"سرقوا الخلافة" ...

ولم تقطع أيديهم من خلاف!

تصاعد تساهُل كثير من المؤرخين المتأخرين مع ظهور الدولة العثمانية بتأريخ لقب الخلافة وانتقاله إلى عصر التاريخ الحديث، ومن ذلك إهمال شروط الخلافة وعدم التحقق من توافرها في التطبيق السياسي لهذا المنصب الإسلامي، وبذلك تلاعبوا باللقب فمنحوه من لم يستحق، فتاه مفهومها الشرعي، وفُرِّغت من معناها الحقيقي الذي نشأت عليه عند ظهورها في الدولة الإسلامية الأولى، فصار لقب الخلافة يخضع لقناعات سلاطين الدولة الطورانيّة وأهوائهم، متى رأوا أهمية التلقُّب بالخُلفاء استخدموه، ومتى كان السلطان العثماني غير آبهٍ به لم يكن له أثرٌ في عهده، حتى أن بعضهم تلقّب بالسلطان والخليفة في الوقت نفسه ليستخدم ما شاء حسب ما تقتضيه الدولة والحالة، ليحفظ شكله أمام التاريخ والعالم، ويكذب عليهما أيضاً، مما أحدث ارتباكًا بين المؤرخين في التداخل بين لقب سلطان وخليفة، فتضاربت ألقاب المؤرخين فيهم فترى المؤرخ نفسه مرة يلقبهم بالخلفاء وأخرى يلقبهم بالسلاطين.

من هنا نفهم عدم تواني بعض المؤرخين من أن يمنح العثمانيين الأوائل لقب الخلفاء، حتى تقبِّل الناسُ الزِّعم بأن آخر خلفاء بني العبِّاس في القاهرة المتوكل على الله تنازل لسليم الأول (ت: 926 ه/ 1520 م)، إذ إن الأمر أصبح من دون مفهوم بالنسبة لهم ولا شروط، ولا حتى قيمة لهذا المنصب.

خضعت "الخلافة" في الدولة العثمانية لأهواء السلاطين بإغواء المؤرخين وتخويفهم

إرغام بالتنحي لا بالتنازل:

أمّا الكيفية التاريخية التي انتقل فيها لقب الخليفة إلى البلاط السلطاني فلا يُعرف لها أسباب مقنعة أو تعليلات منطقية يتكئ عليها الباحث المحايد ذو العلاقة، إلا أن القصة الموثقة عن ذلك تم تدليسها بتواطؤ بين أحلام السلاطين وخنوع المؤرخين لظاهر الدولة العثمانية الذي يبدو كبيراً ومهيباً في أعينهم، بينما ينخر السوس والفساد والمؤامرات داخلها ويكشف حقيقتها، ويرد هؤلاء المؤرخون تلقيب العثمانيين بالخلفاء إلى لحظة استيلاء سليم الأول على القاهرة، وإسقاط دولة المماليك سنة ( 923 ه/ 1517 م) حيث يؤكد المتأخرون منهم، بشكلٍ غير دقيق، أنَّ المتوكل على الله (ت: 950 ه/ 1543 م) تنازل لسليم الأول عن الخلافة، وهذا الحديث وتلك الواقعة لا أثر لها في المصادر التاريخية التي عاصرت الحدث إذ يأتي الطَّرح فيها مخالف لما ذُكر تمامًا، وتُعارضه في أحايين كثيرة.

وتعددت تنويعات المؤرخين عن هذه القصة، فعلى سبيل المثال يؤكد الطبيب علي حسُّون في كتابه عن الدولة العثمانية أنَّ الخليفة العباسي تنازل لسليم الأول عن الخلافة وسلَّمه الآثار النبويَّة : اللواء والبُرْدة، وبأنَّ الشريف أبا نُميّ بن شريف مكِّة بركات (توفي: 992 ه/ 1584 م)قَدِم إلى مصر وقدَم طاعته للسلطان بعد أن سلمه مفاتيح الحرمين الشريفين، وبذلك يقول حرفيًا: “وصار منذ ذلك خليفة المسلمين”، لكن حسون حتى يُفْلت من حقيقة إهانة سليم الأول للمتوكل على الله وتعامله معه بطريقة لا تليق بالخليفة العباسي القرشي النسب، قال بأن المتوكل أُرسل إلى إسطنبول مع عائلته وبعض من كبار المماليك، وحين راجت الإشاعات بينهما؛ اضطرَّ سليم لسجنه.

