موازين القوى في المنطقة.
وإذا كان الحل العسكري غير مطروح -على الأقل في سياق البيئة الاستراتيجية الحالية- فمن الممكن أن تتغير المعادلة السياسية في إيران وينجح الأحواز في الحصول على استقلالهم وعند ذلك ستتغير موازين القوى في المنطقة.
إن التراكمات الداخلية، يمكنها أن تساهم في خلق بيئة استراتيجية جديدة تعيد الأمور إلى نصابها وتساهم في خلق تجانس عرقي وتعاون عربي-عربي بين عدوتي الخليج العربي بما يخدم الحقوق التاريخية للأحواز، ويساهم في تنمية أقاليمهم التي استباحها الفرس في ظل استعلاء عرقي لا ينظر بعين الرضا إلى العرب الأحواز رغم وحدة المذهب. وهو ما يقطع بأن المكون العربي لم يكن يومًا ما مرحبًا به عند الفرس، ومن ثم وجب بلورة استراتيجية ذكية تعيد الأمور إلى ما قبل سنة (1925).
- خالد القاسمي، الجزر الثلاث بين السيادة العربية والاحتلال الإيراني (الشارقة: د.ن، 1997).
- خليل الجسمي، السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة حيال الجزر العربية الثلاث المحتلة، رسالة الماجستير، جامعة الشرق الأوسط، المملكة الأردنية الهاشمية (2013).
- محمد العيدروس، الجزر العربية والاحتلال الإيراني: نموذج للعلاقات العربية-الإيرانية (الإمارات: دار العيدروس، 2002).
- نوفان السوارية وإبراهيم الشرعة، “عروبة الجزر الإماراتية الثلاث”، مجلة دراسات، ع. 2 (2005).