بسياسة عنصرية

حُرِّم على كل عربي أن يمتلك أراضٍ أو عقاراتٍ إلا -استثناءً-

بموافقة خاصة من مجلس الوزراء الإيراني

احتلال إيران للأحواز “إمارة المحمرة” في عربستان، كان لأطماعٍ عدَّة أهمها النظرة العنصرية والاستغلال الاقتصادي؛ أما العنصرية الفارسية تجاه العرب فبعد سنوات السيادة العربية؛ كانت النار تستعر في نفوس الفرس تجاه العرب. ومن ناحيةٍ أخرى أدركت طهران الأهمية الاقتصادية للأحواز، سواءً من حيث وفرة المياه العذبة من خلال أنهارها، أو حقول النفط فيها، فمن المعروف أن أغلب نفط إيران يأتي من الأحواز. لهذا قام رضا شاه بهلوي باحتلال الأحواز وضمها إلى إيران عام (1925)، في عمليةٍ غادرة تواطأت فيها مع إنجلترا، وراح ضحيةً لهذا التواطؤ عرب الأحواز، بعد أن أُلقي القبض على أميرها الشيخ خزعل الكعبي ونفاه إلى طهران، حتى وفاته التي يرى بعض الباحثين أنها وفاة غير طبيعية على يد عناصر الأمن الإيراني.

وفي مذكرة قانونية من وجهة نظر القانون الدولي، يصف الباحث عامر الديلمي استيلاء إيران على الأحواز على أنه بمنزلة “احتلال وفقًا لقرارات الأمم المتحدة والعقود الدولية لإنهاء الاستعمار”. من هنا يرى أن إيران خالفت المواثيق الدولية التي تنظم وضع الاحتلال؛ حيث تحول إلى اضطهاد فارسي، وصل إلى مستوى ارتكاب المجازر الوحشية، بقتل الأبرياء من أهالي الأحواز واعتقالهم، مما أدى إلى خسائر بشرية كبيرة، بالإضافة إلى الكثير من الأضرار المادية الجسيمة. وتمثل هذا الاضطهاد الفارسي في العديد من الأعمال العسكرية وشبه العسكرية، علنيةً كانت أو سرية.

طهران بدأت منذ وقت مبكر في تنفيذ سياسة ممنهجة للتغيير الديموغرافي في الأحواز؛ إذ عمدت منذ عام (1928) إلى جلب آلاف العائلات من المزارعين الفرس إلى مناطق الأحواز التي تتميز بخصوبة أراضيها، لتبدأ عملية إحلال وتبديل في عناصر السكان. والأكثر من ذلك تشجيع السلطات الإيرانية العناصر الفارسية على الإنجاب والتكاثر، ضمن مخطط “التفريس الديموغرافي” في الأحواز على حساب العنصر العربي المحلي.

ومن ناحيةٍ أخرى أدى ازدياد اكتشاف النفط في الأحواز، وتحول ميناء ومصفاة عبادان إلى أهم المراكز النفطية في إيران، إلى جذب أعداد كبيرة من المهاجرين الفرس من مختلف المدن الإيرانية، وبلا شك ساعدت الإدارة الإيرانية على ذلك، وهو ما يصفه البعض بـ”سياسة التمييز الفارسي ضد الشعب العربي في الأحواز في التوظيف وفي الثقافة”.

ولعل أهم جرائم طهران في مسألة التهجير القسري والتمييز الديموغرافي تشجيع طهران رجال الإقطاع من الفرس على القيام بسلب أراضي الفلاحين العرب البسطاء في الأحواز، ومالكي الأراضي من العرب العاملين في مهن أخرى مثل موظفي الخدمات وسائقي الأجرة، وتبرير هذا العمل المخالف لكل المواثيق الإنسانية، بأنه تم تعويض هؤلاء العرب البسطاء بأراضي أخرى في شمال إيران، وذلك لم يحدث ، وفي الحقيقة كانت طهران تسعى من وراء ذلك إلى دفع هؤلاء العرب إلى ترك موطنهم في الأحواز لصالح رجال الإقطاع الفرس، مما يعد تهجيرًا قسريًّا.

وفي عام (1962) أصدرت طهران قانون الإصلاح الزراعي؛ حيث تم منح الكثير من الفلاحين الفرس من خارج الأحواز أراضي واسعة في هذا الإقليم، بينما حُرِّم على كل عربي أن يمتلك أراضي أو عقارات إلا بموافقة خاصة من مجلس الوزراء الإيراني.

لم تقتصر سياسة التهجير القسري والتمييز الديموغرافي على عهد الشاه فقط؛ إذ استمرت السياسة نفسها في عهد الجمهورية الخمينية، حيث تم تهجير عدة آلاف من العرب من موطنهم وخاصةً المناطق الخصبة على طرفي نهر كارون. كما أنشأت طهران العديد من المستوطنات الزراعية، وجلبت إليها مستوطنين فرس، من أجل المزيد من التغيير الديموغرافي في الأحواز. وعلى ذلك أعلنت منظمة العفو الدولية في تقريرها أن “السلطات الإيرانية تصادر مساحات شاسعة من الأراضي بهدف حرمان العرب من أراضيهم، ويندرج ذلك في سياق استراتيجية غايتها نقل العرب بالقوة من أراضيهم إلى مناطق أخرى، مع تسهيل انتقال غير العرب إلى عربستان”.

وقد انعكس ذلك بقوة على الأوضاع السياسية في الأحواز؛ إذ شهد الأحواز في عام (2005) انتفاضة كبرى عمت أرجاء الإقليم، رفضًا لسياسات التهجير القسري، وإبعاد الكثير من العناصر العربية، وإحلال عناصر أخرى محلهم.

ويُشار إلى أثر سياسة التهجير القسري والتمييز الديموغرافي على التمثيل العربي في البرلمان الإيراني؛ إذ انخفض هذا التمثيل من ثلاثة عشر نائبًا في مطلع القرن الحادي والعشرين، إلى مجرد اثنين من النواب. هكذا مارست طهران سياسة التهجير القسري والاستعمار الاستيطاني ضد عرب الأحواز، ضاربةً عرض الحائط بكل العهود والمواثيق الدولية.

خُفِّض عدد النواب العرب في البرلمان الإيراني من 13 إلى نائبين.

  1. فرح صابر، رضا شاه بهلوي التطورات السياسية في إيران 1918- 1939 (السليمانية: مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، 2013).

 

  1. عامر الديلمي، الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي وقرارات الأمم المتحدة والعقود الدولية لإنهاء وتصفية الاستعمار (عمَّان: شركة دار الأكاديميون، 2021).

 

  1. عذبي العتيبي، الاحتلال الإيراني لإمارة عربستان وحق تقرير المصير لشعبها، رسالة ماجستير في العلوم السياسية (عمَّان: جامعة الشرق الأوسط، 2013).

 

  1. عليّ محافظة: العرب والعالم المعاصر (القاهرة: دار الشروق، 2009).