علي بن أبي طالب لم يسلم "سليم" رايتها إلا حلما طورانيًا

بينما تأزم الأمر لدى منصور عبد الحكيم حتى وصل للقول في كتاب له بأن الخلافة كانت متاحة لطموحات كل من يسعى إليها، ويذكر بأن فكرة الخلافة داعبت أحلام سليم الأول، فسعى إليها بالانقضاض على مصر مقرّ الخليفة العباسي الرَّمزي الذي تنازل عن حقِّهِ في الخلافة لسليم الغازي، رغم أن سليمًا أعلن نفسه خليفةً في دمشق قبل ذلك، ويؤكد عبد الحكيم بأنه منذ ذلك التاريخ حمل كل سلطان عثماني لقب أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ومن حينها انتقلت الدولة العثمانية من السلطنة إلى الخلافة.

حلم بلون كابوس:

يرى وديع أبو زيدون في كتابه: “تاريخ الإمبراطورية العثمانية من التأسيس إلى السقوط” مفهومًا للخلافة ودلالتها وشروطها غير واضح بالنسبةِ إليه، لأنه حينما ناقش قضية بايزيد الثاني (توفي: 918 هـ/ 1512م) والد سليم ومشكلة أبنائه وخلافهم، عَنْوَنَ الموضوع بأولاد بايزيد ومأزق الخلافة، وفي موقع آخر من الكتاب تعمّد قلب الحقائق التاريخية التي أوردتها المصادر المُعاصرة لدخول سليم الأول إلى حلب، حين ذكر بأن أهالي حلب لم يسمحوا لجيش المماليك المُنسحب بعد موقعة مَرُج دابق سنة (922 ه/ 1516 م) بدخول مدينتهم،أما سليم فدخلها دخول الفاتحين، بينما تؤكد المصادر على الفظائع التي مارسها سليم وجيشه في حلب وجميع المدن الشامية الأخرى التي دخلوها بعد سقوط المماليك، ثم إن حلب في الأساس تأثرت بخيانة واليها خايربك، الذي اتفق مع سليم على خيانته لقانصوه الغوري (ت: 922 هـ/ 1516م) فمن المؤكد أن جنوده سيفتحون المدينة أمام العثمانيين من دونِ مقاومة، أما الأهالي فلم يرحبوا بهم نهائيًا أمّا خلافة سليم الأول الحالم، فيقول عنها: “واتخذ سليم لنفسه لقب الخلافة، وسلطانها معًا، ولكن لم يعترف بذلك إلا ضمن حدود الإمبراطورية العثمانية، وأصبح السلطان الخليفة العثماني أعظم شخصية في الإسلام في ذلك الوقت، إذ ورث مركز خلفاء بغداد وقياصرة بيزنطة معًا” فلم يورد إلا كلمة “ورث” ولم يشر للتنازل عن الخلافة، بل ذكر بأن سليمًا اتخذها لنفسه، كأنما كانت ملكًا يستطيع أن ينتزعه، وفي كتاب آخر ينقل بأن أحد رجال الديوان في منامه حين قرر  في الدولة العثمانية في عهد سليم ذكر بأن سليمًا أحقُّ بالخلافة، لرؤيته النبيِّ حملته على مصر، ولرؤيا أخرى لأحد نُدماءِ السلطان رأى فيها -حسبما نقل- ما نصهُّ: “بينما نحن جلوس عند العتبة إذ بالباب يُطرق، فذهبت لأنظر بالباب، فإذا به يُفتح، ومن ورائه جمٌّ غفير وجوههم وضاءة، وقسماتهم عربية، وهم وقوف ينتظرون، وبأيديهم الراية والسلاح، وعند مدخل الباب أربعة نفر وجوههم وضاءة، والراية بيد أحدهم، أما الطارق فكان يحمل بيده راية السلطان البيضاء، وقال لي: ونحن رسل رسول الله  أتدري لِم أتينا ها هنا؟ هذا الجمُّ الغفير الذي رأيت، هم صحابة رسول الله إليكم، وهو يُقرئ سليم خان السلام، ويقول: هُبّ وهلُّم، فقد وهبت لك خدمة الحرمين، والنفر الأربعة الذين رأيت هم الخلفاء الراشدون، أولهم الصدِّيق، وثانيهم عمر الفاروق، وثالثهم عثمان ذو النورين، وأنا علي بن أبي طالب، بلغ سليم خان ما أخبرتك به. وفجأة غابوا عن الأنظار، وأيقظني أهلي وأنا أتصبب عرقًا”.

