حاولوا التلاعب السياسي بقلب موازين القوى

المؤسس الملك عبدالعزيز قطع يد الغدر العثمانية التي حاولت العبث بالجزيرة العربية

مثّل انتصار الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن (طيب الله ثراه) في القصيم وتمكّنه من دحر خصومه بعد معركة روضة مهنا (1906)، وما تلاها من أحداث وتغيرات في مواقف بعض القوى المحلية جرس إنذار، دفع الدولة العثمانية أن تدق ناقوس الخطر على نفوذها في الجزيرة العربية، وعلى نفوذ تلك القوى المحلية التي خضعت للأتراك.

لذا سعى الأتراك العثمانيون لاستخدام أساليب عدة للحد من انطلاقة حركة التوحيد السعودية التي قادها المؤسس الملك عبدالعزيز، واتخذوا من أسلوب التصالح والموافقة ظاهريًّا وسيلة لذلك. بينما قاموا في الواقع بدعمٍ خفي مباشر وقوي للقوى المحلية الخانعة لهم، من أجل مقاومة الملك عبدالعزيز، وتأكيدًا على ذلك أرسل العثمانيون شحنة كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى أحد خصوم المؤسس المحليين عن طريق سكة حديد الحجاز، وحفزوا واليهم على الحجاز الشريف حسين بن علي  للقيام بتحرك عسكري ضد الملك عبدالعزيز، في محاولة منهم لخلخلة الأوضاع وقلب موازين القوى ضد الملك عبدالعزيز، ليسهلوا على أنفسهم فكرة الهجوم على السعوديين من الخليج العربي إذ كان وجودهم في الأحساء المحتلة منهم آنذاك.

كان استرداد الملك عبدالعزيز للأحساء والقطيف وإخراجه الأتراك منهما، صدمة كبيرة للدولة العثمانية وغيرها من القوى الإقليمية في المنطقة، حيث قلب بذلك موازين الأوضاع لصالح السعوديين في طريقهم للتوحيد بقوة؛ لما للأحساء من أهمية باعتبارها موقعًا استراتيجيًّا على ساحل الخليج العربي، ومَنْفَذًا إلى العالم الخارجي، وقد حاول العثمانيون إرسال قوة عسكرية من العراق بحرًا لإعادة احتلال الأحساء والقطيف، ولكن الظروف الدولية وموقفهم الضعيف المتهالك حينها منعهم من تنفيذ ذلك المخطط، ولذلك انتهج الأتراك نهجًا آخر محاولةً منهم إيجاد حل سياسي مناسب بين الطرفين، فأرسلوا وفدًا برئاسة السيد طالب النقيب والتقى في الصُبيحية بالملك عبدالعزيز في محاولة من العثمانيين لجذب الملك عبدالعزيز لصالحهم.

لم يكتف العثمانيون بالتحرك السياسي، بل ساروا في اتجاه آخر وهو دعم القوى المحلية ممن وقفوا ضد التوحيد السعودي بالمال والسلاح، كما حدث مع وهيب باشا، الذي اتفق مع الأتراك على مدّه بأربعة طوابير للزحف بها نحو الأحساء واحتلالها بعد أن استردها الملك عبدالعزيز، ولكن جاء لقاء الصُبيحية ليفسد ذلك التخطيط، والحقيقة أن العثمانيين عجزوا عن القيام بعمل عسكري تجاه الأحساء.

تظاهر العثمانيون بالمهادنة في العلن بينما دعموا الخصوم سرًّا بالأسلحة والمال.

فطن المؤسس الملك عبدالعزيز  إلى الدور التركي المزدوج، في التعامل معه بيدٍ تصافح وتتفق وأخرى تغدر من خلال دعم القوى المحلية والقبلية ضده لسنوات عديدة، ونجد ذلك واضحًا في مراسلاته العديدة المهمة، التي كشف فيها ارتباط تلك القوى المحلية والقبلية ارتباطًا وثيقًا بالأتراك العثمانيين، وتؤكدها الوثائق المحفوظة في الأرشيفات، وأنهم أشبه ما يكونوا بأدوات حركها الترك ضد السعوديين تارة بالمال وأخرى بالسلاح، فكان ذلك الدعم للقوى المناوئة للملك عبدالعزيز بهدف تغيير الظروف السياسية لصالح الأتراك ولصالح القوى التي خنعت لهم ولاستعمارهم.

كشفت مراسلات الملك عبدالعزيز إدراكه ألاعيب العثمانيين.

 استطاع الملك عبدالعزيز أن يقف أمام العثمانيين بكل حزم وقوة، بعد ما حققه من انتصارٍ عظيم طرد به الأتراك من الأحساء، فكان انتصارًا استراتيجيًا كبيرًا عدَّه بعض المفكرين عملا حكيمًا، حيث تحدى الظروف الداخلية المحيطة، والمتغيرات الدولية، وتدهور أوضاع الدولة العثمانية، لذلك سعى الملك عبدالعزيز إلى التقدم بخطوات استباقية من أجل استرداد الأحساء بكل ذكاء وحنكة ودهاء، والوقوف أمام القوى المحلية المتحالفة مع الأتراك ضده بقوة وإصرار لزيادة قوته في الجزيرة العربية.

  1. أحمد آل فائع، العلاقة بين الملك عبد العزيز والملك حسين بن علي وضم الحجاز 1328-1344ه/ 1910-1925م (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 2012) .

 

  1. أمين الريحاني، تاريخ نجد وملحقاته، ط 5 (الرياض: منشورات الفاخرية، 1981).

 

  1. حافظ وهبه، جزيرة العرب في القرن العشرين (د.م: لجنة التأليف والترجمة، 1935).

 

  1. خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1985).

 

  1. عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية (الرياض: مكتبة العبيكان، 1995).

 

  1. نجدة صفوة، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية (لندن: دار الساقي، 1996).