شكّلوا الوزارات وسيطروا على المجالس والهيئات

الإدارة الصهيونية في الدولة العثمانية

أكدت المصادر التاريخية بأن الصهاينة طالما كانوا في مفاصل الدولة العثمانية في مراحل مختلفة، وسمح لهم الأتراك بالتغلغل منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى الثامن عشر، وكانوا أطباء ومستشارين مقربين إلى السلاطين العثمانيين، كما قُربوا من رجال الدولة كالصدور العظام والمتنفذين في الإدارة العثمانية، وعلى سبيل المثال في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي كانت تونس تحت الاحتلال العثماني وكان اليهود هم المكلفون فيها بجمع الجباية والضرائب لفترة طويلة، بل هناك قوائم بأسماء أولئك الملتزمين لتلك الأصناف والأعمال من الالتزام للسلع والصناعات المختلفة فيها، إضافة إلى التزاماتهم للجمارك في بعض ولايات الدولة العثمانية، وهذا ما لوحظ في العراق وبلاد الشام والأحساء، لذلك كان توظيف صهاينة اليهود في مناصب الإدارة المالية لدى العثمانيين استراتيجية قديمة.

والواقع أن مراسيم مثل “كلخانه خط همايوني” (1839)، و”إصلاحات خط همايوني” (1856)، أثرا بصورة مباشرة على أوضاع الذميين في الدولة العثمانية، ومنهم صهاينة اليهود الذين سمحت لهم تلك المراسيم والإصلاحات تولي الوظائف الحكومية، فكان على سبيل المثال؛ في غرفة الترجمة بالباب العالي حوالي ثمانية من الصهاينة، وفي قلم التحريرات الخارجية حوالي سبعة عشر صهيونيًّا، وفي غرفة المشورة في الباب العالي حوالي ثمانية من الصهاينة، ويمكننا القول: إن الصهاينة قد تولوا وظائف حكومية مهمة خلال الفترة من سنة (1850) وحتى سنة (1908)، وخاصة في وزارة الخارجية العثمانية، وتعلّم معظمهم في المدارس الأوروبية، وكان معظم الموظفين الصهاينة يتحدثون بلغات عدة كالألمانية والإسبانية والفرنسية.

هيمن اليهود على مناصب مهمة في الدولة وتولوا جمع الضرائب في عدة ولايات عربية بأمر من العثمانيين.

يقول المؤرخ التركي ازنتونا: “إصلاحات عام 1856م، أزالت هذا الفارق أيضا ( وهو اشتراط أن يكون الموظف في الدولة مسلمًا)، وفتحت لغير المسلمين في الـــ 66 سنة الأخيرة للإمبراطورية أبواب جميع الوظائف الرسمية للدولة عدا الوظائف العلمية (علماء الدين)، وتم تعيين الطوائف في كل الوظائف عدا الصدارة العظمى، فصاروا نُظَّارًا للخارجية ونُظَّارًا للمالية وكثيرًا منهم منحوا أعلى المراتب كوزير وباشا. صاروا سفراء وولاة إيالة”.

ووصل بعض صهاينة اليهود إلى مراتب وظيفية كبرى، لدرجة أن إحدى الحكومات العثمانية ضمت ثلاثة وزراء من صهاينة وهم: بساريا أفندي ناظر النافعة أي “الأشغال”، ونسيم مازلياح ناظر التجارة والزراعة، وجاويد بك من يهود الدونمة كان وزيرًا للمالية في الحكومة العثمانية سنة (1913).

كما حظي صهاينة اليهود منذ سنة (1876) بحق التمثيل في البرلمان العثماني، ففي عهد عبدالحميد الثاني بلغ عدد أعضاء هيئة الأعيان قرابة 38 عضوا، وكان من بينهم أحد عشر عضوًا غير مسلم، ما بين نصارى ويهود، وكان أول مجلس يتألف من حوالي 69 عضوًا مسلمًا و46 عضوًا غير مسلم، فالصهاينة شاركوا على مستوى الطبقات الوظيفية من الأعلى حتى الأقل من الناحية الوظيفية.

وممن تولوا من صهاينة اليهود مناصب مختلفة في الدولة العثمانية: نسيم جبرة كان يشغل منصب مدير مكتب تلغراف تساليا، وجاك شالم كان ضابطًا صيدلانيًّا في الأسطول البحري الهمايوني، وإبراهام دي كاموندو عضو في مجلس إدارة أحد الأحياء في إسطنبول، وإبراهام خاتم أفندي كان عضوًا في محكمة العدل، وإسحاق داتون عضوًا في محكمة التجارة في أزمير، وهذه صورة من صور تغلغل صهاينة اليهود في الأجهزة الإدارية في الدولة العثمانية.

  1. أحمد حلمي سعيد، النشاط اليهودي في الدولة العثمانية (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2011).

 

  1. أحمد نوري النعيمي، الدولة العثمانية واليهود (بيروت: دار البشير، 1997).

 

  1. إيرما لفوفنا فادييفا، اليهود في الإمبراطورية العثمانية صفحات في التاريخ، ترجمة: أنور محمد إبراهيم (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2020).

 

  1. رضا بن رجب، يهود البلاط ويهود المال في تونس العثمانية (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2010).

 

  1. عبد الله ناصر السبيعي، الحكم والإدارة في الأحساء والقطيف وقطر أثناء الحكم العثماني الثاني 1288-1331ه/ 1871-1913م دراسة وثائقية (الرياض: مطابع الجمعة الإلكترونية، 1999). 

 

  1. يلماز أوزتونا، تاريخ الدواة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان (إسطنبول: منشورات مؤسسة فيصل للتمويل، 1990).