الجزر الإماراتية الثلاث:

احتلها الفرس بتواطؤ غربي

نجح الفرس في إسقاط أربعة عواصم عربية -عمليًّا- في قبضتهم، ما يدلل على مواصلة حكام إيران في تنزيل استراتيجية إخضاع الدول العربية بالارتكان إلى تكتيكات خبيثة تمتح من الدين وتُطوع النص؛ خدمةً لأجندة عرقية صلبة تحترف المذهب خدمة لأهداف العرق.

إن تأثر الفرس بالنزعة القومية المتعصبة، جعلتهم “يتوقون، بشتى الوسائل والأساليب، إلى إحياء مجد الإمبراطورية الفارسية القديمة”. ولعل ما ساعد على نجاح الفرس في إخضاع بعض الأراضي العربية وجود “طرف ثالث” إما داخلي أو خارجي متواطئ على بلادنا لصالح إيران، مقابل مجموعة من الامتيازات والتنازلات التي اجتهدت طهران في تقديمها.

كان دائمًا هناك طرفٌ ثالثٌ، داخلي أو خارجي" يتواطأ على البلاد العربية لصالح إيران.

لقد شكل احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى وأبو موسى) تجسيدًا ماديًّا للتغلغل الإيراني في جزيرة العرب، بالنظر إلى موقعها الجيوستراتيجي المهم وإمكانياتها الطاقية والمعدنية بالإضافة إلى كونها قاعدة متقدمة لمحاولة وضع اليد على دول أخرى في المنطقة.

وإذا كان كثير من العوام يعتبرون “بعض” الجزر الصغيرة ليست بتلك الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، فذلك راجع إلى غياب الإلمام ببعض التفاصيل المهمة خاصة تلك المتعلقة بقانون البحار، الذي يعطي مجموعة من الامتيازات للدول التي تمارس سيادتها (وليس إدارتها) سواء على الجزيرة أو على المياه الإقليمية، وكذا الجرف القاري والذي قد يمتد إلى آلاف الأميال البحرية.

إن الأهمية الجيوستراتيجية للجزر الإماراتية الثلاث تكمن في موقعها ذي الأهمية البالغة بكونها نُقطة مراقبة قوية على سواحل العراق وإيران وباقي دول الخليج العربي “وهي تفوق في أهميتها موقع مضيق هرمز نفسه الذي يطل فقط على ساحل المضيق. كما لا تقل أهمية عن طنجة وجبل طارق ومدخل البحر الأبيض المتوسط، وعن عدن في مدخل البحر الأحمر. ولذلك فإن أي قوة تستطيع فرض سيطرتها عليها فإنها سوف تتحكم في المجالات السياسية والعسكرية والتجارية ولن تستطيع أي قوة أخرى الإفلات من مراقبتها”.

لقد كان للموقف البريطاني، المتواطئ تارة، والملتبس أخرى، دور كبير في تشجيع إيران على بسط سيطرتها على الجزر الإماراتية الثلاث “فظهر الادعاء الإيراني الأول بهذه الجزر العربية سنة 1904م، وتحركت السفينة الإيرانية مظفرى في تلك السنة باتجاه جزر طنب وأبو موسى، وعليها أحد موظفي جماركها وهو بلجيكي، فأنزل علم الشارقة ورفع العلم الإيراني بدلا منه”.

ويمكن القول بأن إطلالة سريعة على خريطة المنطقة تقطع بأن إيران نجحت -ولو مؤقتًا- في جعل الخليج العربي بين فكي كماشة، ومن ثم التحكم في جزء كبير من الملاحة البحرية التي تمر عبر مضيق هرمز. ولعل هذه “الأداة الاستراتيجية” هي التي تلجأ إليها إيران من خلال التهديد بإغلاق مضيق هرمز، ومن ثم إيقاف 40 بالمائة من إمدادات النفط في العالم، بالإضافة إلى باقي صادرات وواردات دول الخليج العربي.

إن أهمية الجزر الإماراتية الثلاث لا تنحصر فقط فيما هو استراتيجي أو ارتباطه بالملاحة البحرية والميزان التجاري العالمي، بل أيضا لما تتوافر في هذه الجزر من خيرات طبيعية وإمكانات طاقية مهمة. ومن ذلك ” ثروات معدنية في باطنها من معادن أكسيد الحديد في جزيرة أبو موسى بالإضافة إلى صخور الجرانيت المشعة في جزيرة صري”.

ويمكن القول بأن ما اجتمع في الجزر الإماراتية الثلاث قلما يجتمع في منطقة أخرى، حيث التقت الأهمية الاستراتيجية والعسكرية، مع الأهمية الاقتصادية والتجارية بالإمكانات الطبيعة والطاقية الذاتية. وهو ما يجعل من استمرار احتلالها تهديدًا جديًّا للأمن القومي الخليجي، وفي نفس الوقت سيؤدي استرجاعها -لا محالة- إلى قلب موازين القوى في المنطقة.

وإذا كان الحل العسكري غير مطروح -على الأقل في سياق البيئة الاستراتيجية الحالية- فمن الممكن أن تتغير المعادلة السياسية في إيران وينجح الأحواز في الحصول على استقلالهم وعند ذلك ستتغير موازين القوى في المنطقة.

إن التراكمات الداخلية، يمكنها أن تساهم في خلق بيئة استراتيجية جديدة تعيد الأمور إلى نصابها وتساهم في خلق تجانس عرقي وتعاون عربي-عربي بين عدوتي الخليج العربي بما يخدم الحقوق التاريخية للأحواز، ويساهم في تنمية أقاليمهم التي استباحها الفرس في ظل استعلاء عرقي لا ينظر بعين الرضا إلى العرب الأحواز رغم وحدة المذهب. وهو ما يقطع بأن المكون العربي لم يكن يومًا ما مرحبًا به عند الفرس، ومن ثم وجب بلورة استراتيجية ذكية تعيد الأمور إلى ما قبل سنة (1925).

  1. خالد القاسمي، الجزر الثلاث بين السيادة العربية والاحتلال الإيراني (الشارقة: د.ن، 1997).
  2. خليل الجسمي، السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة حيال الجزر العربية الثلاث المحتلة، رسالة الماجستير، جامعة الشرق الأوسط، المملكة الأردنية الهاشمية (2013).
  3. محمد العيدروس، الجزر العربية والاحتلال الإيراني: نموذج للعلاقات العربية-الإيرانية (الإمارات: دار العيدروس، 2002).
  4. نوفان السوارية وإبراهيم الشرعة، “عروبة الجزر الإماراتية الثلاث”، مجلة دراسات، ع. 2 (2005).