حرموا الأطفال من حياتهم الطبيعية
عاش "المخصيُّون"
مع حريم السلطان بالإهانة والانتقاص
عارضوا عِتق الإسلام بتقنين استعباد الأطفال دوريًا.
هذه الضريبة تعدُّ جريمة في حق الإنسانية، ودليلاً يضاف إلى حقائق التاريخ على أن العثمانيين مهمَا تلبسوا بجلباب الإسلام إلا أن لهم تاريخًا أسود لا يمكن للبشرية أن تنساه، فإذا كان رسول السلام محمد صلى الله عليه وسلم استنكر على واحد من صحابته في قصة الحُمَّرةً “من فجعَ هذه بولدها… ردوا إليها ولدها”، وإذا كان لطائر صغير حق العاطفة والاجتماع، فما بال الإنسان الذي خلقه الله ليكون حُرًّا كريمًا، ليعيش عزيزًا لا يرضى الظلم ولا الخنوع.
أما الأغوات فقد أخذت الدولة العثمانية بنظام الخصاء ضدهم في قصور السلاطين، على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تحرّم مبدأ الخصاء، وكان أخذ الدولة بهذا النظام غير الشرعي من الحالات التي خرجت فيها على الشريعة الإسلامية، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم حرّم إخصاء البشر، فقال: “لا إخصاء في الإسلام”، صححه الألباني.
ولم يكتف العثمانيون بمن أخصوهم من الرجال، “بل كانوا يشترون العبيد الخصيان من خارج حدود الدولة حيث تكون عملية الإخصاء قد أجريت للعبد في صغره ليتم بيعه في سوق النخاسة إلى الملوك والأمراء؛ حيث كان إخصاء العبيد وبيعهم للخدمة في قصور ملوك الدول المختلفة تجارة رائجة”، وطائفتان من الخصيان: الخصيان السود وهم المخصيون خصاءً كاملًا، والخصيان البيض وهم المخصيون خصاءً جزئيًا، وكان يُطلق على رئيسهم (قبو آغاسي)، بينما كان يُطلق على رئيس الخصيان السود، الذي هو في الوقت نفسه الرئيس الأعلى في القصور السلطانية، (قيزلر آغاسي)، أي (آغا البنات)، و(آغا دار السعادة)، ووضعت الدولة أنظمة خاصة تُطبق على خدمتهم في القصور السلطانية.
وتُعدُّ فكرة الخصاء فكرة خبيثة، لما فيها من الاستعباد والقهر، ولو كان من مساوئ العثمانيين الإخصاء فقط؛ لكان كافيًا لإدانتهم بالانتهاك البشع لحقوق الإنسان واستعبادهم، فعملية الخصاء التي كانوا يقومون بها، ونظرتهم تجاه الرجل والمرأة، تدل على ما بداخلهم من عُقد ومشكلات، وتكشف عن الخوف الذي يتملكهم على نسائهم من الرجال القائمين على خدمة قصورهم، فقد حكم العثمانيون بالمؤامرة، وتسيَّدوا بالتخلف وكانت المرأة لعبتهم، والذهب هو هدفهم الأخير من وراء كافة الولايات والدول التي وضعوا أيديهم عليها.
وطُبق الإخصاء كعقابٍ على جنود الإنكشارية، الذين يخرجون عن الانضباط العسكري، فإذا تكرر من الإنكشاري أعمال مسيئة، يعاقب عليها القانون، وينفذ به حكم الخصي، وكان أغا الإنكشارية هو من يأمر بذلك، وهي عقوبة كبيرة وقاسية لأن من نفد في حقه هذه العقوبة سيفقد رجولته، وتؤهله للعمل داخل قصور الحريم.
فكانت البيئة النسوية تطفح بالمؤامرات والدسائس، وعاش هؤلاء المخصيون في قصور الحريم السلطانية، وكانت لفظة (الحريم) -المتداولة في عصور الظلام العثمانية- توحي بالتسلط النسوي على السلاطين والأمراء من بني عثمان، فكانت النساء في قصورهم الشغل الشاغل، وكنَّ يمارسن الدور الخفي للسياسة العثمانية، فالصراع بين حريم القصور يزيد من الجو التَسَلُّطي السائد، حتى فاضت قصص غاية في الغرابة حول هذا الصراع وما رافقه من الدسائس والمؤامرات التي تُحاك في القصور العثمانية، ولو كانت الجدران تحكي ما كان يحدث بهذه القصور من فجور وانحلال لحكت فظائع وأهوال وروايات.
عاش المخصيون عند الحريم اللاتي لا يكترثن بإهانتهم والانتقاص من كرامتهم وحريتهم، عاشوا محرومين من فطرتهم السوية التي خلقها الله لهم، كما حُرموا -بسب الإخصاء- الأبوة الحقيقية والحق في أن يكون لهم أولاد من أصلابهم تقرّ بهم أعينهم، ويكونون لهم السند والعون عند الكِبر.
حرموا "المخصصين" من فطرتهم وحقهم في بناء أسرة.
1. إبراهيم شعبان، الدولة العثمانية.. 6 قرون إرهاب وإخصاء وحريم، (مقال بصحيفة صدى البلد، السبت 7 سبتمبر 2019).
2. حسن الضيقة، دولة محمد علي والغرب، الاستحواذ والاستقلال (بيروت: المركز العربي الثقافي، 1997).
3. طلال الطريفي، العثمانيون ما كان حديثا يفترى، ط4 (الرياض: دار ائتلاف، 2020).
4. محمد مروان، “الإنكشارية قوة الدولة العثمانية وضعفها”، (ليبيا: المجلة العلمية لكلية التربية، جامعة مصراتة، مج2، ع8، يونيو 2017).
5. محمد ناصر الدين الألباني، صحيح وضعيف الجامع (بيروت: المكتب الإسلامي 1988هـ)، 2: 118.