عنصريتهم أقصت الميديين واعترفت بالإخمينيين

أساطير ثقافة الفرس وتاريخهم

عُرف الفُرس في تاريخهم القديم بأنهم الشعوب التي تقطن إيران الحالية، والتي يُطلق عليها بلاد فارس نسبةً إليهم. وبحسب المرويات والمدونات؛ فإن تاريخهم اختلط بالأساطير في كثيرٍ من تفاصيله، خاصةً قبل أن يؤسسوا دولتهم في التاريخ القديم. والفرس مجموعة شعوب آرية، يتحدثون اللغة المنسوبة إليهم؛ التي يصنفها علماء اللغويات ضمن مجموعة اللغات الهندوأوروبية.

وأولى تلك الأساطير التي صاغت بدايات الفرس؛ تحدثت عن السلالة البشدادية، التي تدعي أن مؤسسها كيومرث، وكعادة الفرس في نسج الخيالات؛ فإنهم ربطوا بين كيومرث وسيدنا آدم عليه السلام، بأنهما شخص واحد، وهذا بحسب الادعاءات الزرادشتية التي تُعد منطلقًا للأساطير الفارسية، باعتبار أن الزرادشتية كانت الموجه الرئيس للثقافة الفارسية ومكوناتها، والتي لم تزل حتى اليوم تُسيطر على ثقافتهم في إيران، وترخي بظلالها على فلسفتهم في التصورات الدينية والحياتية والتاريخية.

وقبل الدخول في بدايات التاريخ الفارسي؛ فإنه لا بد من أن نعي ماهية موجهات هذا التاريخ، وكما جرت الإشارة إلى أن الزرادشتية هي الموجه الحقيقي للتصورات الفارسية، فعلى رغم أنها الزرادشتية باعتبارها فكرًا فارسيًّا نشأت في القرن السادس قبل الميلاد؛ إلا أنها أرخت بظلالها على ما قبل هذا التاريخ بصياغة تصورات وأثرت على ما بعدها إلى يومنا الحالي.  

ولكي نكون أكثر وعيًا بالزرادشتية؛ فهي الدين الذي اعتنقه الفرس القدماء، ويُنسب إلى زرادشت، الذي يُرجح أغلب المؤرخين أنه عاش في القرن السادس قبل الميلاد. ويُشار إلى أن موطنه الجغرافي في المنطقة المعروفة قديمًا بمنطقة ميديا، غرب إيران الحالية، ومن هنا يشير البعض إلى أن اللغة الأصلية لكتاب الفرس المقدس “الأبستاق” كانت اللغة الميدية القديمة التي انطلق منها زرادشت. ويطلق على كتابهم المقدس أيضًا اسم “أفستا”.

البداية الأولى للعلاقة الفارسية اليهودية كانت في عهد الدولة الإخمينية الفارسية القرن السادس قبل الميلاد.

وإيغالاً في الأسطورة الفارسية التي تحدثت عن كيومرث المؤسس، والتي تقول بأنه آدم عليه السلام؛ ربطوا بين زوجته إيلدة وحواء. ما يعني أن الثقافة الفارسية احتكرت أصل البشر في ثقافتهم، وفسروها من خلال أساطيرهم.

وتتحدث الأساطير الفارسية بأن سلالة كيومرث استمرت حتى وصل المُلك إلى جمشيد، الذي يعدُّ أكبر ملوك هذه السلالة، وإن كانت قد تراجعت بعده المملكة وانتهت، لتأتي بعدها المملكة الكيانية بأول ملكوها كيقباد.

وعطفًا على أن كل هذه المرويات في الثقافة الفارسية تعدُّ أسطورية مُصاغة بنفس ديني زرادشتي؛ فإنها ضعيفة أمام البحث والتدقيق، وغير منطقيَّة نتيجةً لكون الفرس لديهم من العنصرية لجنسهم وثقافتهم ما يلغون به الثقافات الأخرى العالمية. لذلك فإنه من يتتبع الأساطير الفارسية الكثيرة في تاريخهم القديم جدًا؛ سيجدها تتقاطع مع الأساطير اليونانية القديمة أيضًا، خاصةً مع بدايات البشر والصراع بين آلهتهم. ما يؤكد حالة المُحاكاة بين الثقافات القديمة، وتلاقحها في تفسيراتها التاريخية.

وما أن ينتهي التاريخ الفارسي القديم من الإشارة إلى المملكة الكيانية حتى يبدأ بالميديين الذين تقول التواريخ بأنهم جاؤوا جماعات بشرية هندوأوروبية في نهايات القرن الثامن قبل الميلاد، وهم من أشارت إليهم الآثار الآشورية؛ بأنهم أقوام مختلفون ومتفرقون هاجروا من بحر قزوين إلى ميديا شمال هضبة إيران، وتوسعوا وسيطروا على ما حولهم حتى أُطلق عليهم الميديين.