الأحلام والرؤى تعّود عليها قُراء التاريخ العثماني وكُتّابه منذ أرطغرل (ت: 680هـ/ 1281م) وابنه عثمان (ت: 726هـ/ 1324م) مؤسس إمارتهم، إلى عهد عبدالحميد الثاني (ت: 1336هـ/ 1918م)، حيث إنَّ مثل هذه الأحلام والرؤى يُقصد منها -دائمًا- إعطاء هالة قدسيَّة لأسرتهم وسلاطينهم، باعتبار أن سلطنتهم تسير وفق نظرهم في إطار الحق الإلهي المقدس، وبغضِّ النظر عن ذكر الرؤى ومدى صدقيَّتها؛ فإن تضاربها وتشابهها على مدى تاريخ بني عُثمان، يجعل منها شيئًا ممقوتًا بالنسبة للقارئ والدارس للتاريخ، لأنهم من خلالها يحاولون تبرير الهالة القدسية التي يحيطون بها أنفسهم.

وإذا ما عدنا لقراءة متفحصة في هذه الرؤية عن وفود الراشدين لسليم الأول -على فرض حدوثها حقيقةً- سنجد أن سليم لم يُقارن نفسه فيها بالخلفاء المتأخرين بل قفز إلى أن جاء بعد عليٍّ بن أبي طالب، لأنه هو كرم الله وجهه من سلَّمه الراية -حسبما نُقِل عنه-، متجاوزًا بذلك عُمر بن عبدالعزيز (ت: 720 ه/ 1320 م) إضافة إلى أن هذه الأحلام التي هي أقرب من النسج المدبر من حقيقة حدوثها في المنام يقصد بها السلاطين العثمانيون، وتسويغ ذلك بأمرين مهمين: أولهما: أن ما قام به سليم من انتزاع للخلافة يقع في إطار الشرع الإسلامي، وفي ذلك قلب للمفاهيم، والثاني: إقناع الناس ورسم صورة ذهنية لديهم غير صحيحة بأن آل عثمان كانوا خلفاءَ شرعيين مثلهم مثل الراشدين والأمويين والعباسيين، بينما هم يتعارضون مع إحدى الشروط المهمة في النسب القرشي.

عودة لشروط الخلافة:

إذا انتقلنا إلى المؤرخين الأتراك فهم أيضاً لم يألوا جهداً في عسف الحقيقة بتفسيرات ضعيفة لانتقال الخلافة للعثمانيين، فها هو المؤرخ التركي خليل إينالجيك (ت: 1437 هـ / 2016 م) الذي يذكر بأن ضم المناطق العربية، خاصةً مكة المكرمة والمدينة المنورة للسلطنة العثمانية هو السبب الذي أصبحت به الدولة العثمانية دولة خِلافة، وانتقلت من مفهوم الدولة الحدودية إلى مفهوم أن سلاطينها اعتبروا أنفسهم حُماة كل العالم الإسلامي، وهذا التبرير بحماية العالم الإسلامي ركيك ومجامل، فهذه الحماية -حسبما زعمه إينالجيك- لا تعني بالضرورة -إن كانت بالشكلِ المثالي الذي يذكرونه وليس الواقع التاريخي غير المثالي- مبرراً لوصف دولتهم بدولة الخِلافة، إذ كيف ينسجم في العقل والمنطق هذه الحماية المزعومة وتقاعس الدولة العثمانية عن نُصرة مسلمي الأندلس، وغضّ الطرف عن حملات البرتغاليين ومن جاء بعدهم من الأوروبيين إلى الخليج العربي، وإهمالهم للمناطق الداخلية في الوطن العربي كوسط الجزيرة العربية، الذي لم يكن يُحسب ضمن اهتمامات الدولة، وتُرك ليواجه مصيره قرونًا عدَّة، بينما كانت الأهمية منصبة على المناطق العربية المهمة الغنية تجاريًا.

وهناك اتجاه آخر من المؤرخين لا يختلف من حيث الهدف عن سابقيه، قعَّدَ لأمر الخلافة الإسلامية بما يتناسب مع سلاطين الدولة العثمانية، ووافقهم فيما طمحوا إليه، كما جاء عند محمد العُبيدي بأن الدليل واضحٌ في أن الخلافة الإسلامية خلفت النبوة والنبوات وأنها واجبة في الشَّرع المحمَّدي قبل كل واجبٍ ديني، وأن هذا الواجب قائمٌ بالدولة العثمانية لانعقاد الإمامة من وجهين: اختيار أهل العقدِ والحلّ، أو عهد الإمام من قبل، ولأن قول العبيدي يدور في فلك الدولة العثمانية وضمن الدعاية السياسية التي كانت تطمح إليها في فترة المؤلف؛ فإن قوله غير مُستغرب في طمره الحقيقة، وتقديم وتأخير الواجبات الدينية بحسب الهوى السياسي، ويؤكد قوله هذا بالآتي: “فأذن الله بالشباب بعد الهرم وبالصحةِ بعد السقم وكان ما كان من أمر ساكن الجنان السلطان سليم خان، فبعث إليه بمفاتيح الحرمين الشريفين محمد أبو البركات، وهو في مصر فكان أول من لقب بخادم الحرمين من آل عثمان، ثم بايعه بالخلافة -تخليًّا عنها- المتوكل على الله الثالث آخر الخلفاء العباسيين في جامع آيا صوفيا على ملأ الأشهاد من رجال الملك وعامة المسلمين، فكان أول خليفة من تلك الأسرة الطيبة، وذلك عام (922م) ثم ما زالت في عقبه حتى الآن ولا تزال كذلك إن شاء الله إلى آخر الدوران”.

