احتقروا العرب وتركوا الأتراك يُفسدون دون حساب

جرائم العثمانيين العرقية في الجزائر

لم يكن هدف الأتراك العثمانيين في الجزائر نقيًّا، بل كان لفرض الاحتلال على أكبر بقعة عربية واستنزاف خيراتها، وهَدَفَ العثمانيون لجعل الجزائر قاعدة لمد نفوذهم للسيطرة على طرابلس الغرب وتونس؟ وهنا يتبادر سؤال: هل حافظ العثمانيون على عروبة سكان شمال أفريقيا وإسلامهم كما يذكر بعض المؤرخين المعاصرين؟ أم هي محاولة لإيجاد موطئ قدم لهم في المنطقة من خلال الاستفادة من الظروف التي توفّرت لهم واستغلوها لمصالحهم الاستعمارية؟

استيعاب المرحلة التاريخية بشكل واضح من دون تفسيرات عاطفية وميل متوشح بإرث المديح والثناء والقدسية بطريقة غير مقبولة لتاريخ الأتراك في شمال إفريقيا؛ يجعلنا أمام حقيقة تكشف لنا تفاصيل جرم العثمانيين باحتلالهم الجزائر، والغريب أن بعض المؤرخين العرب قام بترديد ما اختطه وكتبه العثمانيون عن أنفسهم، وبذلك كادوا يضيعون الحقيقة الناصعة والرأي الآخر المختلف في المحيط العثماني المتلاطم عبر عصور من الظلم والظلام ضد العرب.

وقع بعض المؤرخين العرب في فخ العثمانيين الذين عملوا على تزوير التاريخ وإضفاء القدسية على أعمالهم

قراصنة البحر الأبيض المتوسط عمل قسم منهم لحسابه الخاص، والآخر لصالح العثمانيين، وكان هدفهم الغنائم والأسلاب، ومنهم الأخوين عروج وخير الدين بربروسا، اللذان يُعَدان أبرز قراصنة البحر في القرن السادس عشر الميلادي، وكان لهما دور في تمهيد الطريق وتذليله من أجل احتلال أجزاء من شمال إفريقيا كتونس والجزائر، واستطاع عروج، أن يؤسس حكومة عسكرية تحت قيادته انضم إليها العديد من القبائل، وسُكّان المدن وبذلك تم الاستيلاء على الجزائر واحتلالها، ومهّد بالفعل لقدوم الأتراك لشمال إفريقيا.

وبعد أن طويت صفحة عروج بمقتله، وتَوَلِّي أخيه خير الدين، زمام الأمور استحدث بعض التنظيمات التي من خلالها طوّع سكان الجزائر للحكم التركي، وقسمها إلى قسمين؛ القسم الشرقي الذي يشمل المناطق الجبلية التي تقطنها القبائل وتمتد حتى الحدود التونسية، والقسم الغربي يمتد من مدينة الجزائر إلى حدود دولة بني زيان، وأصبح الرجل القوي الذي يتحكم فيها، وأسس إدارة لدراسة القوانين واللوائح، وكل ما يصدر به من أوامر.

ورغم ادعاء خير الدين مواجهة الدول الأوروبية، إلا أن مطامعه الشخصية في الحكم والسلطة كانت العنوان الأبرز لحكمه في الجزائر، فهو يحكي عن ذلك في مذكراته بقوله :”لقد بات أنه من اللازم أن نؤسس دولة جديدة في غربتنا”، وأظهرت مذكراته الخاصة حبه للسلطان العثماني وولاءه المطلق له بصورة فيها كثير من المبالغة، وذلك على حساب أهل الجزائر، وعلى النقيض من ذلك أظهر بغضه للعرب بصورة واضحة للعيان، ففي تعامله مع الجزائريين الثائرين ضده استعمل ألفاظًا فيها من العنصرية المقيتة كقوله: “ابن الكلب، البدو، الأعراب”، وغيرها من الأوصاف التي تعوّدنا على قراءتها في الوثائق العثمانية ضد مخالفيهم من العرب.

بينما ينساق بعض المؤرخين العرب اتجاه الدفاع عن الأخوين بصورة عاطفية، ويتهم النظرة الواعية الشمولية للمشهد والحدث التاريخي، بأنها نوع من تشويه الحقائق. بينما تؤخذ الحقائق بصورة كلية لا باقتطاعها بما يوافق الهوى، ويغض الطرف عما لا يوافق هواه.

من الملفت للانتباه أن خير الدين بربروسا لوحظ عليه شدته على العرب في مواطن عديدة، فنصوص مذكراته تؤكد ذلك، فهو يقول: “وكان على رأس الثائرين الذين وقعوا في الأسر شيخ مدينة الجزائر، أمرت بإعدامه وقطع جسده اللعين إلى أربع قطع، وتعليق كل منها على باب من أبواب المدينة ليكون عبرة لغيره”، فهل مثل هذا التصرف قد أظهره المؤرخ المحايد، أم غض الطرف عنه حتى لا يقف أما التيار المؤدلج؟ وهناك مثال آخر، فهو يذكر أنه قد استشار علماء الجزائر الكبار بشأن فعله مع 185 أسير جزائري لديه، فطلب العلماء منه العفو، وأن الكثير منهم كان له الفضل في محاربة الإسبان، إلا إنه استشار البحارة الأتراك فطلبوا ضرب الأعناق ليكونوا عبرة لغيرهم. ثم قال: “فأمرت بضرب أعناق زعماء التمرد”، بينما نجده يعفو عن الخونة الأتراك -كما كان يسميهم- والذين وقفوا مع ابن القاضي ضده وتمردوا على السلطان، والسبب في ذلك على حد قوله: “أن فيهم من قدم خدمات كبيرة لنا وفيهم من يعود إليه الفضل في القضاء على الكثير من رؤوس الإسبان والاستيلاء على سفنهم”.

وهنا تظهر بوضوح ازدواجية المعايير في التعامل مع قومه من الأتراك الخونة، وهي نفس الأسباب التي دفعته لإعدام 185 جزائري، بنفس الأسباب التي جعلته يرفض طلب العفو الذي قدّمه علماء الجزائر باعتبار أسبقيتهم في محاربة الإسبان، ولم يأخذ برأيهم وأعدمهم، والواقع لقد نهج الأخوان عروج وخير الدين بربروسا سياسة التكفير تجاه كل من عارضهما، وقاموا بقتله بأبشع الطرق ولم يراعوا في ذلك حُرمةَ مؤمن ولا قدسيةَ مسجد، وتتقاطع مجموعة من الشهادات حول قيام عروج باستهداف بيوت الله وإعمال السيف في المصلين بعدما رفضوا استبدال المستعمر الإسباني بالمستعمر التركي.

  1. أبو القاسم سعد الله، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر (الجزائر: دار البصائر للنشر، 2007).

 

  1. عبد المنعم إبراهيم الجميعي، الدولة العثمانية والمغرب العربي (القاهرة: دار الفكر العربي، 2007).

 

  1. مذكرات خير الدين بربروسا، ترجمة: محمد دراج (الجزائر: شركة الأصالة، 2010).

 

  1. محمد رزوق، الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16-17م ، ط 3 (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق ، 1998).