اتخذ قراصنة الترك الإسبان ذريعةً للقضاء على الدولة الحفصية
يوم دخلت تونس نفق الظلم والاحتلال العثماني
لم يترك العثمانيون بلدًا إلا دمروه، أعينهم دائمًا تبحث عن المدن المستنيرة التي تتميز بدور معرفي وموقع استراتيجي مهم، ليسيطروا عليها ويُطفِئوا نورها، ويجردوها من كل فضل وميزة، كأن العداء للعرب أمر يتوارثوه ويتأسسون عليه.
هكذا نظر سلاطين آل عثمان وقراصنتهم إلى تونس، الواقعة شرق المغرب، المميزة بموقعها الذي أسهم بدوره في أهميتها الاستراتيجية، إضافة إلى توسطها بين الجزائر وليبيا، فضلاَ عن الإمكانيات الهائلة التي توفرها موانئها في التحكم بالمواصلات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، مع ما حباها الله من خصائص طبيعية وبشرية. فهي تمثل أبعد أجزاء بلاد المغرب والقارة الإفريقية نحو الشمال، إذ يفصلها عن جزيرة صقلية أقل من 140 كيلو متراً، وعن جزيرة سردينيا أقل من 200 كيلو متر، كما أن خط العرض 37 يشق شمالها، فيمتد إلى جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية وجزيرة صقلية وشبه جزيرة البيلوبوناز، وكانت بموقعها هذا على إحدى ضفتي مضيق صقلية، مطمع الدول الاستعمارية منذ القدم.
أدى الموقع الجغرافي لتونس وموانئها على البحر الأبيض المتوسط إلى جعلها مقصدًا للطامعين من القوى الاستعمارية، وعلى رأسهم العثمانيون.
تميزت السواحل الشرقية التونسية بأنها آمنة مضيافة في معظمها، وليست عُرضة للزوابع كجيرانها فخلجانها منفتحة على بحر هادئ يشجع على وصول الوافدين إليها، كل تلك الظروف الطبيعية والتضاريسية جعل منها الأرض الموعودة للغزاة والطامعين عبر العصور.
ومن أولئك الغزاة، الأتراك الطامحون في تحقيق أطماعهم واحتلالها كالأخويين بربروسا، ففي القرن الخامس عشر الميلادي كان القراصنة الأتراك يقومون بنشاطاتهم على سواحل أفريقيا الشمالية، وقسم منهم كانوا يعمل لحسابه الخاص، والآخر لصالح العثمانيين، وكان هدفهم من ذلك الغنائم والأسلاب، ومنهم عروج وأخوه خير الدين أبرز قراصنة البحر.
وكان للأخوين دور في الغزوات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، ومهاجمة السفن الأوروبية وإرعابها خلال القرن السادس عشر الميلادي، بل وأسهما في تسهيل وصول العثمانيين لاحتلال أجزاء من شمال أفريقيا مثل تونس والجزائر وغيرها، وانتهى المقام بهما بالرسو في جزيرة جربة مقابل الشواطئ التونسية، ومنها اتصلا بالسلطان الحفصي في تونس وأقنعاه بالسماح لهما بالرسو في ميناء حلق الوادي الشهير على أن يتخذاه قاعدة لهما للانطلاق لمعاركهما البحرية، وأن يدفعان للسلطان الحفصي خمس ما يحصلان عليه من الغنائم.
وكعادة ولاة العثمانيين الذين ينقضون العهود، ويكتمون النوايا الخبيثة، عمل الأخوان بربروسا على دق آخر مسامير عرش الحفصيين في تونس، مما دعاهم إلى البحث عن مخرج لهم للبقاء في سدة الحكم، وكان الحل استغلال وجود الإسبان في تونس، بحجة إخراجهم منها، والواقع خلاف ذلك، فما لم يعلنوه أنهم كانوا يهيئون لوصول الأتراك إلى سواحل شمال أفريقيا، ويبدو ذلك واضحًا لا لبس فيه، عندما استدعى السلطان سليمان القانوني سنة (1533) خير الدين بربروسا إلى إسطنبول وقدّم إليه الدعم الكامل من أجل احتلال تونس، وإنهاء حكم الحفصيين الحكام الشرعيين فيها، وتحويلها إلى ولاية عثمانية، والحقيقة إذا كانت القلنسوة الإسبانية قد خرجت فقد حلت مكانها العمامة التركية.
- مذكرات خير الدين بربروسا، ترجمة: محمد دراج (الجزائر: شركة الأصالة، 2010).
- عبدالمنعم الجميعي، الدولة العثمانية والمغرب الغربي (القاهرة: دار الفكر العربي،2007).
- محمد الهادي الشريف، تاريخ تونس من عصور ما قبل التاريخ إلى الاستقلال، ترجمة: محمد الشوش ومحمد عجينة، ط3 (تونس: دار سزاس، 1993).
- العباسي محمد، “التعريف بمخطوط: خبر قدوم عروج إلى الجزائر وأخيه خير الدين لمؤلفه خير الدين بربروس”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة نواكشوط، نواكشوط: ع.8 (2016).
- عبد الحميد هنية، تونس العثمانية، ط2 (تونس: تبر الزمان، 2012).
- المنصف التايب، “المجال والسلطة في البلاد التونسية خلال العهد العثماني”، مجلة روافد، تونس: ع. 4 (1998).