وبطبيعة الحال فإن كل ما قاله العبيدي وإينالجيك لا يمت بصلة إلى الواقع التاريخي، ولم تتناوله أيٌ من المصادر التاريخية المُعاصرة للحدث بل هو صناعة حديثة، ومما دُلِّس به على التاريخ لتبرير انتزاع سليم الأول للخلافة، إذ لم يتنازل الخليفة المتوكل على الله له بها، ثم إنه لا تعني تبعية الحرمين الشريفين سياسيًا للدولة العثمانية أحقيتهم بالخلافة، وإلا لو أن أمراً كهذا حقيقة لأصبح قاعدةً، وأصبح السِّباق في التاريخ الإسلامي على السيطرة السياسية على الحرمين الشريفين محموماً وواضحاً، لكن هذا الأمر لم يكن في شروط الخلافة ولا مفهومها.

المصادر المعاصرة أصدق إنباءً :

هذا المسار المائل المتلوّن في كتابة تاريخ الدولة العثمانية قد يُبرره البعض بالحماسة الدينية والعاطفة المتأججة ضمن الموقف من الهجمة الاستعمارية، باعتبار أن الاستعمار الأوروبي حوَّل المفاهيم مرحلياً إلى أن تغيرَّت وتبدَّلت، وغُيِّب كثيرٌ من التاريخ، ووُضع مكانه تاريخٌ آخر لم يعتمد على المصادر الأصيلة، على الرغم من أن كتابات بعضهم تحتج بتلك المصادر وهي لم تعُد إليها أو تُناقشها، وهذا يدعو إلى عودة النظير في جميع ما كتب في تلك الحقبة، فمؤرخ مثل سعيد الغامدي أشار إلى تلك المصادر المعاصرة دون العودة إليها وفحصها بدقة، إذ يقول: إن السلاطين العثمانيين توارثوا لقب الخلافة بإجماع معظم المصادر، وإنه في الفترة المبكرة للدولة العثمانية لم يهتم السلاطين بإبراز صفة الخلافة، لذلك فقدت الخلافة مكانتها في القرن الثامن والتاسع عشر لأسباب سياسية ودينية وغيرها، إلا أن الحقيقة تؤكد عكس ما ذكره الغامدي، وأن كثيرًا من المصادر المهمة التي جَايَلَت ذاك الحدث ووثقته لم تذكر هذا التوارث، فمثلاً ابن طولون المعاصر لسليم الأول كان يستهل توثيق أحداث كل سنة بقول واحد، فمثلاً وهو يتحدث عن سنة ( 924 ه/ 1518 ) يقول: “استهلت، والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبوعبدالله محمد بن المستمسك بالله أبي الصبر يعقوب العباسي” في إشارة إلى أن الخلافة في العباسيين لم تبرحهم، واستمر على ذلك كل عهد سليم الأول، الذي كان يسميه ملك الروم، ولو أن المتوكل تنازل لسليم، لما تجرأ ابن طولون على الاستمرار في وصف المتوكل بالخليفة وأمير المؤمنين، كما لم يذكر ابن إياس (ت: 930 ه / 1524 م) المعاصر لاحتلال سليم الأول لمصر في كتابه “بدائع الزهور في وقائع الدهور” ذلك، إذ لم يقرن لقب الخلافة لأي سلطان عثماني، وكذلك كل من محمد الغزّي (ت: 1061 ه/ 1651 م) في مؤلفه “الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة” حين ترجم لسليم الأول لم يُشر إلى وصفه بالخليفة نهائيًا، بل اقتصر على وصفه بالسلطان، كذلك عبدالملك العصامي (ت: 1111 ه/ 1700 م) في “سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي” أشار إلى سليم بأنه ملك وسلطان، وهذه الأدلة من بطون المصادر المجايلة لأحداث سليم الأول مع غيرها المماثلة لها، تدل بما لا يدع مجالاً للشك أن المصادر التي ألبست العثمانيين ثوب الخلافة كانت جميعها تُكتب تحت ظلِّ الدولة العثمانية، إذ لم يكن يجرؤ أيّ مؤرخ لكتابة ما أن يستفزّ السلطنة والسلطان الذي كان يُعامَل ويوصف بشيءٍ من القداسة.

