"النظرة الاستعلائية للفرس والشعوبية ضد العرب"
استخدم الفرس استراتيجية خاصة في تعاملهم وصراعهم مع العرب، فالفرس لم يتقبلوا العرب في التاريخ القديم، فكيف يتقبلونهم بعد أن نزلت الدعوة بين ظهرانيهم، لذا نجد أن كسرى المجوس عندما أرسل إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، استشاط غضبًا، فَمزَّق كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فالحقيقةُ أن الانتصار العربي الإسلامي أحدث استفزازاً لدى الفرس؛ لذا فتشوا عن سر انتصار العرب، وحاولوا فهم كيفية استطاعة دولة العرب الفتية -بإمكاناتها المحدودة- إسقاطها الإمبراطورية الفارسية. واكتشفوا أن السبب في ذلك يعود إلى العقيدة والقيادة المخلصة للدين، لذا اتجهوا إلى ابتكار وسائل وطرق مختلفة تستهدف العقيدة الإسلامية والقيادة. وجاءت عمليات الفتح الإسلامي لبلاد فارس بأثرها العميق في النفسية والعقلية الفارسية المجوسية، والتي أحدثت بدورها عُقدة نفسيّةً مؤلمةً هي ”المجدُ الخالد للفرس”، فالفرس حتى ذلك التاريخ كانوا يحسَبون أنهم سادة العالم، وارتبطت في العقلية الفارسية -منذ القدم- الرغبة في السيطرة، بل التفرد بها، ونفوذها السياسي يسيطر على أراضي إيران، والعراق، وشرق الخليج العربي، وبعضِ غربه، واليمن، وقد خلق ذلك للفرس ما يمكن تسميته بــ”النظرة الاستعلائية” على كل الشعوب بمن فيهم العرب.
والحقيقة أن الفرس ظلوا منذ اللحظة الأولى وحتى الآن يرفضون الاندماج الكامل في الهوية الإسلامية الجامعة، وسعت دولهم عبر التاريخ – وبصوره دائمة، ولا تزال- إلى الثأر من هزيمتها التاريخية أمام العرب، بعد أن فشلت جهودهم العسكرية في التصدي للعرب المسلمين، فنجد أن الفرس المجوس اتخذوا منهجاً آخر لمقاومة الدين الجديد والقائمين على نشره من خلال ما عرف بالحركة الشعوبية التي تمثل واحدة من فصائل مخطط المؤامرة على الإسلام، وقد عمدت الشعوبية إلى مهاجمة العرب حَمَلَةِ لواء الإسلام، وأصحاب الدولة الإسلامية، في تاريخهم وأسلوب حياتهم، ومهاجمة التاريخ الإسلامي، واللغة العربية، والطعن في أصول القيم الإسلامية، ولعل أول من جاهر بفكرة الشعوبية الخبيثة شاعر يدعى إسماعيل بن يسار، وهو مولى بني تيم بن مرة ، فارسي الأصل، عاش أواخر عهد الدولة الأموية ولم يدرك عهد الدولة العباسية، واشتُهِر بشدة تعصبه للعجم وكثرة الفخر بهم وبمآثرهم.
ولو استعرضنا معظم الثورات في تاريخ الدولة الأموية لوجدنا أن للفرس موطأ قدم داعمًا لتلك الثورات بهدف الإخلال بسيادة الدولة الإسلامية، بدءا بمشاركتهم فيها ضد الخليفة عبد الملك بن مروان، ومشاركتهم بقوة في ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرها.
وقد كان لهم دور مهم في نشر الدعوة العباسية في بدايتها ليس حبًّا في العباسيين وإنما انتقامًا من العرب، وشق صَفِّهم ووحدتهم، ولا نغفل هنا ما قام به أبو مسلم الخراساني، الذي نشر الدعوة العباسية مصطبغة بالعقائد والمبادئ الفارسية تحت قناع الدين، ومبادئ العدل والمساواة. فالشعوبية كما يصفها لنا ابن قتيبة بقوله: “إن الشعوبية نتيجة الحسد وهي تدفع العرب عن كل فضيلة وتلحق بها كل رذيلة، وتغلو في القول، وتسرف في الذم .. وتكاد تكفر ثم يمنعها السيف..” .
وقد حمل لواء الشعوبية شعراء ممتازون، فصانوا لسانها الحاد وسلاحها المسلول، وأبواقها المفتوحة، وكانوا يجاهرون بالعداء ومناصبة العرب ولا يخافون أحدًا، أو كانوا يستترون وراء أقنعة اللغة والأدب، ولعل من أبرز الشعراء شعوبية للفرس الشاعر بشار بن برد الضرير الفارسي الأصل، والذي أظهر ما في باطنه من معتقد مجوسي فهو القائل:
الأرض مظلمة والنار مشرقة والنار معبودة مذ كانت النار
ويأتي من على شاكلته الشاعر أبو نواس، الذي كان ميله واضحا للفرس، ومدحه لهم، وعشرته معهم، جعلته يستهجن عيش العرب في البادية، ويؤثر عليها الترف الفارسي والحضارة الفارسية. ومن شعره الذي نحا فيه بغض العرب والثلب والطعن فيهم ومدحه للفرس قوله:
يَبكي على طللِ الماضين من أسَدٍ لا دَرَّ دَرُّكَ قُلْ لِي مَن بنو أسدِ
ومَنْ تَمِيمٌ ومَنْ قَيْسٌ ولَفُّهُمَا ليس الأعاريبُ عندَ اللِه من أحدِ
ويمتدح الفرس بقوله أيضا:
وَلِفارِسِ الأَحرارِ أَنفَسُ أَنفُسٍ وَفَخارُهُم في عِشرَةٍ مَعدومُ
ولعل من أعلام الشعوبيين في العهد العباسي سهل بن هارون بن رامنويه الدستميساني، والذي كان في خدمة المأمون العباسي وصاحب خزانه الحكمة في بغداد، والذي وصفه بعض المؤرخين بأنه ” فارسي الأصل شعوبي المذهب شديد العصبية على العرب”.
ولا زال ديدن الفرس إلى يومنا الحاضر الانتقاص من العرب ومحاولة الطعن فيهم بأساليب وطرق خبيثة، ولعل ما نسمع عنه ونشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي عن معاملة الزوار العرب لإيران الجمهورية خير دليل على ذلك، فهم غير مرحب بهم دائمًا بل هم عرضة للطرد من الفنادق والمطاعم والمزارات السياحية، بُغْضًا لكل من هو عربي.