سيطروا على أسواق المال والمعادن الثمينة
كيف تغلغل صهاينة اليهود في مناطق نفوذ العثمانيين
شهدت منطقة شبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس) متغيرات حادة في نهاية القرن الخامس؛ إذ استطاع الإسبان والبرتغاليون احتلال الأندلس من أيدي المسلمين، وترتبت على ذلك سلسلة من الاضطهادات وُجِّهَت بصفةٍ خاصة ضد المسلمين واليهود، وتصاعدت هذه الموجة من الاضطهادات لا سيما بعد سقوط غرناطة سنة (1492).
وبعد هجرة العديد من المسلمين الذين عُرِفوا بالموريسكيين، في شتى بقاع البحر المتوسط، وهجرة أعداد كبيرة من اليهود الذين عُرِفوا باليهود الإسبان؛ استقبلت الدولة العثمانية أعدادًا كبيرة من هؤلاء اليهود، لا سيما أن معظمهم كانوا من الأثرياء، أو من ذوي الخبرات المهنية.
ولدينا مصدر تاريخي يؤكد توافد اليهود الإسبان على الدولة العثمانية، وترحيب العثمانيين بتوطين هؤلاء اليهود في أراضيهم؛ إذ يحدثنا صموئيل أوسك وهو يهودي اضطر إلى اعتناق الكاثوليكية، لكنه ظل يهوديًّا في السر، قال لإخوته في الديانة اليهودية: “أبواب الحرية- هنا- في الدولة العثمانية مفتوحة لكم لتمارسوا شعائركم اليهودية بلا تحفظ”.
وفي الحقيقة بدأت هجرة اليهود إلى المغرب أولًا، ولكن منذ عام (1517) ازدادت الهجرات نحو الشرق، لا سيما إلى مصر وسوريا وفلسطين وإسطنبول وآسيا الصغرى بشكلٍ عام.
ويحدثنا المؤرخ الفرنسي آندريه ريمون، عن تزايد الدور الاقتصادي لليهود في الولايات العربية العثمانية، رغم قِلة أعدادهم مقارنةً بأعداد السكان الأصليين؛ إذ احترف اليهود أشغال المعادن الثمينة وأعمال الصرافة، وفي القاهرة على سبيل المثال كانت حارة اليهود تقع في قلب المدينة بجوار حي الصاغة.
كما كان اليهود يعملون أيضًا في دار سك النقود، وقاموا بدور مهم في التجارة الخارجية، حيث تخصصوا في تصدير المنتجات المحلية، واستيراد المنتجات الأوروبية، ويرجع ذلك إلى إتقانهم اللغات الأجنبية، وعلاقاتهم الأوربية الوثيقة مع أترابهم اليهود في أوروبا. كما احترف اليهود مسألة تقديم القروض لا سيما لرجال الإنكشارية وكبار الملتزمين، وهكذا استطاعوا تكوين علاقات وثيقة مع كبار القوم في الدولة العثمانية.
وضع الصهاينة نُصب أعينهم الاقتصاد والسياسة في الدولة العثمانية.
وتشير المصادر التاريخية إلى حدوث مشاكل ومنازعات بين اليهود والسكان المحليين، نتيجة ازدياد النفوذ المالي والإداري لليهود والصراع على ذلك؛ ففي إسطنبول على سبيل المثال أصبح الطبيب الشهير يعقوب باشا طبيبًا خاصًّا للسلطان، فأثار ذلك عداوة رجال البلاط العثماني له.
وفي المشرق العربي حدث صدام كبير نتيجة التنافس بين اليهود والمسيحيين المحليين على إدارة الجمارك، وفي مصر وجّه عليّ بك الكبير ضربة قاسية للجالية اليهودية حوالي عام (1770) حين أبعدهم عن إدارة الجمارك، وأحل محلهم الجالية المسيحية السورية.
وفي تونس حدث تباعد بين اليهود المحليين واليهود الوافدين من أوروبا، ففي القرن الثامن عشر انفصل اليهود ذوو الأصول الأوروبية عن اليهود التوانسة المحليين، وأقاموا تنظيمًا خاصًا بهم.
ويبرر المؤرخ التركي أحمد آق كوندز فتح الدولة العثمانية أبوابها للهجرات اليهودية، بأن هذا كان استمرارًا لتقاليد الدول الإسلامية في معاملة أهل الذمة، لكن الواقع أن الدولة العثمانية تعاملت ببراجماتية واضحة من أجل الاستفادة من ثراء اليهود وخبراتهم الاقتصادية والإدارية.
- آندريه ريمون، المدن العربية الكبرى في العصر العثماني، ترجمة: لطيف فرج (القاهرة: دار الفكر، 1991).
- أحمد آق كوندز وسعيد أوزتوك، الدولة العثمانية المجهولة (إسطنبول: وقف البحوث العثمانية، 2008).
- أحمد نوري النعيمي، الدولة العثمانية واليهود (بيروت: دار البشير، 1997).
- إيرما لفوفنا فادييفا، اليهود في الإمبراطورية العثمانية صفحات في التاريخ، ترجمة: أنور محمد إبراهيم (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2020).
- هاملتون جيب وآخر، المجتمع الإسلامي والغرب، ترجمة: عبد المجيد القيسي (دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، 1997).
- ستانفورد ج شو، يهود الدولة العثمانية والجمهورية التركية (القاهرة: دار البشير، 2015).
- جعفر حسن، فرقة الدونمة بين اليهودية والإسلام، ط3 (بيروت: مؤسسة الفجر، 1988).