وقد تحدثت الكتب التاريخية اليونانية عن الميديين، ولعل أشهر من تحدث عنهم هيرودوتس، إذ يُشار إلى أن شعب ميديا الخليط هو من قضى على الدولة الآشورية. ولكن هذه المرحلة أخذت وقتًا طويلاً، حيث كانت البداية بمحاولة الآشوريين التوسع على حساب الميديين، الذين كانوا يعيشون حياةً بدوية من دون أن تجمعهم وحدة سياسية، حتى وصل بهم الأمر إلى أن يتحدوا عبر فترةٍ من التاريخ تحت قيادة دياكوس، الذي اتخذ من همدان عاصمةً له، ودخل في صراعٍ نِدِّيّ مع الآشوريين هو وخلفاؤه من بعده إلى هوخشتره الذي قوَّض مملكة آشور بعد أن تحالف مع المملكة البابلية.

وكان لسقوط الآشوريين أثرٌ في تغيير التركيبة السكانية في أراضيهم، حيث عمد الميديون إلى تهجير السكان في الأراضي الآشورية وتوطين الميديين بدلاً عنهم، خاصةً في أربيل.

ظلت الدولة الميدية حتى انتهت بقيام الدولة الأخمينية وملكها قورش الكبير سنة (550 قبل الميلاد)، الذي يعتبره الفرس جميعًا البداية الفعلية للتاريخ الفارسي. وهنا يتساءل الكثيرون عن سبب إهمال الفرس ومؤرخيهم الدولةَ الميدية واعتبارهم أن التاريخ الحقيقي الفارسي يبدأ بالدولة الأخمينية منتصف القرن السادس قبل الميلاد.

قد تكون هنالك مجموعة من الأسباب، لكن أقربها أن الفرس لديهم من العنصرية التاريخية ما يجعلهم يتجاهلون الميديين بسبب أنهم خليط من الأجناس، التي يُقال إن كثيرًا من الأمم دخلت فيهم، منهم الكُرد، لذلك يخشى الفرس أن يعتبروا الميديين فرسًا أو بدايةً للتاريخ السياسي الفارسي القديم، بينما هم يعلمون أنهم كانوا خليطًا من الأجناس غير الفارسية المهاجرة، على الرغم من أنهم أقاموا مملكتهم على أرض فارس.

وبالمناسبة فإن بعضًا من الدراسات التاريخية تؤكد بأن الشعب الكردي امتداد للشعب الميدي، ومن ثم فإن هذه الفرضية تؤكد عدم عناية الفرس بتاريخ الميديين.

كما أن هناك سببًا آخر قد يكون من مسببات عدم اعتناء الفرس بالتاريخ الميدي ؛ وهو أن الميديين تحالفوا مع البابليين سياسيًّا، واتحدوا لتقويض دولة الآشوريين، وهذا الأمر جعل قورش يعتبر البابليين أعداءً له، فالتحالف الذي كان قبله لم يكن الفرس طرفًا فيه إذا ما سلمنا بأنهم يرون أن الميديين ليسوا من نسيج الثقافة الفارسية. كما أن قورش دخل في حربٍ مع البابليين حتى أنهى دولتهم سنة (539 قبل الميلاد).

وتركيز الفرس على الأخمينية وقورش باعتباره كان توسعيًا، حيث احتلَّ بلاد ما بين النهرين وسوريا وفلسطين بعد أن أسقط البابليين، كما توسع شرق إيران حتى وصل بحر قزوين، إذ أحدث مجازِرَ عظيمة، ومذابِحَ مذكورة في التاريخ القديم. لكنه في النهاية خرَّ صريعًا في معاركه شرق إيران سنة (530 قبل الميلاد)، حيث يقال إن رأسه حُزَّ ووضع في طستٍ كنايةً على ما قام به من مجازر.

بعد أن قُتل قورش تسلم المملكة ابنه قمبيز، الذي لم يكن مختلفًا عن والده في طموحه التوسعية، إذ وصل إلى بلاد مصر بمساعدة اليهود، وفي عهده كانت البداية الفعلية للتحالف اليهودي الفارسي، لا سيما بعد أن انهى قورش قبله مسألة السبي البابلي لليهود، وأنقذهم من حالة السبي، لذلك كانت العلاقة على أحسن حال بين اليهود والأخمينيين.

استمرت الدولة الأخمينية حتى سنة (330 قبل الميلاد تقريبًا)، حيث انتهت بعد أن اصطدمت بقوات الإسكندر المقدوني، وخلال تاريخها كان لها علاقة متوترة وعنصرية مع كثيرٍ من الشعوب والمحيطين بهم.

  1. حسن الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008).

 

  1. شاهين مكاريوس، تاريخ إيران (القاهرة: مطبعة المقتطف، 1998).

 

  1. بادي بدايتي، كورش كبير (تهران: انتشارات دانشكاه، 1335هـ).

 

  1. حسن بيرنيا، تاريخ إيران القديم منذ البداية حتى نهاية العصر الساساني، ترجمة: محمد عبدالمنعم ومحمد السباعي (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1969).

 

  1. أحمد فخري، دراسات في تاريخ الشرق القديم، ط2 (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1963).