وفي محاولة بعض المؤرخين للذود عن الدولة العثمانية بأنها تعرضت لهجمة شرسة من الحقد والتدليس قام بها الأوروبيون لتشويهها في نظر الأجيال الجديدة ممارسة للخطأ نفسه؛ ولكن في الجهة المقابلة؛ إذ إن الخلط وإحداث اللبس لدى القارئ فيه تجني على التاريخ، فالتأكيد على خلافة الدولة العثمانية ووضعه في سياق تاريخي متأخر يجعلنا نتعجب من هذا الطرح البعيد عن المنطق العلمي، الذي يؤسس لتفكيك التاريخ ومناقشته في سياقات مقطعة، بدلاً من خلطها وضياع المقاصد من الطرح التاريخي، بهدف خدمة فكرة مسبقة وتوجه محسوم، وفريق آخر ذهب لربط الخلافة بالعثمانيين من خلال مشروع عبدالحميد الثاني المتمثل في الجامعة الإسلامية لكون هذا المشروع محاولة منه لإنشاء رابطة واحدة للمسلمين تحت حكمه للوقوف ضد الحركة الاستعمارية، ومقاومة القوميين العرب، واتجاهه لتقوية الخلافة واستعادتها لهيبتها من خلال هذه الجامعة، بينما من الممكن أن يسعى عبدالحميد لفكرة الجامعة الإسلامية من دون أن يؤكد خلافته التي لم تكتمل فيها الشروط شرعيًا، ولا حقًا تاريخيًا.

لقد سُرقت الخلافة من القاهرة العباسية إلى إسطنبول العثمانية غير العربية، وباتت كطربوش يلبسه السلطان العثماني متى شاء ورغب، وسيف يسله حسب الموقف والحال، بل ووظف لقب “الخليفة” سياسياً ضد الخارج المعادي لدولة إسطنبول وفي الداخل ضد النهضة العربية وطموحات الشعوب العربية للعودة إلى عروبتها الأصلية وإسلامها الصافي، ونسى أن الحقيقة لا تسرق وإلا لما كانت حقيقة.لقد سُرقت الخلافة من القاهرة العباسية إلى إسطنبول العثمانية غير العربية، وباتت كطربوش يلبسه السلطان العثماني متى شاء ورغب، وسيف يسله حسب الموقف والحال، بل ووظف لقب “الخليفة” سياسياً ضد الخارج المعادي لدولة إسطنبول وفي الداخل ضد النهضة العربية وطموحات الشعوب العربية للعودة إلى عروبتها الأصلية وإسلامها الصافي، ونسى أن الحقيقة لا تسرق وإلا لما كانت حقيقة.

الجامعة الإسلامية كانت جسرًا للقب "الخليفة"

(1) ابن زنبل الرَّمَّال، آخرة المماليك: واقعة السلطان الغوري مع سليم العثماني، تحقيق: عبدالمنعم عامر، ط2 (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998).

(2) جان ألبجوونج، بصمات خالدة في التاريخ العثماني، ترجمة: عبير الشناوي (القاهرة: دار النيل، 2015).

(3) خليل إينالجيك، تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، ترجمة: محمد الأرناؤوط (بيروت: دار المدى الإسلامي، 2002).

(4) علي حسُّون، تاريخ الدولة العثمانية، ط3 (بيروت: المكتب الإسلامي، 1994).

(5) ماجدة مخلوف، الخلافة في خطاب أتاتورك (القاهرة: دار الآفاق، 2002).

(6) محمد العبيدي، حبل الاعتصام ووجوب الخلافة في دين الإسلام (بيروت: المطبعة العلمية، 1916).

(7) محمد الغزّي، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة (بيروت: دار الكتب العلمية، 1997).

(8) محمد بن طولون، مفاكهة الخِلاَّن في حوادث الزَّمان (بيروت: دار الكتب العلمية، 1998).

(9) منصور عبدالحكيم، الدولة العثمانية من الإمارة إلى الخلافة، ط3 (القاهرة: دار الكتاب العربي، 2013).

(10) وديع أبو زيدون، تاريخ الإمبراطورية العثمانية من التأسيس إلى السقوط، ط2 (عمَّان: الأهلية للنشر، 2011).