عن طريق الأدب والتأليف والسياسة
واجهت "العربية" تجييشًا بالكراهية من الفرس
شخَّصت الباحثة الأمريكية المتخصصة في الدراسات الإيرانية جويا بلندل الحالة الإيرانية والنزعة القومية الفارسية منذ القرن التاسع عشر الميلادي حتى عصرنا الراهن، حيث ناقشت دور الأدب في رسم صورة الذات، خاصة في إيران، التي تعددت فيها الأعراق والإثنيات، وبيَّنت الأسباب المؤسسة لظهور النزعة القومية الشوفينية لدى الفرس.
أكدت جويا أن محاولة الانتقاص الفارسي للعرب قديمةٌ في أدبيات الفرس، حيث نضحت به كتب الفرس التي حاولت تشويه صورة الإنسان العربي، وإظهاره على أنه غير متمدن، مقابل الإيراني المتنعم الحضاري. وعندما جاء النظام البهلوي في القرن العشرين سعى إلى دمج الأقليات القوميَّة كلها في إيران الفارسية – بما فيهم العرب- مركزًا على السياسة والاقتصاد في طهران، ساعيًا إلى تدمير الأساس الاقتصادي للقوميات الأخرى غير الفارسية، وقوبلت حالات التذمر والاعتراض تلك ببذر الشعارات الفارسية القومية والدعاية الفكرية لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية العتيقة لما قبل الإسلام، واعتبار العرب والإسلام سببين للتخلف الإيراني، وطمس الحضارة الفارسية العريقة التي امتدت إلى آلاف السنين، وتحميل الدين الوافد مسؤولية هذا التخلف، والنظر إلى حملة هذا الدين وناشريه العرب باعتبارهم الكارثة الحقيقية التي حلت بالثقافة الإيرانية، بسبب تخلف النموذج الحضاري المسيطر، خاصة أن العربي تمثل دوره في الهمجي آكل السحالي حافي القدمين، الذي لا يعرف الحضارة، ولذلك كانت خطوته الأولى تدمير الحضارة الفارسية العريقة، باعتبار أن إيران تنتمي إلى عرق آري ولغة هندو-أوروبية، مقابل العربي السامي المتخلف بكل المقاييس الأنثربولوجية حسبما حاول الفرس تصويره.
النزعة الثقافية القومية هي ثيمة مُلِحَّة في الأدب الفارسي الحديث، والتي تعني الولاء والإخلاص للأمة والقومية الفارسية. التي وجدت في إرثها قبل الإسلام مصدرًا وتمجيدًا بالديانة الزرادشتية وعبقرية العرق الآري، ولعن العرب المسلمين؛ لتسببهم في انحدار إيران العظيمة.. فأصبحت اللغة الفارسية شأنًا مركزيًّا لإيدلوجيا النظام الحاكم البهلوي الذي سعى بدوره إلى ترسيخ الهوية الإثنية للشعوب غير الفارسية في إيران جاعلاً إياها جزءًا من الأمة الإيرانية من خلال جعل اللغة الفارسية اللغة الرسمية للدولة والإعلام والتعليم والأدب. وأنشئت أكاديمية خاصة بالأدب الفارسي أصدرت قوائم بالكلمات الفارسية الجديدة، بعد إعادة صياغتها بغية إزاحة الكلمات الأجنبية عنها، خصوصًا المفردات ذات الأصول العربية.
ونذكر هنا بعض الأمثلة على العنصرية الفارسية ضد العرب والعربية، ففي كتاب دهمذا “لغة نامه” يصف العرب بإسهاب بمصطلحات العرق، وأنهم شعب سامي وهم جماعة من البشر يختلفون عن العجم.. إنهم سكان شبه الجزيرة العربية والمشرق والسودان وشمال أفريقية، ويصفهم بقوله: “إنهم شعب يستجر العزة من ماضيه ومن عرقه شأن كل الشعوب المتخلفة”. ويصف الروائي محمد علي جمال زاده الذي يدعي انتسابه إلى آل البيت القول الشائع دون تعليق منه: “العربي في الصحراء يأكل الجراد مثلما يشرب كلب أصفهان المياه المثلجة”، وهذه المقولة بينت مدى شعوبية محمد علي جمال الذي كان ينظر إلى الإسلام باعتباره جزءًا متممًا للثقافة الإيرانية، ولا يعتبر نفسه عربيًّا بأي حال من الأحوال. ولو نظرنا إلى ما كتبه سنجد أنه استخدم أنموذجًا غربيًّا في سعيه لنزعة عصبية إيرانية، ووضع لها هدفًا له لغة وهوية مشتركة فارسية إيرانية. ولكن في حكايته “الفارسية سكر” يوحي أنه بقدر ما يُجَسِّد السيد أروبة الحداثة الشكلية؛ فإن الملا العربي يمثل الوشوشة الدينية، التي لن تساعد أيًّا منهما في تطوير إيران، وهنا يقرن الآخر العربي بالوشوشة الدينية والتخلف، ويفرض على الذات الإيرانية التي عرَّفها بالفارسية المسلمة أنها تسير باتجاه الحداثة وبناء أمة.
رغم ادعاء الروائي الفارسي محمد علي جمال زاده انتسابه العربي؛ كان الأكثر تنمرًا على العرب.
وعلى أية حال، فصورة العربي شُوِّهَت في العديد من الأعمال الأدبية الإيرانية منطلقة من العصبية والعنصرية الفارسية والحقد ضد العرب، واستندت على إرثها الفارسي المبغض للعرب، الذي تضخم عبر قرون من الزمان، حيث كان الكره والتجييش ضد العرب سيد الموقف، واستمر حتى العصور المتأخرة، وإن اختلفت الأساليب وتغير الطرح، فقد اجتمع ذلك كله على تشويه العرب والطعن فيهم ولعنهم ووصفهم بأقذع الأوصاف.
- جهاد فاضل “العرب كما يراهم الفرس”، مقالة على موقع جريدة الرياض، السعودية، ع. 15665، 15 مايو (2011).
- جويا سعد، صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث (دمشق: قدمس للنشر والتوزيع، 2007).
- نبيل العتوم، صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية (عمَّان: مركز أمية ودار عمار، 2015).